منذ إعلان رؤية السعودية 2030، ارتبطت معظم المؤشرات الاقتصادية بأهداف طموحة وواضحة، لكن يبقى الرقم الأهم والأكثر حسماً هو نسبة إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي. فبينما كان الاقتصاد السعودي لعقود طويلة قائماً على إنفاق الدولة وتحفيزها المباشر للقطاعات، يأتي التوجه الجديد ليؤسس اقتصاداً يقوده القطاع الخاص بالإنتاج والاستثمار، ويُقاس فيه النجاح بمدى عمق الأثر الحقيقي لهذا القطاع.
في عام 2016 كانت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي لا تتجاوز 40%، فيما كان الإنفاق الحكومي يفوق 60%. أما اليوم، وتحديداً في 2024، فقد نجح الاقتصاد السعودي في رفع هذا الرقم إلى 47%، متجاوزاً مستهدف المرحلة الثانية (46%) قبل أوانه. وتطمح الرؤية إلى أن تصل نسبة إسهام القطاع الخاص إلى 65% بحلول 2030، مع إمكانية تجاوزها إلى 70% إذا نجحت المشاريع الكبرى مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر في بلوغ التشغيل التجاري الكامل.
تكمن قوة هذا التحول في أن رؤية 2030 عالجت التغيير من جذوره، فلم تكتفِ بالشعارات بل وضعت مجموعة من المؤشرات الفرعية التي تصب جميعها في خدمة المؤشر الأكبر: مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي. فخفض البطالة ورفع مشاركة المرأة وتعزيز الإيرادات غير النفطية وتنمية صادرات الصناعات والخدمات وتوسيع قاعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة ليست أهدافاً منفصلة، بل أدوات تسهم في تعزيز وزن القطاع الخاص وتحقيق اقتصاد سعودي متماسك ومستدام.
- البطالة: من 11-12% في 2016 إلى نحو 7.8% في 2024، والمستهدف 7% في 2030.
- تمكين المرأة: من 22% مشاركة في قوة العمل عام 2016 إلى 36% في 2024 (متجاوزة المستهدف الأصلي 30%).
- الإيرادات غير النفطية: من أقل من 200 مليار ريال في 2016 إلى أكثر من نصف إيرادات الميزانية في 2024، مع هدف يتجاوز تريليون ريال في 2030.
- الصادرات غير النفطية: من 16% من الناتج غير النفطي عام 2016 إلى نحو 35% في 2024، والمستهدف 50% في 2030.
- المنشآت الصغيرة والمتوسطة: من 20% من الناتج المحلي في 2016 إلى نحو 30% في 2024، والمستهدف 35% في 2030.
إذا قارنّا مكونات الناتج المحلي للسعودية مع بعض أكبر اقتصادات مجموعة العشرين في عام 2024:
- السعودية: القطاع الخاص 41%، الإنفاق الحكومي 30%، الاستثمار 28%، الصادرات الصافية 7%.
- الولايات المتحدة: الاستهلاك الخاص 68%، الإنفاق الحكومي 18%.
- الصين: الاستثمار يفوق 40%، الاستهلاك الخاص نحو 40%.
- روسيا: الاستهلاك 50%، الاستثمار 27%.
يتضح أن المملكة تنتقل من اقتصاد عالي الاعتماد على الإنفاق الحكومي إلى نموذج أكثر توازناً، يعطي الأولوية للقطاع الخاص ويوسع قاعدته التصنيعية والتصديرية، ليصبح أكثر شبهاً بالاقتصادات الكبرى.
هذا التحول التاريخي جرى من خلال منظومة إصلاحات وبرامج ضخمة، أبرزها:
- برنامج التخصيص والشراكات مع القطاع الخاص (PPP) لفتح قطاعات البنية التحتية والخدمات أمام الاستثمارات.
- سياسة المقرات الإقليمية للشركات العالمية، ما عزز وجود الشركات الكبرى في الرياض.
- برنامج شريك والإستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي ضخت مئات المليارات في مشاريع يقودها القطاع الخاص.
- التحول الرقمي والمالي (مثل الفوترة الإلكترونية وأدوات الدفع وتعميق أسواق المال).
- التحول إلى حكومة رقمية، ما رفع كفاءة بيئة الأعمال وقلل المعوقات الإجرائية.
النتائج الماثلة تؤكد أن التحول لم يعد نظرياً بل أصبح واقعاً:
- انخفض الاعتماد على الإنفاق الحكومي من 60% إلى 30%.
- زادت مساهمة القطاع الخاص 7 نقاط مئوية في أقل من عقد.
- تتقدم المملكة اليوم من ذيل مجموعة العشرين إلى منتصفها، ومن المستهدف أن تكون بين الثلث الأول في 2030.
رؤية 2030 ليست مجرد خطة تنويع أو إطاراً إصلاحياً، بل مشروع يعيد تعريف الاقتصاد الوطني: من اقتصاد تديره الدولة بالإنفاق المباشر إلى اقتصاد يُقاس أثره الحقيقي بقدرة القطاع الخاص على الإنتاج والاستثمار والتصدير. فبلوغ نسبة 65% وأكثر لن يكون نهاية الطريق، بل بداية لمنافسة أعمق على خريطة الاقتصادات المتقدمة، وتجسيد عملي لاستدامة الاقتصاد السعودي وريادته على مستوى مجموعة العشرين.
أخبار ذات صلة
0 تعليق