من الرقمنة إلى الورق.. مطارات أوروبية تعود للإجراءات اليدوية - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بروكسل- منذ مساء الجمعة 19 سبتمبر/أيلول الجاري، وجد آلاف المسافرين في أوروبا أنفسهم أمام مشهد غير مألوف بعد أن أدى هجوم سيبراني واسع استهدف شركة خارجية مزودة لأنظمة تسجيل الوصول وبوابات الصعود، إلى شل الحركة في عدد من المطارات.

ومع توقف الأنظمة الرقمية بشكل مفاجئ، اضطرت إدارات المطارات، وفي مقدمتها مطار بروكسل الدولي، إلى العودة للإجراءات اليدوية، في مشهد أعاد أجواء السفر الجوي عقودا إلى الوراء.

ففي صالات المغادرين ببروكسل، بدت الشاشات فارغة أو تغيرت فيها مواعيد الرحلات خلال دقائق، فيما اصطفت طوابير طويلة من المسافرين، بينما كان الموظفون يدونون بيانات الركاب على أوراق مطبوعة لملء بطاقات الصعود يدويا.

ومع تصاعد الفوضى، لجأت شركات الطيران إلى خطوات عاجلة شملت تقليص عدد الرحلات وإعادة جدولة بعضها للحد من الاضطراب.

وفي تصريح خاص "للجزيرة نت"، قالت المتحدثة باسم مطار بروكسل -إيهسان شوأ- إن "المطار ألغى 45 رحلة مغادرة، وحول 6 رحلات أخرى، فيما تراوحت التأخيرات بين 30 و90 دقيقة".

وأضافت أن "الطوابير بقيت تحت السيطرة بفضل هذه الإجراءات واستعدادات الشركاء، لكن لا يوجد حتى الآن تقدير زمني لعودة العمليات إلى طبيعتها"، مؤكدة أن الهجوم استهدف مزودا خارجيا وليس أنظمة المطار الداخلية.

بروكسل.. هجوم سيبراني يربك المطارات الأوروبية ويعطل حركة آلاف المسافرين
مطار بروكسل الأكثر تضررا أوروبيا وفق وكالة رويترز (الجزيرة)

حجم الإلغاءات

لكن تقارير إعلامية بلجيكية وبريطانية أشارت إلى أن حجم الإلغاءات فاق ما أعلن رسميا، إذ ألغيت أول أمس السبت 25 رحلة، ويوم أمس الأحد 50 رحلة من أصل 257 مقررة، بينما طلب من شركات الطيران إلغاء نحو نصف الرحلات المغادرة اليوم الاثنين، أي ما يقارب 140 رحلة.

ووفق وكالة رويترز، كان مطار بروكسل الأكثر تضررا أوروبيا، مقارنة بمطارات أخرى مثل برلين وهيثرو في لندن التي بدأت تسجل تحسنا تدريجيا مع حلول أمس الأحد.

بروكسل.. هجوم سيبراني يربك المطارات الأوروبية ويعطل حركة آلاف المسافرين
طوابير طويلة من المسافرين تصطف لحين إنهاء الإجراءات اليدوية (الجزيرة)

يومان صعبان

وأثناء تجولي في قاعات المغادرين بمطار بروكسل، شاهدت متطوعين يرتدون سترات بيضاء كتب عليها بالإنجليزية (Volunteer) "متطوع"، يوجهون الركاب نحو مسارات الخدمة العاملة وكونترات التسجيل اليدوي، ويساعدون خصوصا كبار السن والعائلات، وقد بدا وجودهم عنصرا مساعدا في تنظيم الطوابير وتوزيع حركة المسافرين.

إعلان

ويصف متطوع -لم يرغب بذكر اسمه- في مطار بروكسل ليلتي السبت والأحد بأنهما كانتا الأصعب، حيث تجاوزت نسبة التأخيرات 85%، وامتد انتظار بعض الركاب إلى 4 ساعات، ثم بدأ يوم الأحد يشهد تحسنا محدودا بفضل تقليص شركات الطيران عدد الرحلات وتوزيع الجداول الزمنية لتخفيف الذروة، إضافة إلى تجنيد متطوعين في الصالات لمساعدة الركاب.

ومع ذلك، ظلت الطوابير حاضرة، لكن بشكل أقصر وأكثر قابلية للإدارة، مع بقاء الغموض حول موعد استعادة النظام الإلكتروني عمله بالكامل.

وعند مدخل صالة المغادرين في بروكسل، بدا المشهد مختلفا عن الأيام العادية، طوابير مكتظة وشاشات إلكترونية معطلة وموظفون يوزعون بطاقات صعود مكتوبة باليد.

بروكسل.. هجوم سيبراني يربك المطارات الأوروبية ويعطل حركة آلاف المسافرين
المسافرون عبروا عن امتعاضهم من تأخر إجراءات السفر (الجزيرة)

تحدثوا للجزيرة نت

تقول ماريان دوبوا، مسافرة بلجيكية في الأربعينيات "أنجزت تسجيل سفري إلكترونيا مسبقا، لكن من لديهم حقائب شحن ينتظرون طويلا. الموظفون يحاولون المساعدة، ولكن كل شيء أبطأ اليوم".

