عاجل

إخفاقات مودي الخارجية - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ وصوله إلى الحكم عام 2014، طرح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي رؤية تقوم على تعزيز مكانة بلاده إقليميا ودوليا كقوة صاعدة، رافعًا شعار "الهند القوية".

وقد اعتمد في ذلك على خطاب قومي ديني نشط، وحراك دبلوماسي واسع، إلى جانب إبراز القدرات الاقتصادية والعسكرية، مما ساعد على ترسيخ صورة الهند كلاعب أساسي في جنوب آسيا.

غير أن التطورات المتلاحقة -في البيئة الإقليمية والدولية- أظهرت أن تحقيق هذه الطموحات تواجه تحديات معقدة، تجعل مسار نيودلهي نحو لعب دور أكبر أكثر صعوبة مما كان متوقعا.

" frameborder="0">

انتكاسات متتالية

أفغانستان

في أغسطس/آب 2021، انهارت الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب، وفر الرئيس أشرف غني الذي كانت نيودلهي تراهن عليه لتعزيز نفوذها في قلب آسيا.

وكان أشرف غني محورا رئيسيا في الإستراتيجية الهندية، وذلك من خلال تعاون أمني ضد الجماعات المتطرفة، وبناء شراكات اقتصادية وبنى تحتية بمبالغ ضخمة، في محاولة لإقصاء النفوذ الباكستاني لدى كابل.

ولكن مع عودة طالبان إلى الحكم، وجدت الهند نفسها فجأة خارج المعادلة، فأغلقت سفارتها، وتوقفت مشاريعها، وتراجع نفوذها لصالح باكستان والصين.

سريلانكا

لم تكد نيودلهي تستوعب خسارتها في أفغانستان، حتى اهتزت سريلانكا بأزمة اقتصادية غير مسبوقة عام 2022، أدت إلى احتجاجات عارمة انتهت بفرار الرئيس غوتابايا راجاباكسا، أحد أقرب حلفاء نيودلهي.

وحاولت الهند إنقاذ كولومبو عبر مساعدات عاجلة بالوقود والمواد الغذائية، لكن الساحة كانت قد فُتحت أكثر للصين التي كانت منذ سنوات تغرق سريلانكا بمشاريع بنية تحتية ضخمة -أبرزها ميناء هامبانتوتا- لتفرض حضورا إستراتيجيا على بعد كيلومترات قليلة من السواحل الهندية.

ولم تكن خسارة راجاباكسا مجرد أزمة سياسية داخلية، بل ضربة مباشرة لنفوذ الهند التقليدي في هذه الجزيرة، ورسالة على حدود قدرتها على حماية حلفائها أوقات الشدة.

إعلان

" frameborder="0">

بنغلاديش.. سقوط حليف إستراتيجي

في 5 أغسطس/آب 2023، شهدت بنغلاديش تحولا مفاجئا في المشهد السياسي حين اضطرت رئيسة الوزراء الحليفة الأقوى لنيودلهي حسينة واجد إلى الاستقالة، والهروب إلى الهند تحت ضغط احتجاجات شعبية وسياسية واسعة.

ولطالما شكّلت حسينة أحد الأعمدة الرئيسة في "السياسة الإقليمية للهند" إذ كانت ضامنة للتعاون الأمني عبر الحدود لمواجهة ما يسمى الإرهاب، ومسهّلة لمشاريع الطاقة والربط البري بين الهند وبنغلاديش، ومزودة نيودلهي بمنفذ إستراتيجي إلى شمال شرق الهند.

وقد ترك رحيلها المفاجئ فراغا سياسيا في داكا، وأثار مخاوف نيودلهي لأن حكومة حسينة وفرت، خلال سنوات حكمها الطويلة، ثباتا إستراتيجيا للهند شرقها، وأبقت داكا على مسافة من بكين وإسلام آباد.

ولكن سقوط حكومتها أعاد تشكيل خريطة النفوذ شرقا، ممهدا الطريق أمام قوى إقليمية أخرى، وعلى رأسها الصين، لتوسيع نفوذها في بنغلاديش مما يشكل اختبارا جديدا لقدرة نيودلهي على الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في منطقة جنوب آسيا.

