السعودية وباكستان.. حسابات الردع ومنطق القوة! - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بلا شك أن الاتفاق العسكري السعودي الباكستاني سيعيد ترتيب منطق «القوة والردع» في منطقة الشرق الأوسط التي استبيحت لعقود بسبب سوء تقدير القوى، أو تهورها، أو غرورها العسكري، التي ظنت أنها الأقدر على فرض أمنيات الهيمنة قبل منطق العقل والسياسة.

كما أنه سيبني توازناً للقوى فقدته المنطقة منذ ثلاث سنوات، إثر عملية السابع من أكتوبر، وهي اللحظة التي أحالت الإقليم إلى فوضى عارمة لم يتمكّن أحد من السيطرة عليها أو الحد من حرائقها حتى اليوم.

ولعل استعراض بسيط لبعض ما يدور في الإقليم سيعطينا لمحة عن تفكير غير منطقي يتم تداوله وترويجه بكثافة في محاولة لفرض هيمنة أو ابتزاز أمني، بسبب الاضطراب والفوضى، وهي في حقيقتها إما تدوير لأسلحة شرقية قديمة، أو استجلاب لإرث حضارة بائدة لم يعد لأدواتها أي تأثير في عصر الاقتصاد المتنوع والتكنولوجيا الدقيقة والذكاء الاصطناعي والحرفية العسكرية.

لقد كان من المنطقي جدّاً أن تنشئ المملكة العربية السعودية تحالفاً عسكرياً مع باكستان، فلطالما قدّمت المملكة نفسها حاضنةً للعالم الإسلامي، منذ أول قمة إسلامية عقدت في مكة دعا إليها الملك عبدالعزيز عام 1926م، مروراً بجولات الملك فيصل في العواصم الإسلامية دعماً لقضية فلسطين وتبنيه خطاباً إسلامياً متوازناً استمر مع كل الملوك السعوديين من بعده.

مع الإشارة إلى لحظة مهمة جداً تنبأت بانهيار منظومة الأمن الدولية، وضرورة الالتفات إلى تحالف عسكري إسلامي، عندما أنشأت الرياض تحالفاً إسلامياً عسكرياً عام 2015م، أعلنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز؛ بهدف توحيد جهود الدول الإسلامية في مواجهة الإرهاب، وتجيء السعودية وباكستان في قلب ذلك التحالف.

لقد كانت إشارة واضحة على أن الخيار الإسلامي بما فيه «الحضاري والثقافي والأمني والعسكري» لم يتراجع، بل هو الفضاء الأوسع، الذي تنتمي إليه المملكة العربية السعودية، فهي حامية الحرمين الشريفين، وهي حاضنة الإرث العربي والإسلامي، وكذلك الداعم الأول لكل قضايا العالم الإسلامي، وتحتضن على أراضيها أبرز المنظمات الإسلامية (البنك الإسلامي للتنمية، رابطة العالم الإسلامي، منظمة التعاون الإسلامي.. إلخ).

الرياض تعي جدّاً المخاطر الكبيرة التي تحاك للمنطقة وللسعودية نفسها، فأطماع الدول العظمى واضحة جداً، ومحاولات الفاشلين اقتصادياً متفشية، وأصحاب النزعات الحضارية البائدة تحيط بالإقليم من كل جانب، كما أن التنظيمات العابرة التي تعمل كمقاول من الباطن لدول معادية، تستهدف المملكة كما كانت تستهدفها منذ عقود، بدءاً من تفجيرات الستينات الميلادية، مروراً بتفجيرات القاعدة وداعش خلال عقدي التسعينات والألفية، فضلاً عن محاولات اعتداء قامت بها دول محيطة بالمملكة.

لقد جاء الإعلان السعودي الباكستاني عن إقامة تحالف عسكري في وقت حسّاس وسيولة عالية تشهدها المنطقة، ودون أن يكون هناك منطق للحرب والسلام، فخلال السنوات الثلاث الماضية رأينا كيف أن الاستقرار انهار بسبب عملية واحدة، لتتحوّل المنطقة كلها إلى ساحة حرب كبرى، ويتوقع أن تستمر هذه الفوضى العسكرية والأمنية لسنوات قادمة.

يدفع العالم اليوم ثمن أخطاء بعض التنظيمات والحركات، والاعتماد عليها في تشكيل ملامح القوة والابتزاز، لكن منطق السياسة يقول: إن تلك التنظيمات دائماً ما تتفلت من بين يدي مشغليها ولا يستطيعون ضبط إيقاعها كما هو مطلوب منهم، وبالتالي تعود بالكوارث والأزمات على مشغليها وهم من يدفعون ثمناً غالياً.

منطق الردع الذي نشأ غداة التوقيع على اتفاقية التحالف العسكري السعودي الباكستاني، يقول إن باكستان أضحت اليوم جزءاً من الإقليم العربي ودولة شرق أوسطية، بعدما كانت تنتمي فقط لدول «غرب آسيا»، كما أن الرياض أصبحت تطل على المحيط الهندي بأفق واسع، وهذا يغيّر كثيراً في معادلات الاقتصاد والتنمية، وكذلك الحرب والسلام في المنطقة، إذ يدفع بجيشين قويين إلى الواجهة لتشكيل قوة ردع هي في الحقيقة أهم من شن الحروب، وهي من تدفع الأعداء والخصوم للتفكير كثيراً قبل الإقدام على أي خطوة متهورة وما ينتح عنها من عواقب.

أخبار ذات صلة

 

0 تعليق