بعد مفاوضات سرية دامت 12 يومًا في المنتجع الرئاسي الأمريكي، أثمرت الاتفاقية عن وثيقتين إطاريتين، أسسّتا فيما بعد لمعاهدة السلام بين مصر و كيان الاحتلال عام 1979.
ورغم أنها أنهت حالة الحرب وأعادت سيناء لمصر، إلا أن هذه المعاهدة ظلت محور جدل مستمر، بسبب خروقات مزعومة من جانب كيان الاحتلال وتوترات لم تتوقف على مدار العقود.
تداعيات الاتفاقية: سلام فردي وعزلة عربية
كانت التبعات المباشرة للاتفاقية عميقة ومتباينة:
سلام وانسحاب: نصت المعاهدة على إنهاء حالة الحرب بين مصر وكيان الاحتلال، وانسحاب قوات الاحتلال بالكامل من شبه جزيرة سيناء التي احتلها في عام 1967.
كما فتحت الباب أمام تطبيع العلاقات، ومرور السفن التابعة لكيان الاحتلال في قناة السويس.
عزلة عربية: قوبلت الاتفاقية برفض عربي واسع، حيث اعتبرتها الدول العربية خروجًا عن الصف وتجاهلًا للقضية الفلسطينية.
نُقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، وتم تعليق عضوية مصر لعشر سنوات، مما أدى إلى عزلة دبلوماسية واقتصادية كبيرة.
جائزة نوبل: حصل الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء الاحتلال آنذاك مناحيم بيغن على جائزة نوبل للسلام عام 1978، وهو ما يعكس الأهمية الدولية التي منحت لهذه الخطوة، رغم الانتقادات الإقليمية.
خروقات وتوترات: تحديات المعاهدة على مر السنين
لم تكن المعاهدة خالية من التحديات، حيث شهدت العلاقة بين مصر و كيان الاحتلال فترات من التوتر بسبب اتهامات متبادلة بالخروقات، خاصة من جانب كيان الاحتلال:
التدخل في سيناء: تنص المعاهدة على ترتيبات أمنية محددة في سيناء، تشمل مناطق منزوعة السلاح وأخرى محدودة التسليح (المنطقة "أ"، "ب"، "ج"). كانت أي زيادة في القوات المصرية تتطلب موافقة الاحتلال.
وفي أوقات الاضطرابات الأمنية، مثل مواجهة الجماعات المتطرفة، سُمح لمصر بزيادة قواتها، وهو ما اعتبره البعض دليلًا على خرق كيان الاحتلال لروح المعاهدة من خلال التدخل في شؤون سيناء الداخلية.
النزاع على طابا: بعد الانسحاب من سيناء، ظلت منطقة طابا الصغيرة على خليج العقبة محل نزاع حدودي.
استمر النزاع حتى عام 1989، عندما أصدرت محكمة التحكيم الدولية في لاهاي قرارًا لصالح مصر، مما اضطر كيان الاحتلال للانسحاب منها.
القضية الفلسطينية: في الاتفاقية الإطارية، تعهد كيان الاحتلال بالتفاوض حول "الحكم الذاتي" في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنه لم يلتزم بهذه الوعود بشكل كامل، واستمر في بناء المستوطنات، مما أدى إلى تزايد التوتر.
هذا الأمر أدى إلى اتهامات من كيان الاحتلال لمصر بالتدخل في شؤون غزة، في حين ترى مصر أن استمرار الاحتلال هو السبب في عدم استقرار المنطقة.
قضايا معلقة: لا تزال هناك قضايا أخرى مثيرة للجدل، مثل مطالبة مصر بتحقيق دولي في قضايا الأسرى المصريين الذين قُتلوا في حرب 1967، وكذلك مسألة التعويضات عن النفط الذي استخرجه كيان الاحتلال من حقول سيناء خلال فترة احتلالها.
تطورات حديثة: من التعاون الأمني إلى تهديدات بالتعليق
في السنوات الأخيرة، تغيرت طبيعة العلاقة بين البلدين:
تعزيز التعاون الأمني: في السنوات الأخيرة، أدت التحديات الأمنية المشتركة، لا سيما في سيناء، إلى تعزيز التعاون الأمني بين الجيشين، حيث سمح الاحتلال الإسرائيلي لمصر بزيادة قواتها في المناطق المحددة بالمعاهدة لمكافحة الإرهاب.
الخروقات الأخيرة: مع تصاعد التوترات في المنطقة، خاصة في قطاع غزة، عادت قضية خروقات المعاهدة إلى الواجهة.
أدت العمليات العسكرية لكيان الاحتلال على حدود غزة-مصر، والتهديدات بالسيطرة على محور فيلادلفيا، إلى تحذيرات مصرية من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى "تعليق" المعاهدة، في إشارة إلى أن كيان الاحتلال قد خالف بنودها الجوهرية.
في النهاية، بينما نجحت اتفاقية كامب ديفيد في تحقيق السلام المباشر بين مصر و كيان الاحتلال، فإنها لم تستطع حل القضايا الأعمق في المنطقة، بل أفرزت تحديات جديدة تتعلق بمدى التزام كل طرف ببنودها، وهو ما يفرض على البلدين التعامل بحذر مع أي تطورات مستقبلية.
0 تعليق