India's Prime Minister Narendra Modi (R) and Bangladesh's Prime Minister Sheikh Hasina press a button to remotely unveil plaques for three bilateral projects after a meeting in New Delhi on October 5, 2019. (Photo by PRAKASH SINGH / AFP)
حسينة واجد كانت أحد الأعمدة الرئيسة بالسياسة الإقليمية للهند (الفرنسية)
المالديف.. تراجع في المحيط الهندي

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خسر الرئيس إبراهيم محمد صليح -المعروف بولائه للهند- الانتخابات أمام محمد معز الذي أعلن منذ البداية سياسة "المالديف أولا" ورفض الوجود العسكري الهندي في بلاده.

وسرعان ما قرب معز الجزر الصغيرة من الصين، مما جعل النفوذ الهندي هناك موضع تهديد مباشر.

وبما أن المالديف تقع على ممرات بحرية حيوية في المحيط الهندي، فإن تحولها نحو بكين مثّل خسارة إستراتيجية لنيودلهي في معركة النفوذ البحري.

ولم يكن قرار حكومة المالديف الجديدة -بإنهاء القواعد العسكرية الهندية- مجرد خطوة إجرائية، بل رسالة جيوسياسية واضحة. فالمحيط الهندي، الذي كانت نيودلهي ترى نفسها حارسا طبيعيًا له، بدأ يشهد حضورا صينيا متصاعدا، خاصة عبر مبادرة "الحزام والطريق" وخسارة القواعد هناك مما أضعف قدرة الهند على مراقبة طرق التجارة الإستراتيجية.

اجتماع ثنائي بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس المالديف محمد معز (غيتي)
باكستان.. فشل الهجوم العسكري

رغم التصعيدات المتكررة على الحدود في كشمير، وفشل الهجوم العسكري الهندي قبل أشهر في تحقيق أهدافه ضد باكستان، برزت حقيقة مرة وهي أن الهند -رغم قوتها التقليدية- عاجزة عن تغيير موازين القوى في مواجهة خصم نووي مستعد للردع.

وقد قلل هذا الفشل من هيبة مودي داخليًا، بعدما وعد بحسم "الملف الباكستاني" ليتحوّل إخفاقه العسكري إلى ورقة ضغط بيد المعارضة التي تتهمه بتوريط البلاد في مغامرات غير محسوبة النتائج.

أميركا.. شرخ في الشراكة الإستراتيجية

توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، على خلفية رفع واشنطن للتعرفة الجمركية على الصادرات الهندية، شكّل ضربة اقتصادية وسياسية معًا. فالولايات المتحدة تُعد الشريك التجاري الأكبر لنيودلهي، وأي تدهور في العلاقة يضرّ بمشروع مودي لتقديم الهند كـ"مصنع بديل للصين".

ورغم الشراكة الأمنية في إطار "كواد" فإن الخلاف التجاري كشف هشاشة المصالح المشتركة، ليضاف إلى سجل إخفاقات مودي الخارجية ويضع علامات استفهام حول قدرة حكومته على الحفاظ على حلفاء إستراتيجيين في وقت تتصاعد فيه المنافسة مع بكين.

إعلان

" frameborder="0">

نيبال.. سقوط الحكومة

شهدت نيبال الأيام الأخيرة انتفاضة شبابية واسعة ضد حظر منصات التواصل الاجتماعي انتهت باستقالة رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي، في 9 سبتمبر/أيلول الجاري وتدخل الجيش لفرض النظام وتشكيل حكومة موقتة.

وقد حملت التطورات المفاجئة تداعيات مباشرة على الهند، من تهديد للتجارة والمشاريع المشتركة إلى مخاوف أمنية مرتبطة بالحدود المفتوحة واحتمال اتساع النفوذ الصيني.

ويرى محللون أن الصدمة للهند تعمقت مع توقيت استقالة أولي قبل أيام فقط من زيارة رسمية كانت مقررة إلى نيودلهي، في وقت يكتسب فيه الاستقرار في نيبال أهمية إستراتيجية قصوى باعتبارها بوابة طبيعية نحو سهول السند غانغا ومقابلة لمواقع عسكرية صينية حساسة.

