تتزايد التوقعات بإغلاق حكومي جزئي وشيك في الولايات المتحدة، ربما يبدأ من هذا الأسبوع، بعد أن وصل الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس إلى طريق مسدود بشأن كيفية الاستمرار في تمويل الحكومة الفيدرالية.
وتتزايد تبعاً لذلك مخاوف الأسواق المالية، لأن الإغلاق ربما يؤثر فيها من خلال الحد من عمل الهيئات التنظيمية المالية وتأخير نشر البيانات الاقتصادية المهمة، وينتقل القلق إلى المستثمرين ربما بنوبة أكثر حدة. ورغم أن الأسواق اعتادت على تجاهل عمليات الإغلاق الحكومي لكن الوضع هذه المرة ربما يكون مختلفاً.
يشكل الإغلاق الحكومي القادم الثاني والعشرون منذ وضع الموازنة الحديثة في الكونغرس عام 1976، والذي سيحدث لا محالة إن لم يُقرّ الكونغرس تشريعاً لتمويل الحكومة بحلول الغد 30 سبتمبر/أيلول من العام الجاري، والذي سينتج عنه توقف أجزاء كبيرة من الحكومة الفيدرالية عن العمل.
واستمر أطولها 34 يوماً في الفترة من ديسمبر 2018 إلى يناير 2019 خلال إدارة ترامب الأولى، وتم حل معظم الإغلاقات السابقة بسرعة كبيرة بمتوسط ثمانية أيام، واستمرت خمسة منها يوماً واحداً فقط.
وفي حالة الإغلاق تستمر فقط الوظائف الحكومية الأساسية في عملها، ويشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، مراقبة الحركة الجوية، ودوريات الحدود، والسجون الفيدرالية، وشبكة الكهرباء، وتوصيل البريد، والإغاثة في حالات الكوارث، وعمليات تفتيش سلامة الأغذية، والخدمات العسكرية، وتحصيل الضرائب. وسيستمر كبار السن في الحصول على الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. كما ستستمر إدارة استحقاقات المحاربين القدامى، وإعانات البطالة.
أما الأنشطة الحكومية غير الأساسية فهي من يتوقف عن عمله، كأن تغلق وزارة العدل القضايا المدنية، وتوقف ناسا معظم مشاريعها، وتغلق الحدائق والمنتزهات.
هدف أم ورقة ضغط
وطلب البيت الأبيض من الوكالات الفيدرالية، الأربعاء، إعداد خطط لعمليات تسريح جماعي لموظفي الحكومة، وهو ما يمثل تغيراً كبيراً عن إعطاء الإجازات المؤقتة التي شهدتها عمليات الإغلاق السابقة.
ولم يتضح بعد ما إذا كان البيت الأبيض يحاول الاستفادة من الإغلاق المحتمل لتعزيز مساعي
ترامب لتقليص القوى العاملة الفيدرالية، أو ما إذا كان ذلك ورقة ضغط لإجبار الديمقراطيين على الموافقة على تمرير تشريع التمويل الجمهوري. ورغم أن الإغلاق الحكومي جزئي إلا أنه يؤثر في نحو ثلاثة ملايين موظف فيدرالي، وفي عام 2019 سُرِّح ما يقرب من 800 ألف عامل غير أساسي مؤقتاً، وحصل 1.3 مليون عامل أساسي على «سند دين».
مخاوف طول الأمد
ورغم أن عمليات الإغلاق الحكومي تحل بسرعة إلا أن هناك مخاوف من أن يكون الأمر مختلفاً هذه المرة، وحذر محللون في بنك نومورا في مذكرة حديثة من أن الإغلاق لفترة طويلة ربما يؤدي إلى تأخير أو إلغاء إصدارات البيانات الاقتصادية الرئيسية التي يستخدمها المستثمرون لتقييم الاتجاهات الاقتصادية الكلية، مثل تقارير التوظيف والتضخم الشهريين، ما يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي «سيتحرك بدون رؤية واضحة» ما سيزيد من احتمالية التزامه بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مرتين لبقية عام 2025.
وفي ظل عدم قدرة المستثمرين على تقييم مدى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي فإنهم يتوقعون أن يرتفع الفارق بين عوائد سندات الخزانة طويلة وقصيرة الأجل لتزايد الثقة في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفض الفائدة.
وكما أن الإغلاق الحكومي الطويل قد يؤثر أيضاً في قدرة بعض المشاركين في السوق على إجراء الصفقات المعقدة التي تتطلب إرشادات تنظيمية.
البورصات والاكتتابات العامة
ومن المرجح أن يؤدي الإغلاق إلى تقليص هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، لتصبح مجرد طاقم هيكلي، وفقاً لخطتها لأكتوبر 2024.
وهذا من شأنه أن يحد من قدرتها على مراجعة الملفات المقدمة من قبل الشركات، والتحقيق في سوء السلوك، والإشراف على الأسواق.
وستقوم لجنة تداول السلع الآجلة بتسريح موظفيها ووقف معظم أنشطة الرقابة على السوق، وفقاً لخطة الطوارئ لعام 2024.
أخبار سارة للمستثمرين
الخبر السار للمستثمرين هو أن الإغلاقات الحكومية على مرّ تاريخ حدوثها لم تؤثر في سوق الأسهم، ورغم وجود أمثلة على تقلبات سوقية متزايدة إلا أنها كانت حميدة بشكل عام.
وحقق المؤشر «س آند بي500» عوائد إيجابية خلال 12 إغلاقاً حكومياً من أصل 21 إغلاقاً، وبلغ متوسط عائد المؤشر خلال فترات الإغلاق 0.1%، مع الإشارة إلى أن حالات الإغلاق كانت تُحل خلال ثمانية أيام في المتوسط. ومن المعروف أن قياس تقلبات السوق يتم من خلال الانحراف المعياري لتحركات الأسعار على عوائد المؤشر.
كما أن الإغلاقات السابقة لم تؤد جميعها إلى إحداث تقلبات في السوق، ففي الأشهر الاثني عشر التي تلت إغلاق الحكومة في ديسمبر 2018، وهو الأحدث، ارتفع «اس آند بي» بنسبة 26.2% وحقق عائداً بنسبة 19.72% في العام الذي تلا الإغلاق الحكومي عام 2013. ففي الواقع، ومنذ عام 1980، بلغ متوسط عائد المؤشر في الأشهر الاثني عشر التي تلت الإغلاق الحكومي 16.95%.
وكمثال: فإن استثماراً بقيمة 100 ألف دولار في المؤشر «إس آند بي» في عام 1957 كان من شأنه أن يصل إلى 12.6 مليون دولار في عام 2024 على الرغم من حدوث إغلاق حكومي 21 مرة في تلك الفترة.
ورغم أن الإغلاقات تُثير القلق إلا أن الخبراء يوصون بألا يغير المستثمرون خططهم طويلة الأجل لأن الالتزام بالخطة قد يكون السبيل الأمثل للمضي قدماً، حسبما يرى الخبراء. فهذا الإغلاق الحكومي المتوقع، ليس الأول ولن يكون الأخير على الأرجح.
0 تعليق