بعد أيام سيكون المسجد الأقصى مع موعد جديد من الانتهاكات الجسيمة داخل ساحاته وفي محيطه، وذلك مع قرب موسم الأعياد اليهودية الأطول الذي يمتد على مدار 3 أسابيع، ويبدأ بعيد رأس السنة العبرية، مرورا بيوم "كيبور" (الغفران) ثم ينتهي بعيد "سوكوت" (العُرش أو المظلة).
وستحلُّ السنة العبرية الجديدة في 23 من شهر سبتمبر/أيلول الجاري، وسيبدأ يوم "الغفران" مع غروب شمس يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول، وينتهي بمغيب شمس اليوم الذي يليه، أما عيد "العُرش" فسيوافق يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل أول أيامه، وينتهي في 13 من الشهر ذاته، وسيُسدل الستار عن هذا الموسم بعيد "بهجة التوراة" الذي سيحتفل اليهود به في 14 من الشهر المقبل أيضا.
مع قرب ما يسمى "رأس السنة العبرية" .. آلاف المستوطنين يقتحمون ساحة البراق بالقدس ويؤدون طقوساً وصلوات تلمودية فجر اليوم pic.twitter.com/KaiklGRCMf
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) September 14, 2025
"روش هشناه" (رأس السنة العبرية)
هو أحد أعياد اليهود الدينية التي وردت بالتوراة، ويوافق اليومين الأول والثاني من شهر "تشري" من التقويم العبري، وهو التقويم الذي يقول اليهود إنه بدأ منذ خلق الله الأرض إلى يومنا هذا.
ويعد النفخ في "الشوفار" (البوق) المصنوع من قرن "كبش"، من أهم طقوس هذا العيد، ويستمر النفخ فيه منذ بداية السنة وطيلة "أيام التوبة" التي تمتد حتى حلول يوم "الغفران"، ونجح المتطرفون المقتحمون للمسجد الأقصى في النفخ فيه مرّات عدة داخل الساحات، وكان أحدثها يوم 14 سبتمبر/أيلول الجاري.
وللنفخ في البوق مدة ومزامير معينة، وحسب المعتقدات اليهودية فإن هذا النفخ يحمل دلالات عدة، منها إيقاظ القلب والتوبة والتذكير بحادثة انتقالهم من سيناء، بالإضافة إلى أنه يدل على التفوق والسيادة، لذلك نفخ حاخام جيش الاحتلال شلومو غوريون بالبوق على جبال سيناء عند احتلالها عام 1956، وعند تلة المغاربة عند احتلال شرقي القدس عام 1967، وينفخ المستوطنون بالبوق في "عيد الاستقلال" (النكبة) سنويا.
إعلان
وينفخ المتطرفون في البوق داخل الأقصى لإيمانهم بأن النفخ فيه يعبر عن بدء مرحلة جديدة من الزمن، وبنظر جماعات الهيكل المتطرفة فإن النفخ بالأقصى يفصل بين زمانين "زمان هويته الإسلامية الذي يتوهمون أنه انتهى، وزمان تهويده الذي يظنون أنه بدأ" وفقا للباحث في شؤون القدس زياد ابحيص.
ومن المتوقع أن ينفخ المتطرفون في البوق داخل ساحات أولى القبلتين بمناسبة رأس السنة العبرية المقبلة وفي الأيام التي تليها لتكريس هذا الطقس التوراتي داخل المقدس الإسلامي.
وفي عام 2024 المنصرم اقتحم المسجد الأقصى بيوم رأس السنة 460 مستوطنا، وسُجّل بذلك ارتفاع طفيف مقارنة بأعداد مقتحمي عام 2023 في ذات المناسبة والذي بلغ حينها 423 متطرفا ومتطرفة.
عاجل| مستوطنة نفخت في البوق (الشوفار)، صباح اليوم، قرب باب الرحمة داخل المسجد الأقصى. علما أن هذا الانتهاك هو أحد طقوس إحياء رأس السنة العبرية، وسيهدد المسجد بشكل جماعي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري.#القدس_البوصلة pic.twitter.com/AXoHQUOmgt
— القدس البوصلة (@alqudsalbawsala) September 14, 2025
يوم "كيبور" (الغفران)
يحلُّ يوم الغفران في العاشر من شهر (تشري) العبري، ويصوم فيه اليهود لمدة 25 ساعة متواصلة تكرس لمحاسبة النفس والتكفير والتطهير من الذنوب وإقامة الصلوات والشعائر التلمودية في الكنس.
وفي هذا العيد -الذي تتعطل خلاله الحياة تماما- يرتدي اليهود ملابس "التوبة" البيضاء، وخلال صومهم يؤدون 5 صلوات هي: عرفيت، شحاريت، موساف، منحاة، ونعيلاه، ويسعى المتطرفون لمحاكاة طقوس الغفران في المسجد الأقصى ولا يكتفون بأداء الطقوس في الكُنس.
