سجل السوق العقاري في دبي نمواً ملحوظاً خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري 2025، لتقترب المبيعات من حاجز نصف تريليون درهم عبر155,000 صفقة، بزيادة 33.7% من حيث القيمة و18.5% من حيث العدد، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024 التي حققت نحو 374 مليار درهم من خلال 130,360 صفقة.
بحسب بيانات شركة «هاربور العقارية»، بلغت القيمة الإجمالية للتصرفات العقارية في دبي خلال الفترة الممتدة من يناير/ كانون الثاني حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2025، نحو 670 مليار درهم من خلال 200,000 تصرف، بزيادة نسبتها 23.4% في القيمة و20.5% في العدد مقارنة ب543 مليار درهم نتجت عن 165,909 تصرفات خلال الفترة ذاتها من عام 2024.
وأظهرت البيانات، أن أسعار الوحدات السكنية سجلت نمواً سنوياً تراوح بين 8 و10%، مع تسجيل انخفاضات طفيفة في بعض المناطق التي تضم مشاريع فاخرة. وفي الوقت ذاته، واصلت دبي صدارة المدن العالمية من حيث عوائد الاستثمار العقاري التي تراوحت في المتوسط بين 6% للفلل و10% للشقق.
وجهة رئيسية للأثرياء
أظهر تقرير«السكن الفاخر 2025»، استمرار صعود دبي كوجهة مفضلة للأثرياء حول العالم لامتلاك العقارات الفاخرة، سواء كمساكن رئيسية أو منازل ثانية، بفضل مزيج من السياسات الاقتصادية المرنة وأنماط المعيشة الراقية.ودخلت دبي حديثاً قائمة أفضل عشر مدن عالمية خارج الولايات المتحدة من حيث عدد المالكين الأثرياء للمنازل الثانية، حيث يحتفظ 1,288 فرداً من أصحاب الثروات الفائقة (تتجاوز ثرواتهم 30 مليون دولار) بعقارات فاخرة في الإمارة. ويعود ذلك إلى بيئة ضريبية جاذبة، وانتشار المشاريع السكنية الفاخرة ذات العلامات التجارية العالمية، إلى جانب برنامج الإقامة الذهبية الذي عزز مكانة دبي كوجهة استثمارية وسكنية رائدة.
توقعات بتصحيح جديد
قال الدكتور مهند الوادية، الرئيس التنفيذي ل«هاربور العقارية»:«في مايو/ أيار 2025، توقعت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن سوق العقارات السكنية في دبي قد يشهد تصحيحاً يصل إلى 15% مع نهاية العام، مستندةً إلى وفرة المعروض وتراجع الطلب. وقد التقطت بعض الصحف العالمية هذا العنوان سريعاً، محذّرة من تباطؤ وشيك في أحد أكثر أسواق العقارات ديناميكية في العالم. غير أن التجارب السابقة أظهرت أن مثل هذه التوقعات غالباً لا تعكس واقع السوق في دبي».
وأضاف الوادية: «من واقع خبرة تمتد لأكثر من 26 عاماً في القطاع العقاري، أؤكد أن هذه التقديرات ليست جديدة وليست دقيقة. فقد أثبتت دبي مراراً قدرتها على تحدي التحذيرات ومواصلة مسارها الاستثنائي للنمو».
وأكد: «التاريخ يثبت أن من انساق خلف التوقعات السلبية خسر فرصاً استثنائية لتحقيق عوائد مرتفعة في السوق العقاري. ورغم أن السرديات قد تؤثر في الانطباعات، إلا أن الأرقام والابتكار تبقى دائماً العامل الحاسم في كشف الحقيقة».
تاريخ من التوقعات غير الدقيقة
أوضح تقرير «هاربور 2025» أن التوقعات المتحفظة بشأن سوق دبي العقاري ليست جديدة، بل تكررت خلال الأعوام الماضية من دون أن تتحقق. ففي عام 2023 توقعت مؤسسة «نايت فرانك» انخفاضاً يتراوح بين 5 و10% بحلول 2024، غير أن الأسعار والمعاملات واصلت الصعود، وسجلت العقارات الفاخرة مكاسب قياسية. وفي عام 2024 أشارت وكالة «بلومبيرغ» إلى أن دبي «تتحدى التوقعات بالتباطؤ» مع استمرار قوة المبيعات والإيجارات. كما حذرت تقارير الثروات العالمية بين 2022 و2024 من أن التضخم وارتفاع الفوائد سيؤديان إلى ركود، إلا أن السوق الفاخرة في دبي حققت أحد أفضل مستويات الأداء عالمياً. كذلك، تكررت منذ عام 2021 التحذيرات بشأن فائض المعروض، لكن الواقع أظهر أن التأجيلات في تسليم المشاريع والنمو السكاني القوي واستيعاب السوق أفشلت تلك التقديرات.
