لماذا غاب رؤساء سوريا عن الجمعية العامة طيلة 6 عقود؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد الساحة الدبلوماسية السورية تحولا لافتا مع مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماعات الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ويعد هذا الحدث سابقة تاريخية، إذ سيكون أول خطاب لرئيس سوري من على المنبر الأممي منذ 58 عامًا، عندما ألقى الرئيس نور الدين الأتاسي كلمته عام 1967 عقب نكسة يونيو/حزيران.

يثير هذا الحضور الرئاسي تساؤلات حول أسباب غياب رؤساء سوريا عن الجمعية العامة طوال العقود الـ6 الماضية، وكيف ارتبط هذا الغياب بظروف الحكم في سوريا وتوجهات النظام السياسي إقليميًا ودوليًا.

نستعرض أبرز المحاور التاريخية والسياسية التي تفسر هذا الغياب الطويل، وصولا إلى اللحظة الراهنة التي تعكس مسعى جديدًا من الدبلوماسية السورية لإعادة تموضع سوريا في الساحة الدولية.

حسني الزعيم قاد أول انقلاب عسكري في تاريخ سوريا جر خلفه العديد من الانقلابات (مواقع التواصل)

الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار

بعد استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي عام 1946، دخلت البلاد حقبة من الاضطرابات السياسية توالت خلالها الانقلابات العسكرية بوتيرة جعلت سوريا من أكثر الدول العربية تعرضًا للانقلابات.

فبين عامي 1949 و1970 شهدت سوريا 8 انقلابات ناجحة وشبه متتالية، بدأت بانقلاب حسني الزعيم في مارس/آذار 1949 على الرئيس شكري القوتلي، وانتهت بانقلاب حافظ الأسد في نوفمبر/تشرين الثاني 1970.

خلال هذه الفترة القصيرة نسبيًا تعاقب على سدة الحكم عدد كبير من الرؤساء والقيادات، بعضهم لم يبق في المنصب إلا أيامًا أو أسابيع معدودة قبل أن يُطاح، كما تأثرت البلاد بصراعات بين النخب العسكرية والمدنية على السلطة، ويضاف إليها فترة الوحدة مع مصر (1958ـ 1961) بحيث لم يكن لسوريا رئيسها الخاص الذي يمثلها في المنابر الأممية.

ويصف الباحث السياسي سلام الكواكبي تلك الحقبة من تاريخ سوريا بغياب الاستقرار السياسي تمامًا، حيث يقول للجزيرة نت إن "تكرار الانقلابات جعل أي رئيس في الخمسينيات والستينيات مشغولًا بمعاركه الداخلية وصراعاته على السلطة، ولم يكن بوسعه حتى مجرد التفكير في السفر لحضور محفل دولي كالأمم المتحدة بينما كرسيه مهدد في كل لحظة".

إعلان

ويتابع الكواكبي "لقد أفرز عهد الانقلابات رؤساءً مؤقتين بلا رؤية خارجية، بعضهم لم يمكث في منصبه إلا أيامًا أو أسابيع معدودة، مما جعل حضورهم الدولي غائبًا تمامًا عن المشهد".

هاجس فقدان السلطة

نتيجةً لطبيعة وصولهم إلى الحكم عبر القوة، عانى معظم قادة سوريا قبل عام 1970 من ضعف الشرعية الدستورية وانعدام التفويض الشعبي، مما ولّد لديهم هاجسًا دائمًا من إمكانية الإطاحة بهم إذا ما غادروا البلاد.

وفي ظل الفراغ الدستوري المصاحب للانقلابات وافتقاد الشرعية، سادت مخاوف عميقة لدى أي رئيس سوري من مغبة مغادرة البلاد لفترة طويلة، وارتبط السفر للخارج باحتمال استغلال الخصوم غياب الرئيس لتنفيذ انقلاب ضده والاستيلاء على الحكم، وذلك بحسب دراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات.

