منذ منتصف العام 2024، تواصل إسرائيل شن هجماتها العنيفة على جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، ضمن العملية التي سمتها بـ"الذراع الطويلة"، استهدفت فيها العديد من المقرات الحكومية والمنشآت الحيوية.
وخلّفت الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين أضرارا جسيمة، حيث أودت بحياة عشرات المدنيين من ضمنهم رئيس الحكومة غير المعترف بها أحمد غالب الرهوي، والعديد من الشخصيات المهمة في صفوف جماعة أنصار الله.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listالعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الحوثيين، غاياتها وأهدافها، وتشابكها الإقليمي، كان محور ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "الدلالات العسكرية والإستراتيجية للهجمات العسكرية على الحوثيين" للباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والإستراتيجية الدكتور علي الذهب.
واستعرضت الورقة حدود التصعيد الإسرائيلي ضد اليمن، وعلاقاته بالاشتباك مع إيران، وكذلك الحرب الدائرة في غزة، والتي شارك الحوثيون فيها بفاعلية وقصفوا مناطق مختلفة من إسرائيل بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.
أولا: انطلاق الهجمات وغاياتها ومركزية أهدافها
1 – انطلاق الهجمات وغاياتها
في 20 يوليو/تموز 2024، شنّت تل أبيب هجمات جوية على الحوثيين واستمرت حتى 19 ديسمبر/كانون الأول 2024، وتوقفت مؤقتا قبل أن تستأنف في 5 مايو/أيار 2025.
وبالنسبة لتل أبيب، فإن هذه الهجمات تكتسي أهميتها من كونها تضر بالأهداف البارزة لنشاط الحوثيين العسكري والإداري، إذ تعتبر ضربهم جزءا من رؤيتها الموسعة التي تحاول تضييق الخناق على شبكة أعدائها الإقليميين: حزب الله وحركة حماس والحشد الشعبي في العراق، وكذلك دولة إيران التي تدعم الجميع.
وفي سياق محاولة الإضرار بالحوثيين وتضييق الخناق عليهم، ضربت تل أبيب موانئ الحديدة، ومطار صنعاء الدولي، ومحطات توليد الكهرباء ومخازن الوقود.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يشكل ضرب هذه المنشآت خسارة مالية كبيرة للحوثيين، إذ تشير الأرقام إلى أنهم في الفترة الممتدة بين أبريل/نيسان 2022 ويونيو/حزيران 2024، حصلوا على ما يقارب 1.8 مليار دولار من الرسوم الجمركية على واردات الوقود عبر الموانئ الخاضعة لهم.
إعلان
وفي ذات السياق، كان الحوثيون يحصدون شهريا نحو 18 مليون دولار عن طريق مصنعي الإسمنت اللذين ضربتهما إسرائيل.
ومن الناحية العسكرية، فإن الهجمات التي شنتها تل أبيب على مطار صنعاء والمنشآت الأخرى، تركت خسائر إستراتيجية على المستوى الأمني والعسكري.
ووفقا لتقارير مجلس الأمن الدولي، فإن الحوثيين استخدموا مطار صنعاء لإرسال متدربين إلى مركز "بهبهان" التابع للحشد الشعبي في جرف الصخر بين بغداد وكربلاء، للتأهيل على العمليات البحرية ضد السفن التجارية.
وهكذا نجحت إسرائيل في الإضرار بمصالح الحوثيين عن طريق الضربات المتكررة للمنشآت الحيوية، حيث خرج بعضها من الخدمة بسبب تلك الضربات.
وتقدّر الخسائر الاقتصادية بسبب الضربات الإسرائيلية على موانئ الحديدة بنحو 313 مليون دولار، كما تقدر الخسائر الناتجة عن ضرب مطار صنعاء الدولي بنحو 500 مليون دولار.
2 – مركزية الأهداف
تركزت الضربات الإسرائيلية في اليمن على مصالح الحوثيين، إذ استهدفت أهم المنشآت التي تستغلها الجماعة، مثل مواقع تخزين الأسلحة الثقيلة والذخائر، ففي الحديدة وحدها استهدفت 3 موانئ بحرية، وضربت محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية، وقاعدة الكثيب العسكرية البحرية، ومقر الشرطة العسكرية، ومعسكر الدفاع الساحلي.
