شهدت بريطانيا موجة غضب شعبي غير مسبوقة ضد خطة رئيس الوزراء كير ستارمر لإدخال بطاقات الهوية الرقمية الإلزامية، المعروفة باسم «بطاقة بريطانيا»، وتخطت عريضة منشورة على موقع البرلمان البريطاني حاجز 1.6 مليون توقيع خلال يومين فقط من إعلان الخطة.
وأعلن ستارمر الخميس الماضي أن هذه البطاقات ستكون إلزامية لكل عامل في المملكة المتحدة بحلول 2029، في خطوة وصفها بأنها تهدف إلى تعزيز أمن الحدود ومكافحة العمل غير الشرعي. غير أن المنتقدين اعتبروا المشروع بداية لـ«عصر المراقبة الرقمية» وتقويضاً للحريات المدنية.
توقيعات تجبر البرلمان على التحرك
العريضة التي أطلقها الناشط ماكسيم سوتكليف في يونيو الماضي، حظيت بزخم واسع عقب خطاب ستارمر في قمة العمل التقدمي العالمي بلندن، الذي وصف الخطة بأنها «فرصة هائلة لجعل بريطانيا أقل جاذبية للهجرة غير الشرعية».
ومع اقتراب عدد الموقعين من حاجز المليوني توقيع، بات البرلمان ملزماً بمناقشة العريضة، إذ ينص النظام على ضرورة رد الحكومة على أي عريضة تتجاوز 10 آلاف توقيع، بينما تُعرض للمناقشة البرلمانية إذا تخطت 100 ألف توقيع.
رفض حقوقي وسياسي واسع
انضمت منظمات حقوقية كبرى مثل «ووتش بيغ براذر» و«ليبرتي» إلى الاحتجاج، ووجهت رسالة مفتوحة إلى ستارمر تطالب بإلغاء الخطة، محذّرة من أنها «ستدفع المهاجرين غير النظاميين إلى الظل وتعرّض الخصوصية العامة للخطر».
كما عبّر نواب من المعارضة، بينهم شخصيات بارزة في حزب المحافظين وحزب «إصلاح المملكة المتحدة»، عن رفضهم الصريح، فيما وصف اللورد فروست، الوزير السابق، المشروع بأنه «سبب قلق لكل البريطانيين». حتى داخل حزب العمال، أبدى نواب تحفظات جدية، معتبرين أن النظام الجديد يتعارض مع تقاليد الحريات المدنية البريطانية.
وفي المقابل، دافع الوزير دارين جونز عن المشروع، واصفاً النظام بأنه «أساس الدولة الحديثة»، مؤكداً أنه سيُسهل الحصول على الخدمات الحكومية ويحدّ من الاحتيال.
تاريخ مثقل بالفشل
الجدل حول بطاقات الهوية ليس جديداً على بريطانيا. فقد أُدخلت بطاقات الهوية الوطنية لأول مرة عام 1939 خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها أُلغيت في 1952 خشية تغوّل الدولة.
وفي 2002، حاولت حكومة توني بلير العمالية إحياء الفكرة بمشروع بطاقات الهوية الوطنية، لكن المعارضة الشعبية الواسعة دفعت حكومة ديفيد كاميرون عام 2010 لإلغائه، وتدمير قاعدة البيانات المرتبطة به، بعد أن كلّف نحو مليار جنيه إسترليني دون نتائج ملموسة.
معركة سياسية قبل الانتخابات
تتزامن هذه الأزمة مع استعداد بريطانيا لانتخابات مرتقبة، في وقت يسعى ستارمر لإثبات صرامته في ملف الهجرة غير الشرعية، مع اعترافه بأن حزب العمال «تجاهل مخاوف الجمهور سابقاً». غير أن الغضب الشعبي المتصاعد يهدد بتحويل مشروع «بطاقة بريطانيا» إلى أحد أكبر التحديات السياسية لرئيس الوزراء الجديد.
أخبار ذات صلة
0 تعليق