وتوضح الدراسة أن عدم حضور رؤساء مثل شكري القوتلي وحسني الزعيم وأديب الشيشكلي وأمين حافظ وغيرهم للجمعية العامة يرجع إلى خشيتهم من وقوع انقلاب خلال أي سفر لهم خارج البلاد، يُضاف إلى ذلك قصر مدة حكم بعضهم، حيث تولى بعضهم الرئاسة لأيام معدودة، فيما جاء آخرون إلى المنصب بانقلابات ولم يمتلكوا صلاحيات أو شرعية حقيقية.

وفي هذا السياق، يوضح الباحث رياض الحسن أن ضعف الشرعية جعل الرؤساء آنذاك أسرى لمخاوف أمنية داخلية؛ إذ كانت سلطات الأمر الواقع في سوريا تدرك أن شرعيتها مهزوزة، لذا كان أي رئيس يخشى أن يعود من رحلة خارجية ليجد نفسه معزولًا أو منفيًا بانقلاب مفاجئ.

ويشير الحسن في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذا الخوف البنيوي قيّد حركة الرؤساء دوليًا وجعل تمثيل سوريا في المحافل الكبرى يتم عبر مبعوثين من الصف الثاني، وهذا ما يفسر ـ بحسب الحسن ـ لماذا لم يسجل التاريخ زيارات خارجية بارزة لرؤساء مثل هاشم الأتاسي أو ناظم القدسي أو أمين الحافظ.

مدونات - حافظ الأسد
حافظ الأسد (يسار) وابنه بشار لم يبديا اهتمامًا يُذكر بتحسين صورة سوريا دوليًا (رويترز)

ربط المشاركة بحل الصراع العربي الإسرائيلي

بعد وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة عام 1963 وتصاعد نفوذه أكثر إثر حرب 1967، تبنى النظام السوري البعثي خطابًا عقائديًا يبرر عدم انخراطه على أعلى مستوى في المحافل الدولية باستمرار الصراع مع إسرائيل.

ورغم إلقاء الرئيس نور الدين الأتاسي لخطاب سوريا في الأمم المتحدة بُعيد هزيمة يونيو/حزيران 1967 واحتلال إسرائيل للجولان السوري، تعمّد نظام حافظ الأسد لاحقا الغياب عن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت شعار بعثي مفاده "لا مشاركة قبل حل الصراع العربي-الإسرائيلي واستعادة الأراضي المحتلة"، بحسب دراسة مركز جسور.

هذا الموقف أتاح للنظام تبرير العزلة الرئاسية دوليًا على مدى عقود بأنه قرار مبدئي تضامنًا مع القضية العربية، رغم أن مراقبين رأوا فيه ذريعة لتجنب منصات دولية قد تتعرض لسجل النظام وانتقاده، خاصة بعد تصنيفه من قبل واشنطن عام 1979 ضمن قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

ورغم ما ترتب على ذلك من عقوبات وعزلة، لم يُبدِ حافظ الأسد، ولا ابنه بشار من بعده، اهتمامًا يُذكر برفع اسم سوريا عن تلك القائمة أو تحسين صورتها دوليًا، بحسب ما يذكر الباحث السياسي رضوان زيادة في حديثه للجزيرة نت.

إعلان

ويضيف زيادة أن حافظ الأسد أورث ابنه العزلة ذاتها، فالأب لم يزر الولايات المتحدة قط ولم يشارك في محافلها "لأسباب أيديولوجية بعثية"، وبعد إدراج سوريا على قوائم الإرهاب لم يكترث الأسد الأب أو الابن لمحاولة إزالة هذه الوصمة بقدر ما انصبّ تركيزهما على البقاء في الحكم بأي ثمن.

وفي السياق ذاته، يشير الباحث الكواكبي إلى أن نظام الأسدين لم يكن معنيا بالحصول على شرعية دولية، إذ كانوا محميين من قِبل قوى عظمى قررت بقاءهم في السلطة إلى أن ينتهي دورهم.

