فيلم "ذا روزز" كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

تشهد الأفلام الكوميدية الرومانسية موجات متتالية مثل موج البحر، فترتفع أسهمها حينا ويُقبل عليها المتفرجون، ثم تنحسر عنها الأمواج وتتحول إلى نوع عتيق لا يشاهده سوى النساء في منتصف العمر.

ونشاهد مؤخرا تنويعات مختلفة على الكوميديا الرومانسية، بأفلام تحاول إضفاء الواقعية أو العصرية على حبكاتها العاطفية، مثل فيلم "الماديون" (Materialists) للمخرجة سيلين سونغ الذي عُرض في صيف 2025، والآن مع فيلم "ذا روزز" (The Roses).

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

"ذا روزز" من إخراج جاي روتش، وتأليف توني ماكنمارا، وبطولة أوليفيا كولمان وبينديكت كمبرباتش، وهو مقتبس عن رواية بعنوان "حرب الزهور" (The War of the Roses) التي تحولت إلى فيلم بالاسم نفسه في ثمانينيات القرن الـ20.

"ذا روزز" من العشق إلى العداء

يخلط "ذا روزز" بين الرومانسية والكوميديا السوداء، فيقدم قصة عاطفية بدأت كالمعتاد في حكايات الحب ببداية سعيدة، ثم أخذت منعطفات حادة للغاية، حتى تحول هذا الحب إلى بغضاء مشتعلة، تحت شعار: "أشد من يبغضك هو من أحبك من قبل".

يفتتح الفيلم بمشهد لزوجين في منتصف العمر بإحدى العيادات النفسية، يقوم خلال الجلسة كل من الزوجين إيفي (أوليفيا كولمان) وثيو (بينديكت كمبرباتش) بتحديد أهم مزايا الطرف الآخر، غير أن الجلسة تتحول إلى معركة كلامية شرسة عندما يشرع كلاهما في ذكر عيوب الآخر، فتخبرهما الطبيبة أن عليهما الانفصال فلا رجاء في تحسين علاقتهما.

ويعود الفيلم بعد ذلك إلى الوراء عدة سنوات ليُعرف متفرجيه ببداية قصة الحب بين الطاهية المحترفة إيفي والمهندس المعماري ثيو. فكلاهما عانى من الإحباط في مهنته، وما إن تعارفا حتى قررا الهجرة إلى الولايات المتحدة وترك بريطانيا بجمودها وعاداتها الصارمة خلفهما. وهناك يتزوجان وينجبان توأما، تتولى إيفي تربيتهما، بينما يؤسس ثيو لنفسه مسيرة مهنية كأحد أهم المعماريين الشباب.

إعلان

وبينما يعيشان حياة مستقرة تسودها المحبة الغامرة، تأخذ حياتهما انعطافتها الأولى بعد سنوات من الزواج، عندما يساعد ثيو زوجته على افتتاح مطعم للمأكولات البحرية، المشروع الذي لم يلق النجاح في البداية، غير أن ذلك لم يعكر صفو إيفي أو سعادة الزواج.

لكن تأتي الانعطافة التالية بشكل صاخب، حين تؤدي عاصفة بحرية إلى تدمير مبنى متحف وضع ثيو تصاميمه، ويتحول نجاحه إلى فضيحة، خصوصا بعدما جرى تصوير ثورته خلال سقوط المبنى وتداول الفيديو على نحو واسع مع الكثير من التعليقات المسيئة والساخرة. وفي الوقت ذاته تؤدي العاصفة إلى إعادة اكتشاف مطعم إيفي، فتتدمر مسيرة الزوج المهنية بينما تزدهر مسيرة زوجته في الوقت نفسه.

ونتيجة لذلك تنقلب في الفيلم الأدوار الجندرية المعتادة، فيتولى ثيو العناية بالابنة والابن، بينما تتحول إيفي إلى طاهية ذات شهرة عالمية وصاحبة سلسلة مطاعم واسعة النجاح، وتبدأ علاقة الزوجين في التفسخ.

والسؤال الرئيسي الذي يطرحه الفيلم على متفرجيه: هل تحولت علاقة الحب إلى كراهية نتيجة لقلب الأدوار الجندرية، أم للتغيرات في شخصية كل من الزوجين نتيجة لذلك الحدث؟

لا يركز الفيلم على قلب الأدوار الجندرية بشكل أساسي، بل على الكيفية التي تتفسخ فيها العلاقات بسهولة نتيجة لتغير موازين القوة أو طبائع الشخصية، مثل شعوري الشفقة على الذات والمرارة اللذين سيطرا على ثيو، أو معضلة إيفي كأم جائعة للنجاح، ومفتقدة وجودها مع طفليها في الوقت نفسه. والأهم عدم قدرة أي من الطرفين على التعبير عن مشاعره بشكل إيجابي أو البحث عن ملاذ في الآخر في ظل الاستياء والحقد المكتوم لدى كل منهما.

