احتفلنا هذا الأسبوع بالحلقة التسعين من برنامج «أطياف»، الذى أقدمه على قناة «الحياة»، وهذا ما قلته فى مقدمة البرنامج:
مشاهدينا أهلًا بكم فى حلقة جديدة.. النهارده بنقدم لكم الحلقة التسعين من البرنامج، وبالحلقة دى بنبتدى معاكم عامنا الثالث. سنتين كنا حريصين نقدم فيهما لكم كل أطياف الثقافة، وده لأننا مؤمنون بشعارنا «الثقافة حياة».
بدأت الحلقة بقصيدة للشاعر الفرنسى «شارل بودلير» اللى اتولد فى ١٨٢١ وتوفى فى عام ١٨٦٧، ويعتبر «بودلير» من أبرز شعراء القرن التاسع عشر، ومن رموز الحداثة فى العالم.. بما قدمه من قصائد فى ديوانه الشهير «أزهار الشر» ١٨٥٧، والتى استطاعت أن تعبر عن تناقضات الحياة اليومية فى المدن الكبرى. وطريقة «بودلير» الشعرية جعلته من رموز الحداثة فى العالم.
فكرة الحداثة ارتبطت بمفهوم التقدم وتغيير المجتمعات نحو الأفضل، وتحسين أوضاع المجتمع والإنسان.
فى مجتمعنا العربى بدأ التعرف على الحداثة من منتصف القرن التاسع عشر، على يد رفاعة الطهطاوى وجمال الدين الأفغانى وغيرهما من المصلحين، فنُقل لنا الكثير من الأفكار الحداثية فى نمط الإدارة والحكم، وكثير من مظاهر الحياة الحديثة.
ومع ذلك ظل وما زال مجتمعنا بعيدًا عن مفهوم الحداثة، فثقافة مجتمعنا شغلها التحديث عن الحداثة، التحديث اللى جعلنا بنواكب العصر فى استخدام التكنولوجيا، أو بمعنى أدق استهلاك وليس إنتاج التكنولوجيا، وهذا أدى إلى تكون مجتمع حديث، حداثة ذات طابع خاص يصنفها العلماء بأنها «حداثة برانية أو حداثة طرفية».
إنها حداثة تعتمد على التحديث المادى، مدارس، جامعات، برلمان، مصانع، لكن ليس لها عمق فى العقل والوجدان وأنماط الفعل. لذلك فإنها حداثة تقوم على تناقض كبير بين الداخل والخارج، بين المظهر والجوهر، لأن الحداثة ليست «موبايل» فى اليد أو «إنترنت» أو «تكييف»، الحداثة هى طريقة تفكير، الحداثة هى طريقة رؤيتنا لأنفسنا، لذاتنا ورؤيتنا للعالم.
الحداثة تستلزم حالة من التفتح أو التجدد الدائم، القدرة على الانطلاق والتجدد، الحداثة حالة مستمرة من التفتح الخلّاق، وإعادة النظر، والانطلاق إلى المستقبل.
التحول نحو المجتمع الذى يتسم بالاعتماد على العقلانية، والإدارة البيروقراطية الرشيدة، والحياة السياسية الديمقراطية، والقيم الحديثة، مثل: التسامح والاحترام والثقة، والشفافية، ونقل القيم الحداثية ونشرها يتم من خلال التعليم الحديث عبر مؤسسات المجتمع المدنى والعمل النقابى والحزبى، من خلال وسائل الإعلام.
فإذا كنا نعتمد فى مدارسنا على الحفظ ولا نشجع الفهم والنقد، فهذا ليس بتعليم، هذا تضييع للوقت، والجهد، إذا كان الهدف من الذهاب كل يوم للمدارس والجامعات هو الحصول على مجرد شهادة دون ما يؤثر التعليم فى طريقة تفكيرنا ويجعلنا أشخاصًا عقلانيين، نعلى قيمة العقل والمنطق ونبتعد عن الغوغائية والظلامية وأحادية الرؤية، يبقى إحنا راكبين آلة زمن بترجع بينا للخلف، والعالم من حولنا يسير للأمام.
وده اللى يفسر إزاى الموبايل وتطبيقاته من مواقع التواصل الاجتماعى بنستخدمها لنشر قيم رجعية.. مثل احتقار المرأة، نشر الفتاوى التى تحض على الكراهية، وحصر الدين فى أنه رقابة على الجسد وليس انفتاحًا للعقل، تغليب رد الفعل الانفعالى المعتمد على التعدى بنوعيه «اللفظى والبدنى» فى السلوك اليومى، الأهم هو أننا نتعامل مع الزمن والوقت كأنهما شىء فائض أو زائد نحتاج إلى تضييعه.
يقول د. أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية فى مقال له:
مفهوم «العدل» إنه جذر حداثى أصيل فى الثقافة المصرية منذ قصائد الفلاح الفصيح.
والعدل هو القيمة الأولى التى تتشكل حولها كل قيم الحداثة، مثل: الثقة والاحترام والإنجاز والجدارة والشفافية والاستحقاق.. إلخ، وإذا ما تحول إلى قيمة مركزية فإنه سوف يتسرب إلى توجيه كل القرارات وأساليب السلوك، فضلًا عن العلاقات بين المواطنين وبين الفئات الاجتماعية والقطاعات الاجتماعية.
تحتاج الحداثة إلى رجال ونساء يؤمنون بها ويقومون عليها. فالحداثة لا تتأسس بالنخب اللاقطة، ولا بالنخب المهرولة أو المتطلعة إلى الجمع والالتقاط، إنما تتأسس بالنخب الأصيلة التى تتكون فى رحم التميز والجدارة والعمل الشاق والتوحد مع أهداف الوطن وتطلعاته.
وإحنا فى «برنامجنا» بنوعدكم إننا نكون نافذة لكم على ثقافة الحداثة، من خلال الموضوعات والأفكار التى نطرحها، من خلال تسليط الضوء على التجارب الأدبية والإبداعية التى تعلى من قيمة الابتكار والتجديد، الحفاظ على الأصالة الحضارية والهوية الثقافية للشعب المصرى العظيم، الذى يحتاج لمن يرشده إلى أثمن وأنبل ما فيه وهو قدرته على البقاء والتجدد، رغم كل شىء.
0 تعليق