ترامب محق في انتقاد الفيدرالي - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ستيفن جين *

لطالما كان ضبط التضخم المعيار الأهم لقياس أداء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أي دورة اقتصادية. ولم يتردد دونالد ترامب في اتهام جيروم باول وفريقه بأنهم فشلوا في هذه المهمة. والسؤال المطروح، هل للرئيس الأمريكي ما يبرر انتقاداته؟ ربما يكون الجواب من تحليلاتنا «نعم».
بحساب متوسط مسار تضخم مؤشر أسعار المستهلك وسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية خلال الدورات الست الماضية الممتدة من عام 1971 إلى عام 2016، ومقارنتها بالمسارات المقابلة في الدورة الحالية، كانت النتائج لافتة. تاريخياً، لم يكن الفيدرالي يتأخر سوى خمسة أشهر بين بدء صعود التضخم واتخاذ أول قرار برفع الفائدة. لكن في الدورة الحالية، بدأ التضخم بالارتفاع صيف 2020، فيما لم يتحرك الفيدرالي إلا في مارس/آذار 2022، أي بعد عشرين شهراً، متأخراً خمسة عشر شهراً عن المتوسط التاريخي.
وفيما يخص مرحلة تخفيف السياسة النقدية من الدورة، أي خفض الفائدة، يُظهر التاريخ أن الفيدرالي كان يبادر عادة قبل وصول التضخم إلى ذروته بنحو شهرين. بينما في الدورة الحالية، بلغ التضخم ذروته في يونيو/حزيران 2022 وبدأ بالانحدار بسرعة حتى منتصف 2023، ومع ذلك لم يبدأ الفيدرالي بتخفيض الفائدة إلا في سبتمبر/أيلول 2024، أي بعد عشرين شهراً كاملة أيضاً.
ويكشف هذا التردد، سواء في رفع الفائدة أو خفضها، عن مشكلة في سرعة استجابة السياسة لأهم مؤسسة نقدية في العالم.
تحدث الكثير من الخبراء عن «عناد» التضخم الحالي وصعوبة تراجعه. غير أن تحليلنا يظهر صورة مغايرة، فمسار التضخم اليوم يكاد يطابق المتوسط التاريخي. في الدورات الست الماضية، ظل معدل التضخم بعد 15 ربعاً من بدايته أعلى بنحو 2.5 نقطة مئوية عن مستواه عند الانطلاق. وهذا بالضبط ما نشهده الآن.
إن الاختلاف الجوهري ليس في التضخم، بل في مستوى الفائدة الاسمية. ففي المراحل المماثلة تاريخياً، كان معدل الفائدة أعلى بنحو 0.75 نقطة مئوية عن مستواه قبل الصدمة التضخمية. أما اليوم، فهو أعلى بأربع نقاط ونصف تقريباً. ويعكس هذا الفارق الكبير تردداً متكرراً من الفيدرالي، إما أنه كان متأخراً كثيراً عن الركب في ديسمبر/كانون الأول 2022 عندما بلغت الفائدة 4.35% والتضخم 7.1%، أو أنه لا يزال متأخراً حتى اللحظة.
قد يبدو هذا التحليل ضيق الأفق لأنه يركّز على التضخم وحده، متجاهلاً شق التوظيف ومعدل البطالة من تفويض الفيدرالي المزدوج. وبحسب قاعدة «تايلور» الاقتصادية، فإن مستوى الفائدة الأمثل حالياً يجب أن يقترب من 4.7%، ما قد يعني أن المعدلات الحالية ليست بعيدة كثيراً عما ينبغي لها أن تكون.
كما أن بعض الاقتصاديين يرون أن الفيدرالي نجح في الحفاظ على مصداقيته بما مكنه من الابتعاد عن القاعدة النظرية من دون أن يتسبب بركود. وهنا تؤكد ورقة بحثية حديثة صادرة عن بنك كانساس أن قدرة البنك على طمأنة الأسواق سمحت له بالمناورة من دون دفع الاقتصاد إلى الانكماش.
لكن تبقى الحقيقة أن التضخم هو العنوان العريض لهذه الدورة الاقتصادية. فمنذ 2019، كانت الزيادة التراكمية في معدل أسعار المستهلكين بالولايات المتحدة من بين الأعلى عالمياً، باستثناء بعض الدول الأوروبية التي تلقت ضربة مباشرة من أزمة الغاز الروسي عام 2022. ولولا قوة الدولار خلال تلك الفترة، لكان التضخم الأمريكي أسوأ بكثير.
لهذا، فإن التركيز على التضخم، وإن كان جزئياً، يبقى مبرراً عند تقييم أداء الفيدرالي في هذه المرحلة. لأنه ببساطة يعكس جوهر النقاش الدائر اليوم حول استقلاليته. وقد كانت إدارة ترامب واضحة في اتهامها للمؤسسة بأنها تأخرت في التصدي للتضخم، وتحليلنا يؤكد هذه النقطة.
وهذا لا يعني بالضرورة أن أي خفض مرتقب للفائدة سيكون دليلاً على خضوع الفيدرالي للضغوط السياسية أو فقدانه لاستقلاليته. لكنه قد يُظهر أن الثمن الذي يدفعه اليوم، من تراجع الثقة والاتهامات بالتقصير، يعود إلى تردده السابق في اللحظة الحاسمة.
الدرس الأبرز هو أن البنك المركزي الأقوى في العالم قد يجد نفسه متأخراً عن «المنحنى التضخمي» لسنوات، ثم يضطر إلى تصحيح المسار بتكاليف عالية. وترامب، على الرغم من أسلوبه الصدامي، يضع إصبعه على الجرح: الفيدرالي لم يكن سريعاً ولا حاسماً في مواجهة التضخم.
ويتمثل التحدي المقبل في كيفية استعادة التوازن بين محاربة التضخم ودعم النمو، من دون أن يبدو وكأنه ينفذ أوامر البيت الأبيض. هنا، تكمن المعركة الحقيقية حول استقلالية الفيدرالي، وهي معركة ستمتد إلى ما بعد دورة ترامب أو بايدن، لتشكل جزءاً من جدل دائم حول من يتحكم حقاً في اقتصاد العالم.
* الرئيس والمدير التنفيذي المشارك لتكنولوجيا المعلومات في شركة «يورايزن إس إل جيه» (رويترز)

0 تعليق