ويرجح خبراء أن نيودلهي ستتعامل بحذر مع الحكومة الانتقالية الجديدة، لتجنب تكرار سيناريو بنغلاديش في كاتماندو.

وتقول البروفيسورة سانجيتا ثابليال من جامعة جواهر لال نهرو في دلهي إن "الهند ستكون حذرة، فهم لا يريدون وضعا مشابها لبنغلاديش في نيبال".

ولا شك أن هذه الإخفاقات المتتابعة أضعفت من موقع نيودلهي الإقليمي، وفتحت الباب أمام الصين لتعزيز حضورها في كل من المحيط الهندي وجنوب آسيا.

كيه بي شارما أولي (يمين) ومودي (الفرنسية)

الأسباب العميقة

واجهت السياسة الخارجية لحكومة مودي تحديات متزايدة خلال السنوات الأخيرة، يعزوها محللون إلى جملة من العوامل المتداخلة والعميقة.

ففي مقال له بصحيفة "إنديان إكسبريس" يرى الكاتب والمحلل السياسي الهندي فيفك كاتجو أن المصالح الخارجية والأمنية للهند تعرضت لـ"انتكاسات خطيرة خلال أقل من 3 سنوات" ويتساءل عما إذا كانت نتاج سوء تقدير من صانعي القرار بالسياسة الخارجية والأمنية، أم أن الخلل أعمق ويتعلق بهياكل صنع القرار نفسها في هذه المجالات الحيوية.

ومن جانبه، يوضح الصحفي الهندي افتخار كيلاني -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن سياسة مودي الخارجية تعثرت إقليمياً رغم الشعارات الطموحة التي رُفعت.

فقد تدهورت العلاقات مع الجيران الأقربين: الحوار مع باكستان مجمّد منذ عام 2016 وتفاقم مع تصاعد أزمة كشمير، في حين أدت الاشتباكات الحدودية مع الصين إلى انهيار الثقة المتبادلة، مما دفع بكين إلى تعزيز تحالفها مع كاتماندو وإسلام آباد.

ويشير كيلاني إلى أن العلاقات مع نيبال توترت بشكل أكبر منذ أزمة الحصار عام 2015، في حين دفعت الضغوط الاقتصادية سريلانكا إلى الارتماء في أحضان الصين.

ويضيف أن شعور الجيران بأن الهند تتعامل من موقع الهيمنة لا الشراكة زاد الهوة اتساعا، بينما ملأت بكين الفراغ عبر "الحزام والطريق" مقدمة استثمارات لا تستطيع نيودلهي مجاراتها.

وعلى الجانب الآخر، طغت الحسابات الداخلية على خيارات مودي الخارجية؛ إذ أدت الخطابات المتشددة تجاه باكستان، وسَنّ قوانين مثيرة للجدل بشأن الجنسية والهجرة، إلى إثارة قلق حتى أقرب شركاء الهند مثل بنغلاديش والمالديف.

ويختم كيلاني بأن بطء الهند في تنفيذ المشاريع والمساعدات -مقارنة بسرعة الصين- جعل وعودها أقل إقناعا.

وهكذا، بين تناقض الخطاب والواقع، وتنامي النفوذ الصيني، وضعف الثقة الإقليمية، وجدت سياسة مودي الخارجية نفسها متعثرة، بخلاف ما وُعِد به من "قيادة جريئة".

Member of Bajrang Dal, which is a Hindutva militant organisation, are burning effigy of Sankar Prasad Dutta, member of the Communist Party of India, yesterday who made made a comment while addressing a gathering, made a controversial remark referring to Lord Hanuman as
صعود النزعة القومية الهندوسية (الهندوتفا) أثار قلقا بدول الجوار ذات الأغلبية المسلمة (الفرنسية)

وفيما يتعلق ببنغلاديش، يقول الأستاذ بالأكاديمية الوطنية اليابانية للدفاع تورو إيتو "اعتمدت الهند لفترة طويلة على علاقتها برابطة عوامي حسينة فقط، وكانت معادية لجميع القوى الأخرى، بما في ذلك الحزب الوطني البنغلاديشي، بسبب إسلاميتها. ولهذا السبب، تسبب السقوط غير المتوقع لحسينة في حالة من الذعر في دلهي وأدى إلى نظريات مؤامرة لا أساس لها".