 

"ذا روزز" كوميديا بطابع مختلف

يعتمد "ذا روزز" بشكل أساسي على نصين سابقين، وهما الرواية والفيلم المقتبس عنها، غير أنه في نسخة 2025 لا يهدف إلى تقديم إعادة إنتاج أمينة لهذين النصين، بل قراءة فيهما مع إحداث الكثير من التغييرات لإضفاء طابع عصري على العمل.

يمكن تقسيم هذه التغييرات إلى نوعين أساسيين: تغييرات شكلية، وأخرى في المضمون أو روح العمل ذاتها. ومن التغييرات الشكلية على سبيل المثال أن بطلي الفيلم أصبحا إنجليزيين يعيشان في الولايات المتحدة، الأمر الذي فتح الباب لكوميديا مختلفة عن كوميديا الفيلم الأصل، بالإضافة إلى عدد من المشاهد الطريفة التي توضح الاختلاف بين أسلوبي الحياة الأميركية والبريطانية.

كذلك في العمل الأقدم كان البطل يعمل محاميا، بينما ثيو في النسخة الأحدث مهندس معماري. أيضا في النص القديم لم يتبادل الزوجان الأدوار الجندرية، بل استطاعت الزوجة العمل بشكل يسمح لها بالإنفاق على نفسها والطلاق بحرية من زوجها، كما أن المرحلة العمرية للبطلين مختلفة.

بيد أن هناك اختلافات أخرى جوهرية تُبعد الفيلم الحديث عن مضمون الرواية والفيلم الأقدم. أهمها على الإطلاق أنّ الحقد المكتوم بين الزوجين في فيلم "حرب الزهور" نما بشكل طبيعي على مدار الأعوام، نتيجة لأفعال مزعجة أو مسيئة صغيرة قام بها كلّ منهما تجاه الآخر ولم تُسو أو تُناقش بشكل صحي، فتحول هذا الاستياء إلى كراهية حقيقية دفعت الزوجة باربرا (كاثلين ترنر) إلى طلب الطلاق من زوجها أوليفر (مايكل دوغلاس)، الأمر الذي واجهه الأخير بعنف أشعل حربا حقيقية بينهما.

إعلان

هذا الحقد المتنامي بصمت أقرب إلى الواقعية من البحث عن أسباب كبيرة مثل فقدان الزوج لوظيفته، أو نجاح الزوجة المفاجئ. كذلك يصر فيلم "ذا روزز" بنسخته الحديثة، حتى في أكثر لحظات الصراع عنفا وكراهية بين إيفي وثيو، على إظهار قوة مشاعرهما تجاه بعضهما البعض، لتختلط البغضاء بالمحبة في مزيج لا يخدم روح الرواية الأصلية، التي تتمثل في أن "بقدر المحبة يأتي الغضب والكراهية حين تنفد تلك المحبة في يوم من الأيام". فيبدو الأمر كما لو أن مخرج الفيلم ومؤلفه لم يستطيعا الالتزام بتقديم الكوميديا السوداء بشكلها الفج، بل آمنا بالرومانسية حتى النهاية.

بيد أن هذه التغييرات أتت في إطار سيناريو يعتمد على الحوار الذكي واللاذع بين ثيو وإيفي، بالإضافة إلى أداء ممتاز من الحائزة سابقا على الأوسكار (أوليفيا كولمان) والمرشح مرتين للأوسكار (بينديكت كمبرباتش)، في دورين يمثلان عودة إلى أصولهما البريطانية والكوميديا الإنجليزية المختلفة في أسلوبها عن تلك الأميركية، مما أعطى الفيلم مذاقا لاذعا وطازجا مقارنة بالأفلام الكوميدية الرومانسية السائدة.

في النهاية، يقدم فيلم "ذا روزز" قراءة معاصرة لرواية وفيلم كلاسيكيين، قراءة تُمزج فيها الرومانسية بالكوميديا السوداء، لكنها لا تلتزم بروحهما القاسية بقدر ما تفتح الباب لتأمل أوسع في هشاشة العلاقات الإنسانية وتقلباتها. وبينما قد يرى البعض أن هذه الرؤية الجديدة تضعف الحدة التي ميزت "حرب الزهور"، فإن آخرين قد يجدون فيها مقاربة أكثر إنسانية وصدقا مع العصر. وهكذا، يبقى "ذا روزز" شاهدا على أن الكوميديا الرومانسية لا تزال قادرة على التجدد، مهما تكررت حكايات الحب والكراهية على الشاشة.

0 تعليق