نشر نادي الأسير الفلسطيني إحاطة جديدة عن واقع الأسرى والمعتقلين، استناداً إلى الزيارات التي أُجريت لعدد من الأسرى خلال النصف الأول من شهر أيلول/ سبتمبر 2025، وقد شملت زيارات لسجون (النقب، مجدو، الرملة، عوفر، شطة، جلبوع، الدامون)، إضافة إلى زيارات للأسرى الأطفال والنساء.
وعكست إفادات المعتقلين مجدداً استمرار منظومة السجون الإسرائيلية في ممارسة جرائمها الممنهجة وتوحشها، حيث برزت في الإفادات عدة قضايا، أبرزها التفشي الواسع لمرض الجرب (السكابيوس) في سجني (النقب وعوفر)، إلى جانب التصاعد في عمليات القمع، وتوسيع استخدام أسلحة مختلفة ضد الأسرى، مثل "الفرد الكهربائي" (الصعق الكهربائي) وإطلاق الرصاص المطاطي. كما أكّد المعتقلون أنّ الظروف الاعتقالية ما تزال على حالها دون أي تحسن، خصوصاً في مستوى الطعام الذي يبقيهم في حالة جوع دائم، إضافة إلى حرمانهم من الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.
في سجن "النقب"، تمت زيارة أكثر من 20 معتقلاً، معظمهم إمّا أصيبوا بمرض الجرب وما زالوا يعانون من آثاره، أو عاودتهم الإصابة بعد التعافي. ويُعد سجن النقب من أكبر السجون التي يحتجز فيها الأسرى، حيث يضم الآلاف منهم، وقد شكّل منذ بداية الإبادة حيزاً مركزياً لعمليات القمع والتعذيب والاعتداءات بمختلف أشكالها، وكذلك لتفشي الأمراض والأوبئة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد العديد من الأسرى فيه. وأفاد الأسرى أنهم يواجهون نقصاً حاداً في الملابس، حيث لم يبدل بعضهم ملابسه منذ ستة أشهر متواصلة. كما تفتقر العديد من الأقسام إلى ماكنات حلاقة أو مقصات للأظافر، ويُحرم الأسرى من مواد التنظيف، إضافة إلى قطع الإنارة داخل الزنازين لفترات طويلة. ويُسمح لهم بالاستحمام فقط في وقت "الفورة" – أي خلال فترة الخروج إلى ساحة السجن – وهو وقت يخضع لمزاج السجانين وإدارة السجن التي تتعمد حرمان الأسرى من الخروج وبالتالي من الاستحمام.
إفادات الأسرى:
الأسير (أ. ة): "أعاني من حكة شديدة ولا أستطيع النوم. كلما طلبت الخروج إلى العيادة يتم شتمي وإهانتي. أصبت بالمرض بعدما وضعتني الإدارة مع أسرى مصابين رغم أنني لم أكن أعاني منه سابقاً. كما أعاني من أوجاع كبيرة في المفاصل، ورغم مطالبتي مرات عديدة بالعلاج، إلا أنهم يستهزئون بي ويرفضون تزويدي بأي دواء."
الأسير (م. ي) عن الطعام: "كمية الطعام المقدمة لا تكفي طفلاً صغيراً. في كثير من الأحيان نجد بقايا فضلات طيور في الطعام، أو آثار أحذية السجانين على قطع الخضار التي غالباً ما تكون تالفة. ورغم ذلك نضطر لتناولها لعدم وجود بديل. ذات مرة وجدنا في الطحينة بقايا صابون يُستخدم لتنظيف الأواني."
وأضاف الأسير نفسه: "من يدّعون أنهم أطباء أو ممرضون ينفذون عمليات إذلال بحق المرضى. عندما نطلب العلاج يردون بسخرية: (جيد أنه يتنفس)، أو يقولون: (اشرب ماء مع صابون).
عمليات القمع:
برز تصعيد واسع في عمليات القمع مؤخراً في "النقب"، خصوصاً من وحدة "كيتر" التي نفّذت العديد من الاعتداءات منذ بدء حرب الإبادة. وقد رافقها تفتيشات وعمليات إذلال ممنهجة. ففي العاشر من أيلول، نفّذت قوات القمع اقتحاماً واسعاً لأحد الأقسام، واعتدت على الأسرى مستخدمة قنابل الصوت والرصاص المطاطي، ما أدى إلى إصابة أحدهم. حتى الأسرى الذين خرجوا للزيارة لم يسلموا من التنكيل، حيث يتم الاعتداء عليهم في أماكن بعيدة عن الكاميرات قبل لقائهم بالمحامين.
في سجن "مجدو"، برزت حالات عديدة لأسرى مرضى بحاجة إلى علاج، إلا أنّ الحرمان الطبي يشكّل سياسة ممنهجة منذ بدء الإبادة، وأحد أبرز أسباب استشهاد الأسرى.