عوامل قوة سوق دبي العقاري
أكد التقرير، أن قوة السوق العقاري في دبي تستند إلى مجموعة من العوامل الأساسية. ففي عام 2025 تجاوز عدد سكان الإمارة 4 ملايين نسمة بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 5 و6%، ومن المتوقع وفق خطة دبي الحضرية 2040 أن يصل العدد إلى 5.8 مليون مقيم وأكثر من 2.1 مليون زائر يومي، مشيرا إلى أنّ هذا النمو المستمر يعزز الطلب على المساكن والخدمات العقارية. كما لعبت السياسات الجاذبة دوراً محورياً في ترسيخ الثقة طويلة الأمد، مثل الإقامات طويلة الأجل، وبرنامج التأشيرات الذهبية، والسماح بالملكية الأجنبية الكاملة. وتدعم هذه السياسات الاستثمارات بعيدة المدى وتؤسس لرؤوس أموال مستقرة. وإلى جانب ذلك، توفر الاستراتيجيات الحكومية، مثل «استراتيجية دبي العقارية 2033» وخطة دبي الحضرية 2040، دعماً قوياً بفضل مليارات الدراهم الموجهة نحو مشاريع البنية التحتية. وسلط التقرير الضوء على دور دائرة الأراضي والأملاك في تعزيز الابتكار عبر مشروع «ترميز العقارات» باستخدام تقنية البلوك تشين، الذي يتيح الملكية الجزئية ويجذب ملايين المستثمرين الأفراد حول العالم. وقد بِيع أول الطروحات بالكامل خلال أقل من دقيقتين، ما يعكس مستوى الطلب المرتفع ويفتح آفاقاً جديدة لاستيعاب المعروض المستقبلي.
وأشار التقرير إلى أن السوق يتمتع بمرونة عالية، حيث قد يشهد قطاع الفخامة والعقارات ذات العلامات التجارية تصحيحاً طفيفاً بعد سنوات من النمو القياسي، إلا أن الطلب القوي من حاملي التأشيرات الذهبية والأثرياء والمشاهير والعائلات الميسورة يحافظ على الزخم.وعلى صعيد الإيجارات، أوضح التقرير أن العوائد في دبي تفوقت على مدن عالمية كبرى مثل لندن ونيويورك، ما دفع كثيراً من المستأجرين للتحول إلى التملك، وهو ما يعزز الطلب الاستثماري. كما سجل القطاع المصرفي انضباطاً ملحوظاً، إذ انخفضت نسبة انكشاف البنوك على العقارات إلى نحو 14% من إجمالي القروض، مقارنة ب20% في السابق، فيما بات المطورون أكثر التزاماً بالاستدامة المالية.
وتواصل دبي تعزيز بنيتها التحتية عبر خطوط مترو جديدة ومشاريع كبرى، ما يرفع جاذبية الإمارة للسكن والعمل. كما يبرز تميز نوعية المستثمرين والمقيمين، حيث تستقطب الإمارة العائلات الحاصلة على التأشيرات الذهبية والمكاتب العائلية، ما يرسخ الطلب المستقر بعيداً عن المضاربات قصيرة الأجل.
المخاطر والفرص
أشار التقرير إلى أن المخاطر تظل قائمة مثل الصدمات العالمية أو حدوث فائض جزئي أو تباطؤ مؤقت في سوق الفخامة، إلا أن هذه المخاطر لا ترقى إلى مستوى الانكماش الحاد أو الانهيار الذي تتوقعه بعض التقارير. وبدلاً من ذلك، يرى التقرير أن هذه التطورات تعكس نضج السوق وتنوعه.
ونصحت «هاربور» المستثمرين إلى التركيز على المناطق الواعدة، والتعاون مع المطورين الموثوقين، والتفكير طويل الأمد بما يتماشى مع استراتيجيات دبي 2033 و2004، إضافة إلى طلب الاستشارات من خبراء معتمدين يتمتعون بخبرة وسجل موثوق، مع الإلمام بالتطورات المرتبطة بالترميز العقاري الذي يفتح آفاقاً جديدة للنمو.
دبي تخرج أكثر قوة من الأزمات العالمية
أشار التقرير إلى أن دبي لم تكتفِ بالصمود في مواجهة الأزمات العالمية، بل استطاعت أن تحقق إنجازات كبرى تعزز مكانتها. ففي ذروة الأزمة المالية العالمية عام 2008، سلّمت الإمارة برج خليفة ومترو دبي، اللذين أصبحا أيقونات عالمية للصمود والرؤية المستقبلية. وخلال جائحة كوفيد-19، وبينما أغلقت دول العالم أبوابها، استضافت دبي إكسبو 2020 وجذبت أكثر من 25 مليون زائر، كثير منهم عاد لاحقاً كمستثمر أو مقيم بعدما لمس استقرار الإمارات وأمانها. واليوم، ورغم الاضطرابات الجيوسياسية والتقلبات المالية والتهديدات البيئية، تواصل الإمارة ترسيخ موقعها كملاذ آمن لرأس المال والأفراد على حد سواء.وبيّن التقرير أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل كثيراً من التقديرات السلبية بعيدة عن الواقع. أولها التعامل مع دبي كسوق واحد، بينما هي في الحقيقة فسيفساء من أسواق فرعية لكل منها ديناميكياته المختلفة. أما السبب الثاني فهو افتراض وصول المعروض العقاري دفعة واحدة، في حين أن الواقع يشهد جداول مرحلية وتأجيلات تجعل الامتصاص تدريجياً. ويكمن السبب الثالث في التقليل من أثر السياسات والابتكار والمرونة التي تميز دبي، إذ إن إصلاحات التأشيرات والإقامة، وتطوير البنية التحتية، والقدرة على التكيف السريع، جميعها عوامل تعزز ثقة المستثمرين وتدعم استدامة النمو.
0 تعليق