عاجل

رئيس مرصد حقوقي للجزيرة نت: حرب إسرائيلية ممنهجة على تاريخ غزة وتراثها - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غزة- حذّر "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" من أن استهداف المواقع التاريخية والأثرية والدينية والثقافية في قطاع غزة، يأتي في إطار إستراتيجية استعمارية تسعى إلى محو الرموز المادية والروحية للشعب الفلسطيني.

وقال رئيس المرصد الدكتور رامي عبدو إن القصف الإسرائيلي المنهجي للأحياء التاريخية، ودور العبادة والمكتبات والمتاحف والأرشيفات والمقابر والبيوت العتيقة والأسواق القديمة والبنية العمرانية المحيطة بها، ينذر بمحو ما تبقى من معالم غزة الأثرية وتراثها المادي واللامادي محوا كاملا، في سياق سياسة معلنة لإزالة المدينة وتهجير سكانها قسرا.

وطالب الحقوقي الفلسطيني الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو بالتحرك الفاعل لحماية الممتلكات الثقافية في غزة، والعمل على إدراج المواقع التاريخية المهددة ضمن قوائم الحماية الدولية الطارئة.

الجزيرة نت حاورت الدكتور عبدو، للاطلاع على تأثير الحرب الإسرائيلية الممنهجة على تاريخ غزة وتراثها، والجهود المبذولة لإنقاذ هذا الإرث الحضاري.

وفيما يلي نص الحوار:

رجال يعملون في مقبرة رومانية اكتُشفت قبيل الحرب المستمرة على غزة (رويترز)

قلتم إن الاحتلال يشن حربا ممنهجة على تاريخ غزة وتراثها، هل من توضيح؟

لا يقتصر عدوان الاحتلال على قتل آلاف المدنيين وتدمير منازلهم، بل يتعمد أيضا استهداف المواقع التاريخية والأثرية والدينية والثقافية، ولا سيما في مدينة غزة، في إطار إستراتيجية استعمارية استيطانية ممتدة تسعى إلى محو الرموز المادية والروحية للشعب الفلسطيني، وإحداث خسارة غير قابلة للتعويض لذاكرة جماعية متجذرة تشكل هوية المجتمع الفلسطيني المتراكمة عبر مئات السنين.

وما مدى تخوفكم من التهديد الإسرائيلي الحالي بالتدمير الشامل لمدينة غزة بآثارها وتاريخها؟

العدوان العسكري الإسرائيلي المتصاعد منذ أكثر من شهر بهدف السيطرة على مدينة غزة وتهجير سكانها، يشكل خطوة إضافية لاستكمال التدمير الشامل لمعالم غزة، بما في ذلك المناطق الأثرية والتاريخية، في خطوة يستحيل العودة عنها.

إعلان

إن العدوان يقضي نهائيا على أي أمل بترميم المواقع والمعالم التي تضررت بفعل الهجمات الجوية والبرية السابقة، بل يعني المضي في استكمال تدميرها والوصول إلى محو حتى ما لم يتضرر بعد، في ضوء النهج الإسرائيلي القائم على تسوية المناطق بالكامل عبر العربات المفخخة (الروبوتات) والقصف الجوي والمدفعي، إلى جانب استخدام الآليات والجرافات لتنفيذ عملية مسح شامل للمعالم، بما يجعل التدمير مقصودا وكاملا.

إن أحياء المدينة القديمة، الزاخرة بالمنازل القديمة التاريخية، والمعالم الأثرية العريقة مثل المسجد العمري الكبير، وكنيسة القديس بورفيريوس، وكذلك الأسواق التاريخية، والمباني العثمانية والمملوكية، باتت عرضة للتدمير الكلي مع استمرار القصف الإسرائيلي العنيف والتوسع البري المرتقب.

وقد تضررت بعض هذه المواقع بالفعل، إذ تعرض المسجد العمري لتدمير واسع وفقد كثيرا من معالمه، وتضررت كنيسة القديس بورفيريوس، كما أصيبت أسواق وأحياء قديمة بأضرار جسيمة، وأي تدمير إضافي يعني مسحها وتقليل أي فرصة مستقبلية للترميم.

وهل لديكم توثيق وإحصاء للمواقع والمباني المدمرة كليا وجزئيا؟

حتى تاريخ 18 أغسطس/آب 2025، تمكنت منظمة اليونسكو من توثيق وتقييم الأضرار التي لحقت بـ110 مواقع في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شملت 13 موقعا دينيا و77 مبنى ذا أهمية تاريخية أو فنية، و3 مستودعات للممتلكات الثقافية المنقولة، و9 صروح أثرية، ومتحفا واحدا، و7 مواقع أثرية أخرى، ما يعكس حجم التدمير المنهجي الذي يطال التراث الفلسطيني ويهدد بمحو معالمه وذاكرته الحضارية.

وسبق لفريقنا الميداني في المرصد أن وثق هجمات جوية ومدفعية شنها الاحتلال على مواقع تاريخية عدة تشكل الجزء الأبرز في التراث الثقافي في القطاع، بما في ذلك مواقع أثرية ومبان تاريخية ودور عبادة ومتاحف، ما أدى إلى دمار وأضرار كبيرة فيها.

إن معظم أجزاء البلدة القديمة لمدينة غزة، وفيها 146 بيتا قديما، إضافة إلى مساجد وكنائس وأسواق ومدارس قديمة وتاريخية تعرضت لتدمير كبير في هجمات جوية ومدفعية إسرائيلية سابقة، وهي عرضة اليوم للتدمير الكامل.

