أمومة مقيدة.. معاناة أسيرات فلسطينيات حوامل في سجون الاحتلال - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نابلس- اعتقلت الفلسطينية رماء بلوي (32 عاما) من بلدة كفر اللبد قضاء طولكرم بشمال الضفة الغربية، وهي في شهرها الثالث من الحمل، وعاشت عائلتها قلقا مضاعفا عليها بسبب إصابتها بمرض حمى البحر المتوسط (الثلاسيميا)، مما جعل حملها مصنفا بـ"الخطر".

يقول زوجها حسام للجزيرة نت إن "متابعة رماء كانت محدودة جدا. كنا نطمئن على صحتها فقط من خلال المحامين وجلسات المحكمة، لأن الزيارات ممنوعة. ولأكثر من شهرين ونصف انقطعت أخبارها تماما، مما ضاعف قلقنا عليها وعلى الجنين".

وكانت رماء قد وضعت طفلها "عابد"، بعد يومين فقط من الإفراج عنها من سجن الدامون في 18 أغسطس/آب الماضي. وولد عابد مبكرا نتيجة الوضع الصحي الحرج الذي خرجت به والدته من الاعتقال.

في فترة تكون فيها الحامل، بأمسّ الحاجة إلى الغذاء الصحي والعناية الطبية والراحة الجسدية والنفسية، تجد الفلسطينيات الأسيرات الحوامل في سجون الاحتلال أنفسهن مجبرات على استقبال أطفالهن وهنّ مكبلات اليدين والقدمين، يتألمْن من وجع المخاض ولا يدرين أيّهما أشد قسوة: آلام الطلق أم وجع القيود في أطرافهن؟

الصورة للسيدة المنقبة مع زوجها: الأسيرة رماء بلوي مع زوجها (مواقع التواصل)
الأسيرة رماء بلوي حُرمت من أي فحوصات أو متابعة طبية خلال فترة اعتقالها وهي حامل (مواقع التواصل)

حرمان من الفحوصات

تحكي رماء بلوي تفاصيل معاناتها في الاعتقال، بعد تحررها، بدءا من الانقطاع التام عن العالم الخارجي حتى شعرت "وكأنها في قبر"، وصولا إلى حرمانها من أي فحوصات أو متابعة طبية.

وحين كانت تُنقل إلى عيادة السجن، كما تقول، كانت تتعرض لشتى أشكال الإهانة والسبّ والشتم، بينما يكتفي طبيب السجن بالقول "اشربي ماء" عند شكواها من أي ألم، مما جعلها ترفض الذهاب إلى العيادة نهائيا.

الأسيرة المفرج عنها سمية جوابرة (مرة مع طفلها بعد ولادته وهي خاضعة للإقامة الجبرية) المصدر: أخبار نابلس عبر منصة التلغرام
الأسيرة المفرج عنها سمية جوابرة مع طفلها بعد ولادته وهي خاضعة للإقامة الجبرية (مواقع التواصل)

أما الأسيرة السابقة سمية جوابرة من مدينة نابلس شمال الضفة، فاعتقلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بداية العدوان على غزة، وكانت حاملا في الشهر السابع، ورغم الإفراج عنها بعد فترة، فإنها لا تزال حتى اليوم تخضع للحبس المنزلي وممنوعة من التواصل مع الإعلام كليا.

إعلان

يقول زوجها طارق، إن أكثر ما كان يرهقها خلال التحقيق هو غياب أدنى مراعاة لوضعها الصحي، إذ خضعت لجلسات تحقيق طويلة ولضغط نفسي كبير، دون مراعاة لكونها حاملا. كما أن الخوف على جنينها كان يضاعف معاناتها، خاصة في ظل انعدام الرعاية الطبية وعدم السماح لها بالراحة الكافية.

وواجهت جوابرة تهديدات ومضايقات من المحققين الذين حاولوا استغلال وضعها الحساس للضغط عليها وانتزاع اعترافات منها، بل كان بعضهم يلوّح بخطر فقدان الجنين إذا لم "تتعاون". وشكلت تلك التهديدات عبئا نفسيا كبيرا عليها، وتركت آثارا ما تزال ترافقها حتى بعد انتهاء الاعتقال.

فحص بالأصفاد

وازدادت تجربة الاعتقال قسوة وإحكاما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ شدّد الاحتلال إجراءاته على الأسرى والأسيرات، فقلّص وجبات الطعام إلى الحد الأدنى الذي يُبقي الأسير على قيد الحياة فقط، ومنع وصول المياه النظيفة، وحرّم الاستحمام والغسيل، وصادر الملابس والغيارات الشخصية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل صعّد من عمليات القمع والضرب والتعذيب، أحيانا بلا سبب، وأحيانا أخرى كنوع من التنفيس عن غضب جنوده، في قمعٍ قد يودي بحياة الأسرى، والأسيرات الحوامل غير مستثنيات من ذلك.

