مناطق الموت الصامتة.. كيف تتحول باصات المدارس في الأردن إلى مصائد لأطفالنا؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
التحقيقات الأولية تشير إلى أن سبب حادث دهش الطفل "أحمد" هو عدم انتباه السائق والنقاط العمياء خبراء: الخطر الأكبر يكمن في "المنطقة العمياء"، وهي المساحة المحيطة بالباص والتي لا يمكن للسائق رؤيتها يقتصر تدريب سائقي الحافلات على المهارات الفنية للقيادة، دون وجود برامج تدريب متخصصة حول كيفية التعامل مع الأطفال

 

"وفاة طفل دهساً من قبل حافلة مدرسته بسبب عدم انتباه السائق". خبر مقتضب، تكرر بصيغ مختلفة في شوارع العاصمة عمان ومدن أخرى، ليفتح في كل مرة جرحاً عميقاً في جسد المجتمع، ويطرح السؤال المؤلم: كيف يمكن للمكان الذي يفترض أن يكون الأكثر أماناً للأطفال - باص المدرسة - أن يتحول إلى أداة لإنهاء حياتهم؟

يسلط هذا التحقيق الضوء على "مناطق الموت الصامتة" حول حافلات المدارس، ويكشف عن سلسلة من الإخفاقات في التدريب والرقابة والتشريع، تجعل هذه المأساة تتكرر.


فاجعة جديدة.. والمأساة تتكرر

مساء الثلاثاء، لم يعد الطفل "أحمد" (6 سنوات) من رحلته المدرسية في ضاحية الياسمين بعمان. نزل من الباص أمام منزله، وفي لحظة غفلة، تحرك السائق دون أن ينتبه لوجود الطفل الصغير في إحدى "النقاط العمياء" حول المركبة، لتنتهي حياة أحمد تحت عجلات نفس الحافلة التي كانت تقله.

وأكد مصدر في مديرية الأمن العام أن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن سبب الحادث هو عدم انتباه السائق"، مضيفاً أنه تم توقيف السائق وبدء التحقيق الرسمي.

هذه الحادثة ليست الأولى، بل هي الأحدث في سلسلة من حوادث الدهس المماثلة التي تودي بحياة أطفال أبرياء.

"المنطقة العمياء": الخطر الأكبر حول الباص

يوضح خبراء السلامة المرورية أن الخطر الأكبر يكمن في "المنطقة العمياء" (The Blind Zone)، وهي المساحة المحيطة بالباص والتي لا يمكن للسائق رؤيتها مباشرة عبر المرايا.

ويقول الخبير في السلامة المرورية، المهندس وائل زيدان: "هذه المنطقة تمتد لعدة أمتار أمام الباص وجانبه الأيمن وخلفه. الطفل الصغير، بقامته القصيرة، يختفي تماماً عن نظر السائق إذا تواجد في هذه المنطقة".

ويضيف زيدان أن معظم الحوادث تقع بعد نزول الطفل مباشرة، حيث قد يسقط منه شيء ويحاول التقاطه، أو يعبر من أمام الباص في اللحظة التي يقرر فيها السائق التحرك.

غياب الإشراف والتدريب المتخصص: جوهر الخلل

وتكشف هذه الحوادث المتكررة عن خلل أعمق من مجرد "عدم انتباه السائق". فالمشكلة تكمن في غياب منظومة متكاملة للسلامة، أبرز نقاط ضعفها:

غياب المشرفات:

لا يزال وجود مشرفة مؤهلة داخل كل باص مدرسي غير إلزامي في العديد من المدارس الخاصة، وغير مطبق في المدارس الحكومية. والمشرفة ليست مسؤولة فقط عن الانضباط داخل الباص، بل مهمتها الأساسية هي التأكد من نزول كل طفل وتسليمه لذويه أو ضمان عبوره الشارع بأمان.

قصور التدريب:

غالباً ما يقتصر تدريب سائقي الحافلات على المهارات الفنية للقيادة، دون وجود برامج تدريب متخصصة ومكثفة حول كيفية التعامل مع الأطفال، وتدريسهم حول "النقاط العمياء" وبروتوكولات السلامة عند صعود ونزول الطلاب.

الحل في منظومة متكاملة: من القانون إلى التوعية

إن منع تكرار هذه الفواجع يتطلب حزمة إجراءات متكاملة. وتتفق الجهات المعنية والخبراء على ضرورة العمل على عدة محاور:

تشريعياً: إلزام جميع المدارس (الحكومية والخاصة) بوجود مشرفة مؤهلة في كل باص ينقل طلاباً تحت سن معين (مثلاً 12 عاماً).

رقابياً: تشديد الرقابة من قبل إدارات السير ووزارة التربية والتعليم على التزام الحافلات بمواصفات السلامة (مثل المرايا الإضافية وأذرع التوقف).

تدريبياً: إطلاق برامج تدريب معتمدة وإلزامية لسائقي ومشرفات الحافلات المدرسية، تركز على سلامة الأطفال.

توعوياً: تنفيذ حملات توعية مكثفة تستهدف الأهالي والأطفال لتعليمهم قواعد الصعود والنزول الآمن من الحافلة، وأهمية الابتعاد عن "المنطقة العمياء".

فحياة طفل واحد أغلى من أن تضيع بسبب إهمال أو نقص في الإجراءات. وتبقى المسؤولية مشتركة بين الجميع، من صانع القرار إلى المدرسة والسائق والأسرة، لوقف هذه المآسي.

0 تعليق