Published On 16/9/202516/9/2025
|آخر تحديث: 09:32 (توقيت مكة)آخر تحديث: 09:32 (توقيت مكة)
رخص البناء في القدس الشرقية من أبرز الأدوات التي تستخدمها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للحد من التوسع العمراني الفلسطيني، والتحكم في النمو السكاني العربي داخل المدينة، وذلك في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية لصالح المستوطنين اليهود.
ويعاني الفلسطينيون في القدس من صعوبات كبيرة في الحصول على التراخيص، الأمر الذي يدفع الكثير منهم إلى البناء دون ترخيص، مما يعرّضهم لاحقا لخطر الهدم والترحيل القسري.
تقييد وحصار
منذ احتلال القدس بعد حرب النكسة عام 1967، شرعت إسرائيل في فرض سيادتها على المدينة، وأعلنتها عاصمة "موحدة وأبدية"، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ونتيجة لذلك، خضعت الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية لسلطة بلدية الاحتلال، التي تتبع سياسات تخطيط وهيكلة عمرانية تُقيّد الفلسطينيين وتعوق تطورهم الطبيعي.
وبينما ينظر الاحتلال إلى الفلسطينيين في القدس بصفتهم "مقيمين دائمين" وليسوا مواطنين، فإن حقوقهم في السكن والبناء محددة بإجراءات معقدة وقوانين تُعطي الأولوية في البناء للمشاريع الاستيطانية.
ندرة رخص البناء وغلاء التكلفة
تُصدر بلدية القدس عددا محدودا جدا من رخص البناء في الأحياء الفلسطينية، رغم ارتفاع الكثافة السكانية واحتياج الناس الماس للبناء والتوسع.
وتبلغ تكلفة الرخصة الواحدة ما بين 40 إلى 70 ألف دولار أميركي، وتشمل مراحل معقدة من الفحص والدفع وإعداد الخرائط.
غياب المخططات الهيكلية
لا تتوفر مخططات هيكلية محدثة لكثير من الأحياء الفلسطينية مثل العيساوية وجبل المكبر، والشيخ جراح، مما يجعل من المستحيل عمليا الحصول على رخص بناء قانونية في هذه المناطق.
الهدم وسيلة للضغط
في ظل استحالة الحصول على رخص، يضطر الكثير من الفلسطينيين للبناء دون تصريح، وتصدر السلطات لاحقا أوامر بهدم منازلهم. وتهدم قوات الاحتلال عشرات المنازل سنويا، إما بذريعة "عدم الترخيص"، أو بدعوى أنها تقع في مناطق مخصصة للحدائق أو "المرافق العامة"، رغم ملكية أصحابها للأراضي.
ففي عام 2016، هدمت السلطات الإسرائيلية 73 منزلا شرقيّ القدس، إضافة إلى 15 منزلا أخرى هدمها أصحابها بأنفسهم بعد أن تلقّوا أوامر من البلدية، وذلك لكي يتجنّبوا دفع تكاليف الهدم والغرامات المالية التي تفرضها البلدية.
إعلان
وبهذا خلّفت السلطات 295 شخصا، بينهم 160 قاصرا، بلا مأوى. وهذا هو عدد المنازل الأكبر الذي جرى هدمه في عام واحد.
وتسببت هذه السياسات في أزمة سكن خانقة في الأحياء المقدسية، وباتت البيوت مكتظة بالعائلات، كما ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير. ويدفع هذا الواقع العديد من العائلات المقدسية إلى مغادرة المدينة، والسكن في مناطق خارج الجدار الفاصل، مثل كفر عقب ومخيم شعفاط، رغم افتقارها للخدمات الأساسية، مما يعمق ظاهرة "التهجير الصامت".
نموذجان: حيا البستان والشيخ جراح
حي البستان في بلدة سلوان من أبرز الأمثلة على السياسات التهويدية المرتبطة برخص البناء، إذ تهدد بلدية الاحتلال بهدم عشرات المنازل في الحي، بزعم إقامة "حديقة توراتية" مكانها، بينما يُمنع السكان من ترخيص منازلهم رغم تقديمهم الخرائط والمخططات.
أما في الشيخ جراح، فتتمثل المشكلة في محاولات جمعيات استيطانية السيطرة على منازل فلسطينية بدعوى "الملكية اليهودية التاريخية"، رغم أن كثيرا من هذه العائلات هُجّرت من أراضيها داخل الخط الأخضر عام 1948.
وتعكس أزمة رخص البناء في القدس الشرقية طبيعة الصراع الديمغرافي والسياسي في المدينة، إذ تُستخدم القوانين والتخطيط العمراني للهيمنة والسيطرة، وبينما يواجه الفلسطينيون خطر الطرد وهدم منازلهم، يستمر التوسع الاستيطاني في قلب الأحياء المقدسية، في محاولة لفرض واقع جديد يتعارض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
إحصائيات
تقول بعض الأرقام الرسمية إن أوامر الهدم الإسرائيلية أجبرت في عام 2009 ما مجموعه 260 من ملاك المباني في القدس الشرقية على هدمها بأيديهم، وكان نصف تلك المباني منازل سكنية.
وفي أبريل/نيسان 2019 وحده شمل الهدم ما مجموعه 15 مبنى، اضطر أصحابها إلى هدمها بأيديهم لتفادي الغرامات الباهظة، وذلك عقب إصدار السلطات الإسرائيلية أوامر الهدم بشأنها.
وفي العام 2019 أيضا هُدم ثلث المباني المستهدفة (36 من أصل 111) على يد أصحابها.
وبينما يتفاوت عدد عمليات الهدم الذاتي من عام إلى آخر، فقد ارتفع المتوسط الشهري الذي شهده العام 2019 إلى 9 عمليات هدم في الشهر مقابل المتوسط الذي كان يبلغ 3 عمليات شهريا على مدى الأعوام الثلاثة السابقة للعام المذكور.
وشهد مايو/أيار 2025 أعلى عدد من عمليات الهدم، إذ بلغ إجمالي المباني المهدمة 33 مبنى، منها 16 وحدة سكنية و17 مبنى غير سكني.
0 تعليق