ويضيف لوكاس فيرمولين، طالب جامعي في العشرينات كان متجها إلى إسبانيا "قيل لنا إن هناك خللا تقنيا، وعلى الإنترنت قرأنا أنه هجوم سيبراني، نحن فقط ننتظر معرفة مصير الرحلة".

أما إلس فان دين بروك، موظفة في طاقم تسجيل السفر، فتؤكد أن الضغط غير مسبوق، قائلة "تدربنا على العمل اليدوي، لكن تطبيقه بهذا الحجم مرهق، أكبر تحد هو شرح الوضع لمئات الركاب القلقين بالتوازي مع إنجاز الإجراءات".

في حين يقول سيغفريد، مسافر بلجيكي في الخمسينيات، بغضب ممزوج بالتفهم "يصعب تقبل أن خللا رقميا يشل السفر في قارة كاملة، لكنك ترى أيضا أن الموظفين يبذلون ما بوسعهم".

إلى جانب ذلك، عبرت الراكبة بريانكا عن تفاؤلها "تأخرنا ساعة واحدة فقط، وهذا ليس كثيرا، بالنسبة لي لا أعتبر أن الأمر أثر كثيرا على خططي للسفر، ما زلت متفائلة".

بروكسل.. هجوم سيبراني يربك المطارات الأوروبية ويعطل حركة آلاف المسافرين
المفوضية الأوروبية أعلنت إجراء تحقيق بالتعاون مع السلطات الوطنية (الجزيرة)

تحقيقات جارية

المفوضية الأوروبية أكدت أن سلامة الطيران لم تتأثر بالهجوم، مشيرة إلى أن أنظمة الملاحة والمراقبة الجوية ظلت تعمل بشكل طبيعي، كما أعلنت أن التحقيق جار بالتعاون مع السلطات الوطنية لتحديد مصدر الهجوم.

وفي رد مكتوب تلقته "الجزيرة نت" من مركز الأمن السيبراني البلجيكي (CCB)، أكدت المتحدثة باسم المركز كاترين إيغيرز أن الهيئة "على تواصل مع مطار بروكسل بشأن الحادث، وتأخذ مثل هذا النوع من الهجمات على محمل الجد وتقدم دعمها بقدر الإمكان". لكنها أوضحت أن "مسؤولية الرد على الأسئلة المتعلقة بهذه الهجمة تحديدا تقع على عاتق مطار بروكسل نفسه".

وفي المقابل، قالت الشركة المزودة للأنظمة، كولينز أيروسبيس الأميركية، والتابعة لمجموعة RTX العملاقة في مجال الصناعات الدفاعية والطيران، في تصريح نقلته وكالة رويترز، إن الهجوم السيبراني أثر على أنظمة تسجيل الركاب وتسليم الأمتعة في بعض المطارات الأوروبية.

وأكدت أنها تعمل على إصلاح الخلل بسرعة، موضحة أن البرنامج المتضرر هو "MUSE" التابع لـ Collins Aerospace، وأن مطار بروكسل لم يتسلم بعد نسخة آمنة محدثة من النظام.

بروكسل.. هجوم سيبراني يربك المطارات الأوروبية ويعطل حركة آلاف المسافرين
مسافرون يحاولون التسجيل عبر البوابات الرقمية دون جدوى (الجزيرة)

حقوق المسافرين

الراكبة أومو تقول للجزيرة نت "كنت أقرأ قبل قليل على الإنترنت أن قوانين الاتحاد الأوروبي (EC261) تتيح للمسافرين في حال تأخر الرحلات أو إلغائها الحق في إعادة الحجز أو استرداد قيمة التذكرة، وكذلك الحصول على وجبات ومشروبات عند بلوغ التأخير حدا معينا وربما توفير فنادق إذا امتد الأمر"، وأضافت "سأرى ماذا سيحدث".

إعلان

ويرى محللون أن ما جرى يمثل جرس إنذار لصناعة الطيران الأوروبية، فالاعتماد الكبير على مزود واحد للأنظمة الرقمية يجعل من أي خلل في سلسلة التوريد خطرا على حركة الملاحة بأكملها، ويوصي خبراء الأمن السيبراني بضرورة تنويع الأنظمة، وإجراء اختبارات ضغط دورية، وتطوير خطط استمرارية أعمال أكثر مرونة.

على مدار يومين، أعاد الهجوم السيبراني مطار بروكسل ومطارات أوروبية أخرى إلى النظام اليدوي، حيث توقفت الأنظمة الرقمية التي يعتمد عليها السفر الحديث بشكل شبه كامل، وبينما تؤكد إدارة مطار بروكسل أن أنظمتها لم تتأثر مباشرة، فإن مشاهد الركاب العالقين والطوابير الطويلة جسدت هشاشة البنية الرقمية في واحدة من أكثر الصناعات حساسية في العالم.

وحتى استعادة الأنظمة بشكل كامل، سيبقى آلاف المسافرين يتنقلون بين التأخير والتأجيل والإلغاء، بانتظار أن يستعيد السفر الجوي في القارة الأوروبية إيقاعه الطبيعي.

0 تعليق