ودمر الاحتلال موقع "البلاخية" الأثري وميناء غزة القديم (ميناء الأنثيدون الأثري) في شمال غربي مدينة غزة، والذي يعود بناؤه إلى 800 عام قبل الميلاد، وكان يعتبر من أهم المعالم الأثرية في غزة ومدرج على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي ولائحة التراث الإسلامي.

كما دمر الاحتلال "بيت السقا" الأثري في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 400 عام على مساحة كانت تبلغ 700 متر.

ورصدنا أضرارا متفاوتة لحقت بعدة مواقع تراثية أخرى، أبرزها موقع "تل أم عامر" (دير القديس هيلاريون) الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي ويعد من أقدم وأهم المواقع المسيحية الأثرية في فلسطين، حيث أكدت تقارير اليونسكو ومنظمات تراثية أن محيطه تعرض للقصف وأعمال تجريف، وأن الموقع بات مهددا بأضرار جزئية خطيرة تضعه في دائرة الخطر الداهم، الأمر الذي دفع اليونسكو إلى إدراجه على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر ومنحه حماية معززة بموجب اتفاقية لاهاي.

إعلان

ما قيمة الخسارة الناجمة عن استهداف المواقع التاريخية والأثرية؟

يشكل هذا الاستهداف إنذارا بخسارة فادحة لمعالم حضارية فريدة لا يمكن تعويضها، ويعكس في الوقت ذاته اتساع دائرة التدمير لتشمل التراث المتنوع الذي يجسد تعددية وغنى الهوية الفلسطينية الممتدة عبر العصور.

إن دولة الاحتلال تستهدف بلا هوادة الإرث الثقافي الإنساني في غزة، باعتباره حاملا لقيم ومعالم أساسية في صون الهوية والذاكرة الجماعية، وذلك في سياق جريمة إبادة جماعية أوسع تمارس ضد الفلسطينيين، تقوم على تهجيرهم قسرا وطمس هويتهم ومحو كل ما يربطهم بأرضهم وتاريخهم، والقضاء عليهم.

كيف تصنف القوانين والمواثيق الدولية هذا التدمير الممنهج للتاريخ والتراث في غزة؟

يحظر القانون الدولي الإنساني بصورة مطلقة الاستهداف المتعمد للمواقع الثقافية والدينية التي لا تشكل أهدافا عسكرية مشروعة ولا تستدعيها ضرورة عسكرية حتمية. وهذا الحظر يشكل قاعدة راسخة في الأعراف الدولية، وقد تم تقنينه بوضوح في اتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، وكذلك في البروتوكول الثاني الإضافي للاتفاقية لعام 1999.

إن تدمير واستهداف المواقع التاريخية والأثرية يشكل بحد ذاته جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وانتهاكا صريحا لاتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، كما أنه يمثل اليوم أحد الأبعاد المركزية في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الفلسطينيين، إذ يُسخّر كأداة لطمس الهوية والذاكرة الجمعية وحرمان الشعب من مقومات وجوده التاريخي والثقافي، في تلازم مع سياسات القتل والتهجير القسري والتدمير الشامل.

إن المواقع التراثية والتاريخية في غزة تمثل جزءا لا يتجزأ من التراث الإنساني العالمي، فهي ليست ملكا للفلسطينيين وحدهم بل للبشرية جمعاء، ولكل من يهتم بتاريخ الإنسانية وحفظ ذاكرتها، الأمر الذي يستدعي تحركا عاجلا من المجتمع الدولي وهيئاته المختصة لحماية هذا الإرث الثقافي وصونه، وضمان مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها الجسيمة باعتبارها جرائم دولية تستوجب المحاسبة بموجب القانون الجنائي الدولي.

 

وإزاء ذلك ولحماية ما تبقى من إرث إنساني، ما المطلوب من الجهات الدولية المختصة؟

الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو مطالبتان بالتحرك الفاعل لحماية الممتلكات الثقافية في غزة، والعمل على إدراج المواقع التاريخية المهددة ضمن قوائم الحماية الدولية الطارئة.

كما يتوجب على مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إدراج هذه الجرائم في ملف التحقيق الجاري حول الوضع في فلسطين.

ويشكل الاستهداف الممنهج للتاريخ والتراث في غزة اعتداء صارخا على الممتلكات الثقافية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية لعام 1954، ويستدعي ذلك تدخلا عاجلا من اليونسكو والدول الأطراف لوقف هذا التدمير، وتوثيق أضراره، وتأمين الترميم، وضمان المساءلة، ومنع تحويل غزة إلى أرض بلا ذاكرة أو هوية.

إن المجتمع الدولي مطالب بالعمل فورا وفقا لالتزاماته القانونية من أجل إنهاء الأسباب الجذرية لمعاناة الشعب الفلسطيني واضطهاده على مدار 77 عاما، وضمان حق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة وتقرير المصير وفقا للقانون الدولي، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والاستعمار الاستيطاني المفروض على الأراضي الفلسطينية.

كما أنه مدعو إلى تفكيك نظام العزل والفصل العنصري المفروض ضد الفلسطينيين، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1967، ورفع الحصار غير القانوني عن قطاع غزة، وضمان مساءلة ومحاسبة الجناة الإسرائيليين، وكفالة حق الضحايا الفلسطينيين في التعويض والإنصاف.

إعلان

0 تعليق