وفي العام الماضي صادف الغفران يوم السبت الذي يُغلق فيه باب المغاربة أمام اقتحامات المستوطنين، لكنهم نفذوا اقتحاما تعويضيا في يوم الخميس الذي سبقه، وسجلت دائرة الأوقاف الإسلامية اقتحام 334 متطرفا ومتطرفة ساحات الأقصى، فيما اقتحمه في عام 2023 بذات المناسبة 685 مستوطنا.
ويُسجن المقدسيون داخل أحيائهم قسرا في هذا اليوم من كل عام الذي تتعطل فيه مناحي الحياة كافة، وتتعمد سلطات الاحتلال إغلاق أحياء المدينة بمكعبات إسمنتية ليتسنى لليهود طلب المغفرة من ذنوبهم.
يصادف يوم السبت 30 سبتمبر 2023 بدء عيد العُرش أو المظلة اليهوي أو سوكوت، الذي يستمر لـ8 أيام. يستغله اليهود لاقتحام جماعي للأقصى، ويحاولون فيه تقديم القرابين النباتية وإدخالها إلى المسجد كما فعلوا العام الماضي.
ماذا تعرف عن “عيد العُرش” اليهودي؟ pic.twitter.com/OD6cHsbrkG
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) September 23, 2023
عيد "سوكوت" (العُرش أو المظلة)
ينتهي موسم الأعياد اليهودية الأطول بعيد العُرش الذي يمتد على مدار 8 أيام، وهو عيد ديني يرتبط بذكرى سكن اليهود في الخيام وتحت المظلات خلال التيه في صحراء سيناء ونزول المن والسلوى.
وتُقدم خلال العيد القرابين النباتية وهي "الأترج، والصفصاف، وسعف النخيل، والآس" ويحملها اليهود معهم أثناء توجههم للصلاة، ونجحوا في إدخالها إلى المسجد الأقصى وأدوا داخل ساحاته الطقوس والصلوات المرافقة لحملها، ومن المتوقع أن يتم إدخالها خلال العيد المقبل بحماية بل وبمباركة من شرطة الاحتلال التي شارك بعض أفرادها مؤخرا بالصلوات داخل أولى القبلتين.
إعلان
وخلال أيام عيد العُرش من العام الماضي اقتحم المسجد 5980 متطرفا ومتطرفة، مقارنة بـ 5729 اقتحموا المسجد في المناسبة ذاتها من عام 2023 وفقا لإحصائيات دائرة الأوقاف الإسلامية.
دعت منظمة "بيدينو" المتطرفة أنصارها لاقتحام واسع للمسجد الأقصى المبارك في 22 – 24 سبتمبر المقبل؛ إحياءً لذكرى رأس السنة العبرية.
ويشهد الأقصى في مثل هذه المناسبة كل عام اقتحامات مكثفة، يؤدي خلالها المستوطنون طقوس الهيكل خاصة النفخ في البوق. pic.twitter.com/c5av5rAOT1
— شبكة العاصمة الإخبارية (@alasimannews) September 14, 2025
تحضيرات ميدانية
ومع قرب حلول هذا الموسم شرعت مخابرات الاحتلال منذ مطلع الشهر الجاري باستدعاء عشرات الشبان المقدسيين الذين سُلموا خلال التحقيق معهم قرارا بإبعادهم عن المسجد الأقصى لمدة أسبوع قابل للتجديد لأشهر.
وتسلم أكثر من 65 مقدسيا ومقدسية -معظمهم أسرى محررون- هذا القرار حتى الآن، ومن المتوقع أن ترتفع الأعداد في الأيام المقبلة، في محاولة من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتفريغ المسجد الأقصى ومحيطه من المصلين خلال فترة الأعياد لتأمين اقتحامات "هادئة" للمستوطنين في رحابه.
الكاتب والباحث الأكاديمي ساهر غزّاوي قال في حديثه "للجزيرة نت" إنه مع اقتراب موسم الأعياد اليهودية، تتضح ملامح تصعيد خطير في الأقصى، حيث تتزايد اقتحامات المستوطنين تحت حماية أمنية مشددة، وتُفرض المزيد من القيود على دخول المصلين الفلسطينيين، في محاولة واضحة لتكريس واقع جديد في المسجد.
ويأتي ذلك وفقا للباحث الفلسطيني في أعقاب الحرب المدمرة على غزة وما خلفته من احتقان شديد في القدس وفلسطين عموما، وهو ما ينذر بموسم أعياد استثنائي تتجاوز فيه الانتهاكات كل الخطوط الحُمر.
وأضاف غزّاوي أن الموسم هذا العام يحلُّ أيضا في ظل تحولات سياسية وفكرية عميقة في إسرائيل، إذ بات الحديث عن بناء "الهيكل" جزءا من الخطاب اليومي، ومشروعا مدعوما بقرارات وتحضيرات ميدانية، ما يجعل التهديد للأقصى أكثر جدية من أي وقت مضى.
وختم حديثه بالقول إن "هذه السياسات التصعيدية ليست سوى محاولة لاستغلال الأوضاع الراهنة لفرض وقائع جديدة، في ظل صمت وتراجع عربي وإسلامي، رسمي وشعبي مؤسف تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".
0 تعليق