إعلان

كما أن صعود النزعة القومية الهندوسية (الهندوتفا) أثار قلقا في دول الجوار ذات الأغلبية المسلمة، على غرار بنغلاديش والمالديف، الأمر الذي دفع هذه الدول إلى تنويع تحالفاتها والبحث عن توازن مع قوى إقليمية أخرى، على حد قوله.

واقتصاديا، عانت نيودلهي من غياب أدوات فاعلة لمنافسة النفوذ الصيني، حيث أغرت بكين دول المنطقة بمشاريع كبرى في مجالات البنية التحتية والاستثمار، بينما اكتفت الهند بخطاب تحذيري من "الخطر الصيني" لم يكن كافياً لإقناع الشركاء.

أما عن علاقة الهند مع واشنطن، فقد تميزت بالازدواجية إذ جمعت بين تعاون عسكري متنام وخلافات تجارية حادة، مما انعكس على صورة السياسة الهندية وأفقدها القدرة على صياغة رؤية واضحة ومتوازنة.

ويشير المحلل السياسي الهندي بي جي بركاش إلى أن جذور هذه الإخفاقات تكمن في "قصر النظر الإستراتيجي" مضيفا "المشكلة الأساسية هي غياب رؤية بعيدة المدى في السياسات الهندية، وقد أدى هذا القصور لانتكاسات متعددة بالإقليم، تجلت في تطورات غير متوقعة في بنغلاديش وجزر المالديف وأفغانستان".

رئيس الوزراء الهندي مودي (يسارا) ورئيس سريلانكا أنورا كومارا ديساناياكي (الفرنسية)

تعاطي نيودلهي مع التحولات

يرى الأستاذ بالأكاديمية الوطنية اليابانية للدفاع أن حكومة مودي تعاطت مع التحولات السياسية في دول الجوار بشكل مختلف. ففي بنغلاديش، ظلّت نيودلهي تراهن طويلا على تحالفها مع حسينة واجد، وشكل سقوطها صدمة سياسية لنيودلهي.

ورغم محاولات وزير الخارجية سوبرامانيام جايشانكار الانفتاح على الحكومة المؤقتة والمعارضة، فإن صعود النزعة القومية الهندوسية في الداخل يقيّد أي براغماتية دبلوماسية حقيقية.

ويشير تورو إيتو إلى أن الموقف في سريلانكا بدا مختلفا، إذ أبدت نيودلهي قدرا أكبر من الواقعية مع انتقال السلطة من رانيل ويكريمسينغه إلى أنورا كومارا ديساناياكي، حيث سبقت التطورات بتواصل مبكر مع الأخير، وأكد وزير الخارجية جايشانكار دعمه للاقتصاد السريلانكي، وقد ساعد هذا التحرك السلس على احتواء المخاوف، ورسّخ صورة أكثر براغماتية للهند في كولومبو.

وفي جزر المالديف، ورغم الحملة الانتخابية للرئيس معز التي رفعت شعار "معاداة الهند" فضّلت نيودلهي التعامل بهدوء فاستجابت لمطالبه بسحب القوات، وواصلت تصدير المواد الغذائية الأساسية، بل دعته إلى حفل تنصيب مودي. ولاحقا، تطور الموقف نحو حوار أكثر توازنا، تُوج بزيارة معز إلى الهند.

وهكذا تكشف التجارب الثلاث -كما يقول تورو إيتو- عن مفارقة واضحة، ففي حين أظهرت الهند مرونة ملحوظة مع سريلانكا والمالديف، بقيت سياستها تجاه بنغلاديش أسيرة الحسابات القومية الضيقة، الأمر الذي يهدد بخسارة موقع إستراتيجي في قلب جنوب آسيا.

تصميم خاص خريطة الهند
(الجزيرة)

التداعيات الإقليمية والدولية

تشهد صورة الهند كقوة مهيمنة في جنوب آسيا تراجعاً ملحوظا، بعدما فقدت تدريجيا القدرة على رسم سياسات محيطها الإقليمي كما اعتادت في العقود الماضية، مما فتح الباب أمام قوى أخرى، مثل الصين، لتقديم نفسها كشريك بديل وأكثر موثوقية في مجالي الاقتصاد والأمن.

