روسيا – على مدى أكثر من قرنين، شهد قصر”بيتروفسكي” في موسكو انتصارات عظيمة ومآسي، وحافظ على أسرار الماسونية، ليصبح مكانا يتداخل فيه الواقع بالغموض.
يقع قصر “بيتروفسكي” في موسكو بجوار محطة مترو “دينامو”، محاطا بالحدائق والبساتين الخضراء، ويستقبل ضيوف العاصمة منذ أكثر من قرنين. شُيّد القصر بناء على إرادة الإمبراطورة كاترين الثانية بعد الحرب الروسية التركية (1768–1774)، احتفالا بالنصر المنتظر، وسُمي “لضيوف موسكو” لأنه كان مقر إقامة الأباطرة والنبلاء بعد الرحلة الطويلة من سانت بطرسبرغ إلى العاصمة.
ومع بداية عهد الإمبراطور بول الأول، أصبح القصر محطة كل الأباطرة الروس قبل التتويج في الكرملين، ما أكسبه الاسم غير الرسمي “الدرجة الأخيرة نحو العرش”، إذ كان القياصرة يقضون فيه الليلة السابقة ليوم من أهم أيام حياتهم.
رسائل في الحجر ورموز ماسونية
قام المهندس المعماري ماتفي كازاكوف، الذي عمل لصالح كاترين الثانية، بدمج رموز ومعانٍ خفية في تصميم القصر. الأجنحة الجانبية المصنوعة من الطوب الأحمر تذكّر بأسوار القلعة وترمز لقوة روسيا، فيما تشير قرون الوفرة المزخرفة على النوافذ إلى عظمة البلاد وثروتها. الأبراج المشابهة للمآذن المحيطة بالمبنى الرئيسي تلمح إلى الشرق وانتصارات روسيا على تركيا، بينما تشبه القبة العالية كاتدرائية آيا صوفيا في القسطنطينية، كرمز للقداسة البيزنطية.
ويعتقد أن كازاكوف كان ماسونيا، ما دفعه لإدراج رموز ماسونية، مثل عنصر “النقطة داخل الدائرة” (circumpunct) على واجهة القصر، بالإضافة إلى الأقواس والنوافذ المدببة المميزة للعمارة الماسونية، لتضفي على المبنى معان مقدسة وخفية.

أحلام الإمبراطورة النبوية
حمل القصر منذ البداية أسرارا غريبة، منها زيارة كاترين الثانية عام 1787 في طريق عودتها من شبه جزيرة القرم. إذ نزلت الإمبراطورة في القصر، وحرص سكان موسكو على حمايتها طوال الليل تحت نوافذ القصر، ما أدى إلى تدافع بينهم. ويعتقد بعض المؤمنين بالغيبيات أن هذا الحدث كان نذيرا لمأساة حقل “خودينكا” عام 1894 في عهد القيصر نيقولاي الثاني.

ملاذ نابليون
لم يقتصر القصر على الأباطرة الروس، ففي سبتمبر 1812، احتله الإمبراطور الفرنسي نابليون بعد فشله في اقتحام مفاتيح موسكو، واتخذ منه مقر قيادته. وهناك، أصابه نوع من الذهول؛ فلم يشغله الحريق المشتعل في المدينة، بل اهتم بالشؤون الثقافية، فدشن مسرح “كوميدي فرانسيز”، واستدعى ممثلين من باريس، وفتح مسرحا جديدا في المدينة المدمرة، مقدما أكثر من عشرة عروض مسرحية.

في الوقت نفسه، أحدث جنود نابليون فوضى عارمة في حدائق القصر، محوّلين الأجنحة إلى أسواق لبيع ونهب السجاد الفارسي والمرايا والمجوهرات والأثاث والفراء. ويُقال إن هذه الفوضى كانت أحد العوامل التي دفعت نابليون لمغادرة موسكو والعودة إلى باريس مع جيشه.
المصدر: تاس
0 تعليق