الأسير (ع. و): "تعرضت لإصابة قبل اعتقالي بشهر أدت إلى تفتت عظم في أحد أصابع اليد اليسرى، وإصابة أخرى في القدم اليمنى. ومنذ اعتقالي تتعمد الإدارة حرماني من العلاج، حتى من المسكنات، رغم الأوجاع الشديدة التي تمنعني من النوم."
وتتم عمليات القمع عادة كل أسبوعين إلى ثلاثة، حيث تُستخدم الكلاب البوليسية والهراوات وأدوات الصعق، مع اعتداءات بالضرب المبرح والشتائم والإذلال. وغالباً ما تتم هذه العمليات أثناء ما يسمى "الفحص الأمني – العدد" فجراً أو منتصف الليل.
أما انتشار الأمراض في "مجدو"، فرغم تراجع حدة مرض الجرب، ما زال العديد من الأسرى مصابين، خصوصاً في قسم "9"، مع ظهور أمراض جلدية أخرى كالدمامل والفطريات والأكزما. ويستمر النقص الحاد في الملابس ومواد النظافة.
إفادة للأسير (ح. ة): "أعاني من الجرب وظهور دمامل. ورغم طلبي المتكرر للعلاج لا أجد استجابة. كما أعاني من أوجاع شديدة في الأسنان، وحتى إن زودوني بمسكنات فإنها لا تفيد."
في سجن "عوفر"، يستمر انتشار واسع لمرض الجرب، يقابله حرمان من العلاج، ومن بينهم الأسرى الأطفال البالغ عددهم (210) طفلاً.
أما إفادات الأسيرات القابعات في سجن (الدامون)، فقد ركزت على ارتفاع نسبة الرطوبة وانتشار الحشرات وتجويعهن من خلال تقديم خضراوات تالفة. كما يتعرضن للقمع والتفتيش العاري والاعتداء بالضرب، إضافة إلى قيود متصاعدة خلال خروجهن إلى ساحة "الفورة". وتواصل الإدارة حرمانهن من احتياجاتهن النسائية الخاصة، رغم وجود أسيرات يعانين من أمراض، ومشاكل صحية ونفسية، تفاقمت بفعل ظروف الاعتقال والعزل.
وفي سجون "شطة وجلبوع وعيادة الرملة"، لم يختلف الأمر كثيراً. ففي "شطة وجلبوع"، تركزت الإفادات على عمليات القمع واستخدام أسلحة الصعق والكلاب البوليسية التي تتم بشكل أسبوعي، والتي سببت للعديد من الأسرى أوجاع دائمة وإصابات متفاوتة، أما في "عيادة سجن الرملة"، فالوضع أكثر مأساوية، إذ يعاني جميع الأسرى من أمراض مزمنة، وزاد تفاقم معاناتهم مؤخراً مع تفشي الجرب، حيث جرى عزل 10 أسرى مصابين من أصل 22 يقبعون داخل العيادة.
يجدد نادي الأسير مطالبته للمنظومة الدولية بخلع ثوب العجز والتواطؤ إزاء حرب الإبادة لم تلقَ أي أثر ملموس على أرض الواقع، حيث وصلت الجرائم المرتكبة إلى مستوى لا يمكن وصفه بالكلمات. إنّ ما يجري يمثل جزءاً من عمليات التطهير العرقي والمحو، وما يُمارس بحق الأسرى والمعتقلين هو امتداد مباشر لحرب الإبادة. وإنّ استمرار الصمت الدولي إزاء هذه الجرائم هو مساس بالإنسانية جمعاء، وستطال نتائج هذه الحرب كل من اتخذ من العجز ذريعة للتنصل من مسؤولياته.
معطيات عن إجمالي أعداد الأسرى شهر أيلول / سبتمبر 2025
•بلغ إجمالي عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى بداية أيلول/ سبتمبر 2025 أكثر من 11,100، علمًا أنّ هذا الرقم لا يشمل المعتقلين المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال. ويُعدّ هذا العدد الأعلى منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وذلك استنادًا إلى المعطيات التوثيقية المتوفرة لدى المؤسسات.
•الأسيرات: يبلغ عددهن حتى تاريخه (53) أسيرة، بينهن أسيرتان من غزة.
•الأطفال: بلغ عددهم حتى تاريخه أكثر من (400) طفل.
•المعتقلون الإداريون: بلغ عددهم (3,577) معتقلًا، وهي النسبة الأعلى مقارنة بأعداد الأسرى الموقوفين والمحكومين والمصنّفين "كمقاتلين غير شرعيين".
•المعتقلون المصنّفون "كمقاتلين غير شرعيين": بلغ عددهم (2,662) معتقلًا، علمًا أنّ هذا الرقم لا يشمل جميع معتقلي غزة المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال والمصنفين (بالمقاتلين غير الشرعيين). ويُذكر أنّ هذا التصنيف يشمل أيضًا معتقلين عربًا من لبنان وسوريا.
0 تعليق