في السعودية، يمثّل الاستثمار في الترفيه جزءاً أصيلاً من التحول الوطني الذي تقوده رؤية 2030. هذا التحول لا يقتصر على بناء مسارح أو تنظيم مهرجانات، بل يعكس وعياً عميقاً بأن المجتمع المتماسك يحتاج إلى مساحات للفرح مثلما يحتاج إلى التعليم والصحة والعمل. بذلك، يتحول الترفيه من نشاط جانبي إلى عنصر في مشروع حضاري أشمل يعيد صياغة علاقة الإنسان السعودي بذاته وبالعالم.
الحق في السعادة، وإن لم يُذكر حرفياً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، إلا أنه حاضر ضمنياً في الحقوق الأساسية: الحق في الحياة، في العمل، في مستوى معيشي كريم، في الصحة والتعليم. هذه الحقوق ليست سوى أدوات لبلوغ السعادة والرضا. بعض الدساتير ذهبت أبعد، مثل اليابان التي نصت على «حق الفرد في السعادة»، أو بوتان التي ابتكرت مفهوم «السعادة الوطنية الإجمالية». تلك التجارب تؤكد أن الرفاه الإنساني، بما في ذلك الترفيه، ليس ترفاً بل أساس لحياة كريمة.
لكن للترفيه أيضاً وجه سياسي وثقافي أعمق، يتصل بما يُعرف بالقوة الناعمة. فالدول لا تبسط نفوذها بالقوة العسكرية وحدها، بل أيضاً بالقدرة على الإقناع والجذب عبر الثقافة والفنون والرياضة. الولايات المتحدة استخدمت هوليوود لتصدير قيمها، كوريا الجنوبية صنعت من موسيقى الـ K-pop والدراما التلفزيونية وسيلة لتعزيز حضورها العالمي، والهند فعلت الأمر ذاته عبر بوليوود.
السعودية تسير على خط مشابه، لكن بخصوصية ثقافية تنبع من موروثها وهويتها. استضافة فعاليات عالمية مثل سباقات الفورمولا 1، وبطولات المصارعة الحرة، والمهرجانات الفنية والموسيقية، ليست مجرد أنشطة ترفيهية، بل رسائل موجهة إلى الداخل والخارج معاً: إلى الداخل لتأكيد أن المجتمع يستحق فضاءات للسعادة والتلاقي، وإلى الخارج لبناء صورة جديدة عن بلد يوازن بين الأصالة والانفتاح، ويستثمر ثقافته ومكانته لصياغة حضور عالمي مختلف.
الأمر لا يقف عند حدود السمعة أو الجذب السياحي، بل يتجاوزها إلى بناء اقتصاد ثقافي متكامل. صناعة الترفيه تفتح أبواباً للاستثمار، تخلق وظائف، وتبني قطاعات إبداعية جديدة. بهذا المعنى، يصبح الترفيه جزءاً من الاقتصاد الوطني لا يقل أهمية عن النفط أو السياحة أو الصناعة.
ما يحدث في السعودية اليوم هو تصحيح لمفهوم طالما أُسيء فهمه: الترفيه ليس مضيعة للوقت، بل استثمار في الإنسان أولاً، وفي صورة الوطن ثانياً، وفي قوته الناعمة ثالثاً. إنه إعادة تعريف للحياة المتوازنة التي تجمع بين العمل والإنجاز من جهة، والفرح والتعبير عن الذات من جهة أخرى.
باختصار، الترفيه في السعودية لم يعد رفاهية. إنه رافعة حضارية تصنع مجتمعاً متماسكاً وسعيداً، وتبني جسوراً مع العالم، وتضع المملكة في قلب الخريطة الثقافية والاقتصادية الدولية.
أخبار ذات صلة
0 تعليق