وقد تعرّض مصنعا الإسمنت في باجل وعَمْران لضربات قوية أخرجتهما من الخدمة كليا، كما استهدفت 3 مرافق حكومية في مدينة حزم الجوف.
وفي الفترة الممتدة بين 20 يوليو/تموز 2024 و10 سبتمبر/أيلول 2025 شنت إسرائيل نحو 15 غارة على الحوثيين، معظمها استهدف مواقع ومنشآت في الحديدة ومطار صنعاء الدولي.
ثانيا: تحول الهجمات ودلالتها
1 – التحولات التي طرأت على الهجمات
أ – أولوية الاستهداف
وفقا للرواية الإسرائيلية، فإن الهجمات تركزت على الأصول الاقتصادية لجماعة أنصار الله الحوثيين، لكن ضربة 28 أغسطس/آب 2025 شكلت تحولا بارزا في مسار الاستهداف، إذ تم قصف مقر الحكومة الحوثية غير المعترف بها، وقُتل رئيسها و11 عضوا من الشخصيات البارزة فيها.
ب – وسائل الاستهداف
وشملت الوسائل التي تم من خلالها تنفيذ الهجمات طائرات "إف 15" و"إف 35″، لقدرتها إلى الوصول نحو مسافات تصل إلى 2000 كليومتر.
كما شاركت البحرية الإسرائيلية في تنفيذ الهجمات على اليمن، حيث دخل الأسطول البحري المتمركز شمال البحر الأحمر على خط العمليات في 9 يونيو/حزيران الماضي.
ج – المعلومات الاستخبارية
أظهرت هذه الهجمات مستوى متقدما من الدقة في المعلومات التي يمتلكها الإسرائيليون بشأن مقرات الحوثيين، وهو الأمر الذي جعل عضو المجلس السياسي للجماعة سلطان السامعي يقول في مايو/أيار 2024 إنهم "مخترقون من أجهزة صهيونية وأميركية داخلية".
2 – الدلالات العسكرية والإستراتيجية
يتجلّى من المقارنة بين الهجمات الإسرائيلية على لبنان وغزة وجبهة اليمن، تباينا في نهج تل أبيب بشأن التعامل معها وإستراتيجيتها في القضاء عليها.
ففي تعاملها مع جبهات لبنان وغزة وإيران كانت تستهدف القيادات قبل ضرب المنشآت، أما على مستوى اليمن فإنها ركزت على تدمير البنية الاقتصادية، ولا تزال عاجزة عن الوصول إلى هرم القيادة.
إعلان
وتتضاعف الضغوط على الحوثيين من استهداف شبكات مالية مرتبطة بقياداتهم من الولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى احتمال حصول تل أبيب على معلومات استخبارية من خصوم محليين للحوثيين.

ثالثا: الحدود المحلية للهجمات وتشابكها الإقليمي
وتتّضح معالم التشابك بين الحوثيين والإسرائيليين ضمن معادلة الفعل ورد الفعل، إذ كلما شن الحوثيون هجمات لها تأثير في الوسط الإسرائيلي، وسّعت تل أبيب من استهدافها للمنشآت الحيوية في اليمن.
وحيال هذه المعادلة، يتوسع المشهد ليشمل أبعادا إقليمية تزيده تعقيدا، إذ تقول بعض المعطيات إن احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وإيران محتلمة بشكل كبير.
وفي حال وقعت المواجهة، فإنه يرجح أن ينخرط الحوثيون في تلك المعركة لدعم طهران التي تُعد العاصمة الوحيدة التي تعترف بدولتهم وتتبادل معهم التمثيل الدبلوماسي.
ويزيد من احتمال هذا الموقف إعلان الحوثيين أن وقف عملياتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي مرهون بانتهاء العدوان على قطاع غزة.
ويتضح مما تشهده المنطقة من أحداث بين محور المقاومة وتل أبيب، أن مسار المواجهة بين إسرائيل والحوثيين قد لا يتوقف حاليا، وسيتجاوز البعد الثنائي ليشكل جزءا من إعادة تشكيل معادلات في الإقليم عموما.
0 تعليق