نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أيام قرطاج المسرحية 2024: العرض الإماراتي "كيف نسامحنا"... تأمل في مفهوم العدالة في ظل التفاوت الطبقي والاجتماعي - عرب فايف, اليوم الخميس 28 نوفمبر 2024 01:07 مساءً
نشر في باب نات يوم 28 - 11 - 2024
تدفع المسرحية الإماراتية "كيف نسامحنا" مشاهديها إلى التفكير والتساؤل منذ بداية المشهد الأول للعرض، إذ تقف على منصة الإعدام امرأة بفستان أحمر اللون تبدو منهكة جسديا وممزّقة نفسيا، ممّا يثير فضول المتفرج ليكتشف دوافع وجودها في هذا المكان وما يمكن أن تكون قد اقترفت حتى تصل إلى منصة الإعدام.
وتمّ تقديم مسرحية "كيف نسامحنا" في عرضين متتاليين مساء الأربعاء في قاعة الريو بتونس العاصمة ضمن المسابقة الرسمية للدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية (23 - 30 نوفمبر 2024)، وهي مسرحية من إنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني ومن تأليف إسماعيل عبد الله وسينوغرافيا وخراج محمد العامري. وقد تولت تقمّص دور هذه المرأة ببراعة واقتدار الممثلة التونسية أماني بلعج وشاركها على المسرح 12 ممثلا إماراتيا.
...
تدور أحداث هذا العمل على مدى 70 دقيقة حول امرأة على منصّة الإعدام تلقي كلمة أخيرة محمّلة بالرفض والتمرّد على واقع سائد وقيم ضاعت بحضور علية القوم من تجّار وأصحاب نفوذ وأثرياء... فجأة يتمّ الإعلان عن تأجيل تنفيذ حكم الإعدام بسبب وفاة رئيس المحكمة العليا في حادث سير، وإزاء هذا الوضع الطارئ يجب اختيار رئيس جديد خلال ساعة من الزمن فالجميع على عجلة لتنفيذ الحكم والتخلّص من هذه المرأة.
تبدأ المسرحية بمشهد تراجيدي مؤثر حيث يكون وقوف المرأة على منصة الإعدام، منطلقا لفتح باب التأمل حول العدالة والقيم الإنسانية. وهذه المرأة، التي ترمز إلى الأصوات المهمشة وإلى المظلومين، تواجه مصيرا مظلما يلوح في الأفق، ولكنها في ذات الوقت تمثل حالة من الرفض والتمرد على القيم الفاسدة التي يفرضها النظام الاجتماعي السائد.
ويعتبر عنوان "كيف نسامحنا" مدخلا ذكيًا لفهم جوهر العمل هذا المسرحي. فبداية بأداة الاستفهام "كيف"، التي تثير التساؤل حول آليات العفو والمسامحة. أما كلمة "نسامح" التي تحمل ضمير المتكلم الجمع "نحن" فتعكس الفعل الإنساني الجوهرى المرتبط بالعفو والمغفرة، ثم استخدام الضمير "نا" يوحي بأن هذه المسامحة تخص المجتمع ككل، وبالتالي تصبح عملية مسامحة المجموعة لأنفسها، مما يتطلب إعادة بناء الثقة وتجاوز الخلافات .
لقد جاءت المسرحية غنية على مستوى الخصائص الفنية المميزة لها بداية من شاعرية النص باللغة العربية الفصحى وصولا إلى عناصر السينوغرافيا من إضاءة وديكور وملابس. وترجمت هذه المميزات الفنية عديد المعاني والمقاصد، فالمرأة تمثل "الضحية" وهي في لحظة مصيرية على وشك مواجهة الموت على منصة الإعدام التي تقترن عادة بالعنف والقسوة، ولكن مع تطور الأحداث أصبحت هذه المنصة رمزا للانتصار على القوى المعادية لهذه المرأة التي بدت مستعدة للتضحية مرتدية فستانها الأحمر وما يرمز إليه من معاني الشهادة والتحدي.
وتوجه "كيف نسامحنا" نقدا حادا للمجتمع الذي يسيطر عليه المال والنفوذ، فالمرأة في المسرحية، التي ترعى الأيتام في قاع بناية يسكنها الصفوة، ترمز في جانب من دلالاتها إلى المهمشين في المجتمع. ومع تصاعد الأحداث، يتحول الصراع إلى قضية اجتماعية وثقافية تتناول الديناميكيات بين الطبقات وتطرح أسئلة حول الهيمنة والعدالة. كما تستعرض المسرحية العلاقة بين الإنسان والمجتمع في إطار الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في تكوين الهوية والتفاعلات بين الأنا والآخر. كما تكشف عن المسافة الكبيرة بين سكان الطوابق العليا من البناية، وهم رمز للنخبة والأثرياء، وسكان السرداب الذين يمثلون الفقراء والمحرومين. وهذا التفاوت الطبقي يعمق التساؤل حول كيفية بناء مجتمع متسامح وعادل.
تنتهي أحداث المسرحية كما انطلقت بمشهد المرأة بفستانها الأحمر على منصة الإعدام والذي قد يُقرأ في هذا السياق كأكثر من مجرد فعل عنف، بل قد يرمز إلى موت قديم وبداية جديدة ومن نهاية حياة مليئة بالظلم إلى بداية لتحرر روحي وفكري. ومن هنا قد تكون الإجابة عن سؤال المسرحية "كيف نسامحنا" بالتحرر الروحي والفكري للأفراد والمجتمعات، حتى يتحقق هذا التسامح لا مع الآخر فقط وإنما التسامح مع الانا أو بالأحرى مع الأنوات، من أجل حياة تليق بإنسانية الإنسان.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار
.
0 تعليق