أما العقل البشري ذاته بشكل عام فلا تزال تتحكم به الأنساق الثقافية المتوارثة، فالعقلانية السائدة في أشد الأمم ازدهاراً هي عقلانية عملية إنها عقلانية أساليب ومناهج وقوانين ومؤسسات، أما خارج المجال العملي المنظَّم فيبقى الأسبق يتحكم بالتفكير والمواقف والاتجاهات والقيم والتصورات.
ومن هنا يأتي وصف التعليم في كل العالم بالإخفاق، ففي هذا العصر لا يوجد إجماعٌ عامٌّ على مستوى الأفراد والأُسر والشعوب والأمم مثل إجماعهم على أهمية التعليم والتزامهم بكل ما يلزم لتحقيق ذلك في التضحية والاهتمام والجهد والمال والانتظار الطويل؛ حيث يُمضي الأفراد في كل العالم ثلث أعمارهم في الانتظام الطويل في التعليم، لكن كل الحقائق تؤكد أن النتائج جاءت في كل العالم مخيبة للآمال بشكل مريع!
تؤكد ذلك مئات الكتب المترجَمَة وآلاف الدراسات وما لا يتوقف من الأوراق البحثية التي تؤكد الإخفاق وتقترح الحلول ويتكرر اقتراح الحلول، لكن الإخفاق يستمر.
أما عن أسباب استمرار هذه النتائج المخيبة للآمال فيعود إلى أن البشر إذا انتظموا على شيء فإنهم يصبحون أسرى للأسبق الذي اعتادوا عليه وتبرمجوا به؛ لذلك يجدون صعوبة شديدة في التخلي عنه والبحث عن مسار بديل أو نموذج مغاير.
هكذا هو العقل البشري يُكَوِّنه ويحتله ويتحكَّم به الأسبق إليه، فالسوابق عوائق، وكل سابق إلى الذهن يصير هو الذهن ذاته، فالإنسان بما ينضاف إليه إنه كائن ثقافي، ومن هنا تأتي أيضاً أخطاء ونقائص الخُبَراء.
0 تعليق