هذه الحماية الدولية الضمنية -وتحديدا الأميركية والإسرائيلية وفق الكواكبي- جعلت الأسد الأب ثم الابن في غنى عن تلميع صورتهم أمام المجتمع الدولي عبر المنابر الأممية، فاستمر الغياب الرئاسي السوري عن الجمعية العامة لما يزيد عن 5 عقود.

 

زيارة الشرع لنيويورك والكلمة المرتقبة

مع التغيرات الجذرية التي شهدتها الساحة السورية مؤخرا وسقوط حكم عائلة الأسد بعد أكثر من نصف قرن، طويت إحدى أطول صفحات العزلة الدبلوماسية في تاريخ سوريا الحديث، وفق مراقبين.

وتحمل هذه الخطوة الدبلوماسية التاريخية دلالات سياسية عميقة ورسائل متعددة الاتجاهات. فعلى المستوى الرمزي، هي إعلان لعودة سوريا إلى الأسرة الدولية كدولة فاعلة تسعى لإسماع صوتها والتفاعل مع المجتمع الدولي بعد سنوات طويلة من العزلة، بحسب الباحث رياض الحسن.

أما على مستوى المضمون، يضيف الحسن، فمن المرتقب أن تتضمن كلمة الشرع في نيويورك جملة من الالتزامات، كالتعهد بمحاربة الإرهاب، والتخلص من السلاح الكيميائي، ومحاربة تجارة الكبتاغون، وهي تعهدات تهدف إلى طمأنة العالم بأن سوريا الجديدة ماضية في تغيير سلوكها وسياساتها القديمة، والتحول إلى دولة تحترم ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

الرئيس أحمد الشرع يلتقي وفدًا من الجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية،المصدر: سانا
ممثلون عن الجالية السورية في الولايات المتحدة خلال لقاء بالرئيس الشرع (سانا)

تطور نوعي

ولم تقتصر دلالات حضور الشرع أمميًا على مضمون كلمته فحسب، إذ يعتبر الباحث رضوان زيادة أن مجرد وجوده شخصيًا على منبر الأمم المتحدة اعتُبر تطورا نوعيًا في مكانة الدبلوماسية السورية، فهذه هي المرة الأولى منذ 58 عاما التي يُمثل فيها سوريا رئيسها نفسه في الاجتماع السنوي رفيع المستوى، بدلا من الاكتفاء بوزير الخارجية أو مندوبها الدائم كما كان الحال سابقا.

وكان الرئيس أحمد الشرع وصل الأحد 21 سبتمبر/أيلول الجاري إلى نيويورك، حيث بدأ جدول أعماله بلقاء مع وفد من الجالية السورية في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تشمل زيارته لقاء بنظيره الأميركي دونالد ترامب، بالإضافة إلى لقاءات ثنائية مع زعماء عدة دول.

وكان وزير الخارجية أسعد الشيباني، قد وصل إلى واشنطن -الخميس الماضي- في أول زيارة لوزير خارجية سوري منذ 25 عاما، بدأها بلقاءات مع مشرعين أميركيين بارزين بحضور المبعوث الأميركي لسوريا توم براك، حيث جرت مناقشة موضوع استكمال رفع العقوبات.

والملف الآخر الذي من المتوقع أن يكون في صلب زيارة الشرع، هو الاتفاق الأمني مع إسرائيل الذي يُعمل عليه منذ أشهر بين دمشق وتل أبيب لترتيب أوضاع الجنوب السوري في إطار اتفاق على أنقاض اتفاقية "فكّ الاشتباك" (1974) بين سوريا ودولة الاحتلال، إذ أكد الشرع في تصريحات للصحفيين الأربعاء أن المفاوضات قد تسفر عن نتائج في الأيام المقبلة.

من ناحيته، أكد المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، أن الخطاب المرتقب للرئيس الشرع، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سيركز على وضع سوريا سابقا ووضعها حاليا، ورؤية الرئيس للمستقبل.

0 تعليق