في الأيام الأخيرة التي سبقت سقوط مدينة قندهار الأفغانية في يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، كانت حركة طالبان والمقاتلون المصطفون معها يبدون مقاومة كبيرة لكنهم واجهوا مشكلة الطيران الأميركي.
فقد كانت المقاتلات الأميركية تحتل سماء قندهار وتقصف كل ما يمشي على الأرض لإجبار طالبان على تسليم المدينة، وفق ما أكده المفتي السابق لتنظيم القاعدة محفوظ ولد الوالد.
وقبل تسليمها بأسبوعين، كانت قندهار المدينة الوحيدة التي لم تسقط بيد التحالف، وبقيت تمثل الثقل السياسي لطالبان، والعسكري للقاعدة، رغم أن أسامة بن لادن كان قد انتقل إلى تورا بورا فور سقوط كابل.
ورغم عدم مشاركة طالبان في هجوم الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، فإن الولايات المتحدة وضعت الجميع في سلة واحدة، ولم تترك لأحد خيارا سوى المواجهة، حسب ما ذكره ولد الوالد في حلقة (2025/9/11) من برنامج "مع تيسير".
وأبدى المقاتلون الأفغان والعرب صمودا كبيرا، وردوا القوات المتحالفة مع واشنطن التي حاولت الاستيلاء على قندهار، وعندما انسحبت طالبان من مطار المدينة واصل المجاهدون العرب القتال.
ووفقا لولد الوالد، فقد أوقع العرب خسائر كبيرة في قوات غول أغا الذي كان قائدا للمدينة قبل وصول طالبان للحكم، لكنهم لم يجدوا حلا لمعضلة الطيران.
وفي الوقت نفسه، كان حامد كرزاي، الذي فر من قبضة طالبان بعد 25 يوما من الغزو، أسس تشكيلا عسكريا وبدأ مهاجمة المدينة وقد تعرضت طالبان لمجازر من الطيران الأميركي خلال صد هذه الهجمات.
تسليم قندهار
وبسبب الغطاء الجوي العنيف، تمكن كرزاي من الوصول لمنطقة أرغندام في وقت سيطرت قوات غول أغا على أجزاء كبيرة من قندهار التي لم تكن طالبان قادرة على نقل جرحاها من شوارعها بسبب الضربات الجوية، كما يقول ولد الوالد.
ومع ذلك، كان طالبان تتلقى دعما كبيرا، وكان المجاهدون العرب في أفضل أحوالهم بعدما أخرجوا عوائلهم من قندهار، وتفرغوا لتأمين المدينة من الداخل.
بيد أن طالبان وجدت أن الاحتفاظ بالمدينة بات مكلفا جدا، وأن الانتقال لحرب العصابات سيكون الحل الأفضل عسكريا، بعدما بدت المواجهة المباشرة خاسرة.
إعلان
وجرت مفاوضات تسليم قندهار بين طالبان وكرزاي. وفي السابع من ديسمبر/كانون الثاني 2001، تلقى عدد من المجاهدين الموجودين بمطار قندهار -بينهم ولد الوالد- استدعاء من قيادة الحركة، وعندما وصلوا أبلغوهم قرار الملا عمر بالانسحاب لأنه قرر تسليم المدينة للملا نقيب الله وهو رجل كانت له مكانة في البلاد.
انسحاب وتنكيل
وخلال عملية الانسحاب من قندهار إلى مدن أفغانية أخرى، واجه المجاهدون عقبات كبيرة ومخاطر لا حصر لها، وفقدوا كثيرين منهم قبل أن يصلوا، وفق ما أكده المفتي السابق للقاعدة.
وبعد تسليم قندهار، ارتكبت القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة مجازر وعمليات انتقام واغتصاب وتنكيل بمن وقع في يدهم من المقاتلين، حسب ولد الوالد.
وهكذا، ركز بن لادن وجوده في منطقة تورا بورا التي جعلها مركزا عسكريا خالصا للعرب، وقرر أنه سيخوض منها معركة مصير ضد الأميركيين، رغم تحذير بعض الأفغان له من خطورة قطع خطوط الإمداد عنه، فضلا عن خطورة الثلوج، وانكشاف ظهره للباكستانيين الذين تعاونوا مع الغرب.
وبالفعل، تمكن الأميركيون والباكستانيون من محاصرة بن لادن في تورا بورا، واستعانوا على ذلك بمجموعات من المرتزقة الذين طلب بعضهم منه الخروج من المنطقة لأنهم يقدرون له صنيعه ولا يريدون قتاله، وفق ولد الوالد.
بيد أن بن لادن تمكن من ترتيب طريقة لانسحاب مئات من أتباعه بعدما ساعده البعض على توفير ممر آمن له ومن معه إلى باكستان، بينما لم يُعرف إلى أين انسحب هو نفسه، بعدما تعرضت جبال تورا بورا لأطنان من القنابل الأميركية.
وقد أكد ولد الوالد أن الأميركيين لم يواجهوا مقاتلي القاعدة على الأرض كما زعموا، وقال إنهم لم يقتلوا إلا نحو 40 فقط من المجاهدين، وليس مئات كما أعلنوا، وهو أكدته صحيفة "نيوزويك" الأميركية لاحقا.
وعندما وصل هؤلاء إلى الحدود الباكستانية، قام البعض بإبلاغ سلطات إسلام آباد، والتي اتفقت مع الشيخ الليبي الذي يقود المجموعة، على ترك ما معه من مال مقابل فتح الطريق أمامه للعبور، لكنه تمسك بأن يشمل الاتفاق كل من معه.
ولم يتوصل الطرفان لاتفاق، فتم اعتقال المجاهدين ونقلهم إلى إسلام آباد، وخلال الطريق تمكن أحدهم من الاستيلاء على سلاح واحد من الجنود وقتله وقتل عددا من الحراس، حتى سيطر على السيارة.
وبعد سيطرته على السيارة، قادها ببعض من معه حتى بلغوا قرية لا يعرفونها، ومنها حصلوا على دعم من القبائل إلى أن وصلوا إيران، وقد قتل عدد منهم خلال هذا الاشتباك وتم نقل الآخرين إلى إسلام آباد ومنها إلى معتقل غوانتانامو، وما زال بعضهم هناك حتى الآن.
أما مفتي القاعدة السابق، فقد تمكن من الوصول إلى إيران بعد رحلة يقول إنها كانت شاقة ومحاطة بالخطر، لكنهم تمكنوا من الخروج على شكل مجموعات عبر بعض المهربين، وكان هو ضمن المجموعة الأخيرة.
0 تعليق