يوضح المحامي حسن عبادي -الذي يتابع ملفات الأسيرات في سجن الدامون الإسرائيلي- أن الأسيرات الحوامل لا يخضعن لأي متابعة أو فحوصات طبية إلا بعد ضغوط كبيرة يمارسها المحامون والمؤسسات الحقوقية. وغالبا ما تتم هذه الإجراءات في ظل قيود مشددة تشمل تكبيل الأيدي والأقدام بقسوة، دون أي مراعاة لكونهن حواملا.

ويضيف عبادي للجزيرة نت "على سبيل المثال، كانت الأسيرة زهراء كوازبة بحاجة إلى خزعة للجنين (فحص عينة منه)، لكنها رفضت في البداية خوفا من المضاعفات أو الإجهاض. وبعد استشارة الطبيب وتدخلي كمحامٍ، جرى نقلها إلى المستشفى وهي في شهرها السابع، لكنها نُقلت مكبلة بالأصفاد والأربطة، في ظروف بالغة القسوة".

ولادة داخل السجن

يؤكد عبادي أن الأوضاع في سجن الدامون "مأساوية للغاية"، مشيرا إلى أن الظروف الصحية للأسيرات سيئة جدا، مما يجعل اعتقال الحامل في هذه البيئة محفوفا بالمخاطر على الأم والجنين معا. ويضيف أن الوجبات ضعيفة وغير كافية، ما يسبب ضعفا عاما وإغماءات متكررة للأسيرات والأسرى.

وعن الأثر النفسي يقول إنه أشد قسوة، إذ تعيش الأسيرة الحامل في خوف دائم من الولادة داخل السجن أو خارجه، مما يضاعف الضغط على أعصابها طوال الوقت.

وقاد عبادي خلال السنوات الأخيرة حملات ضغط ومناصرة بدعم من الاتحاد الأوروبي للمطالبة بالإفراج عن الأسيرات الحوامل وتمكينهن من الولادة خارج السجون وبين عائلاتهن.

ونجحت بعض الجهود في حالات أسيرات مثل أنهار الديك، ورماء بلوي، وزهراء كوازبة، لكنها فشلت مع الأسيرة تهاني أبو سمحان التي وضعت مولودها "يحيى" قبل أسبوعين داخل سجن الدامون، وما تزال محتجزة حتى بعد الولادة.

إعلان

وأعرب عبادي عن استيائه من تقاعس المؤسسات الدولية وضعف أدائها تجاه قضية الأسرى، خاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقال "منذ ذلك التاريخ لم تتحرك أية مؤسسة دولية، ولم يُطبق القانون الدولي، ولا أحد يحاسب الاحتلال. حتى الصليب الأحمر لم يقم بزيارات حقيقية، فيما بقيت بقية المؤسسات عاجزة تماما عن القيام بأي دور فعلي".

معاناة مركبة

من جانبها، أوضحت الناطقة باسم نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة، أن ظروف الأسيرات الحوامل داخل السجون الإسرائيلية "قاسية إلى حد لا يُحتمل"، إذ يُحرمن من الغذاء الكافي الذي تحتاجه الحامل، كما يتأثرن نفسيا بشكل مضاعف بسبب العزل عن محيطهن الأسري والاجتماعي، ما يزيد من معاناتهن الجسدية والنفسية على حد سواء.

وتضيف سراحنة للجزيرة نت، أن عملية نقل الأسيرات لإجراء الفحوصات أو تلقي العلاج تتم في ظروف معقدة ومهينة، حيث يتعرضن لتكبيل مستمر خلال النقل، ويتأثرن بسوء التغذية، إضافة إلى تعرضهن للتفتيش والمعاملة القاسية مثل بقية الأسيرات، دون أي مراعاة لخصوصية الحمل.

وأكدت سراحنة أن نادي الأسير يحاول بشكل متواصل متابعة أوضاع الأسيرات الحوامل عبر زيارات المحامين والضغط على إدارة السجون لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، إلا أن استجابة الاحتلال غالبا ما تكون شكلية وبطيئة، مشيرة إلى أن تجارب الأسيرات الحوامل في السنوات الأخيرة أظهرت أن هذه الظروف تترك ندوبا عميقة على صحتهن ونفسيتهن حتى بعد الإفراج عنهن.

0 تعليق