المال يخلع بزته القديمة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

زاك ليندكويست *

تخيّل لو أنّ بعضنا ما زال يذهب إلى عمله على عربات تجرها الخيول، فيما ينطلق آخرون بسيارات حديثة. هذا بالضبط الفارق بين الطريقة التقليدية التي نستخدم بها المال اليوم، وما تعدنا به العملات المستقرة من سرعة ومرونة وابتكار.
ورغم أن الغالبية في الولايات المتحدة والعالم، ما زالت لا تدرك ماهية العملات المستقرة، فإن إقرار الكونغرس مؤخراً لقانون «جينيوس»، أول إطار تشريعي فيدرالي ينظّمها، يعني أنّ انتشارها أصبح مسألة وقت. ومن هنا، لم يعد فهم هذه التقنية ترفاً بل ضرورة.
العملات المستقرة بكل بساطة، هي نسخة رقمية من الدولار (أو اليورو أو الين). وعلى عكس البيتكوين أو الإيثريوم، لا تتقلب قيمتها بحسب العرض والطلب، بل ترتبط مباشرة بعملة حقيقية بنسبة 1 إلى 1. أي أن دولاراً رقمياً يساوي دائماً دولاراً فعلياً. وهذا الاستقرار هو سر قوتها ومبعث قلق البنوك في الوقت نفسه. فهي تعمل كالنقود العادية، لكنها تتحرك فوق بنية رقمية أسرع وأرخص وأكثر انفتاحاً. أي إنّها لا تكتفي بالاندماج في النظام المالي، بل تتحدّاه.
اليوم، يُودع معظمنا النقود في حسابات تقليدية بالكاد تعطي فوائد تُذكر، بينما تعيد البنوك استثمار أموالنا وتحقق عوائد ضخمة. في المقابل، تسمح العملات المستقرة للأفراد بالاحتفاظ بأموالهم رقمياً دون وسطاء، بل والاستفادة من أسواق مالية قائمة على «البلوك تشين» تتيح عوائد فورية، بلا حد أدنى ولا فترات انتظار.
تتحرك العملات المستقرة وفقاً لسرعة شبكة الإنترنت، وهذه السرعة وقابلية البرمجة تُطلق العنان لسلوكيات مالية جديدة تماماً. وهذا يعني أن الراتب يمكن أن يبدأ بتحقيق عائد قبل أن يُصرف، وأن بطاقة الخصم تستطيع السحب من فواتير مرمزة، وأن التحويلات العابرة للحدود تُنجز في ثوانٍ وبتكلفة زهيدة. نحن نتحدث هنا عن نقود ذكية، تتنقل بسلاسة بين الادخار والإنفاق والاستثمار. وما نراه ليس نظريات على الورق، فشركات كبرى مثل «أوبر»، و«باي بال»، و«سترايب»، بالإضافة إلى «فيزا»، بدأت بدمج العملات المستقرة في أنظمتها، فيما تدرس مؤسسات كأمازون وأبل و«وولمارت» استخدامها لتقليل رسوم الدفع وتسريع العمليات. يمكن القول إنها ليست «تجارب كريبتو»، بل ملامح نظام مالي جديد يتشكل أمام أعيننا.
في غضون ذلك، تهدد العملات المستقرة أحد مصادر ربح البنوك الأساسية. فحين يحتفظ الأفراد بدولارات رقمية، لا تبقى القيمة في حساب مصرفي، بل عند المُصدّر أو المستخدم نفسه. وهذا يعني خسارة البنوك للودائع والعوائد المرتبطة بها. كذلك، تشكل العملات المستقرة بديلاً أرخص لشبكات الدفع التقليدية التي تقتطع 1 إلى 3 في المئة من قيمة كل معاملة ببطاقات الائتمان. وبالنسبة للمستهلكين والتجار على السواء، هذا التحوّل مكسب خالص. وعليه، فإن المنافسة ستجبر البنوك على الابتكار بدلاً من الاكتفاء بالرسوم المرتفعة.
لكن ماذا عن المخاطر؟ أي تحوّل بهذا الحجم لا يخلو من تحديات. وهنا يأتي دور التشريعات الجديدة، مثل قانون «جينيوس»، الذي يضع معايير لإصدار العملات المستقرة وضمان تغطيتها بأصول حقيقية. والفكرة ليست في اختراع نقود مجهولة أو خطرة، بل في تعزيز ما نعرفه ونستخدمه يومياً، وهو الدولار، عبر تكنولوجيا حديثة أكثر كفاءة وشفافية.
لا يمكن اعتبار العملات المستقرة «ثورة» تهدم النظام القائم بقدر ما هي «تطور» طبيعي للنقود، وجسر يربط بين العالم المالي التقليدي والبنية التحتية الرقمية الجديدة. وما إن نخطو عليه، يصبح كل شيء أبسط وأسرع، من المدفوعات إلى التحويلات مروراً بفرص الادخار.
إن الدولارات الرقمية موجودة بالفعل، وستمنح للناس مزيداً من القوة والسيولة والشفافية عبر سلسلة الكتل «البلوك تشين». نعم، قد تبقى العربات القديمة في الشوارع لبعض الوقت، لكن المحركات قد دارت، والسباق نحو مستقبل النقود القادم بدأ.
*المؤسس المشارك لشركة «بيور كريبتو»
(المقال منشور في «ذا هيل»)

0 تعليق