وبعد أن رفعت إدارة ترامب الرسوم الجمركية على الصادرات الهندية بنسبة 50%، وجدت نيودلهي نفسها أمام تحدٍ اقتصادي غير مسبوق دفعها لتعزيز شراكاتها مع موسكو وبكين، حيث بات النفط الروسي الرخيص منفذا حيويا للاقتصاد الهندي.

ويقول البروفيسور ماندار أوك من جامعة أديلايد إنه "من الناحية السياسية، من المفيد تقريبا لمودي تجاهل الولايات المتحدة" مشيرًا إلى أن هذه السياسة تمنح الهند مساحة أكبر للتحرك أمام الضغوط الأميركية.

وعلى الصعيد الداخلي، انعكست هذه الإخفاقات الخارجية على المشهد السياسي المحلي، حيث بدأت المعارضة تستثمرها للتشكيك في مشروع مودي حول "الهند العظمى" معتبرة أن الخطاب الطموح لم يواكبه نجاح عملي على مستوى السياسة الخارجية.

وعلى المستوى العالمي، فقد تلقت طموحات الهند ضربة واضحة، فبينما كانت تسعى لترسيخ موقعها كقوة صاعدة عبر التطلع لعضوية دائمة بمجلس الأمن، ولعب دور قيادي داخل مجموعة العشرين، جاءت المتغيرات الأخيرة لتقيد قدرتها على تسويق نفسها كفاعل دولي وازن، ولتعكس صورة أقل اتساقا مع طموحاتها الكبرى.

epa12341896 Chinese President Xi Jinping (R), Indian Prime Minister Narendra Modi (C) and Russian President Vladimir Putin (2-L) attend an official welcoming ceremony at the Shanghai Cooperation Organization (SCO) summit in Tianjin, China, 01 September 2025. EPA/ALEXANDER KAZAKOV/SPUTNIK/KREMLIN / POOL MANDATORY CREDIT
من اليمين: الرئيس الصيني شي ورئيس الوزراء الهندي مودي والرئيس الروسي بوتين (أسوشيتد برس)

رسالة سياسية تتجاوز الطاقة

لا يقتصر التقارب الثلاثي على حسابات النفط فحسب، بل يحمل أيضا بعدا سياسيا واضحا، ففي الأول من سبتمبر/أيلول 2025، ظهر مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ يتحدثون خلال اجتماع في قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمدينة تيانجين الصينية، في مشهد وصفه المراقبون بأنه "عرض نادر للتضامن".

إعلان

ويرى خبير السياسة التجارية بيتر درابر في تصريح لموقع "بي بي سي" أن الصين التي زادت أيضًا من مشترياتها من النفط الروسي "حريصة على حماية مصالحها في مجال الطاقة" مضيفا أن روسيا قد تمنح الهند خصومات أوسع لتعزيز المبيعات.

ويؤكد مراقبون أن مودي يستثمر هذه اللحظة لتعزيز صورته كزعيم مستقل، مستفيدًا من منصة إقليمية تسعى إلى تقديم بديل للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وتبدو السياسة الخارجية لمودي وكأنها تقف اليوم عند مفترق طرق، حيث تتزاحم أمامه خيارات متناقضة، تجعله بحاجة إلى إعادة ضبط بوصلة الهند الخارجية، عبر الانتقال من الاكتفاء بالشعارات القومية الدينية إلى خطاب أكثر براغماتية يقوم على الدبلوماسية الاقتصادية، وتوسيع مشاريع التنمية المشتركة مع دول الجوار، بما يعيد ترميم الثقة التي تآكلت السنوات الأخيرة.

وفي المقابل، ثمة احتمال أن يواصل مودي النهج التصادمي ذاته الذي منحه زخما سياسيا داخليا، إذ يخاطب الحس القومي الديني للجمهور ويعزز شعبيته، ولو كان الثمن مزيدا من العزلة الإقليمية وتراجع المكانة الإستراتيجية للهند في محيطها الحيوي.

0 تعليق