"الأيام" ترصد مشاهد من رحلة النزوح المريرة من غزة باتجاه جنوب القطاع - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب محمد الجمل:

 

يتواصل تدفق النازحين من مدينة غزة باتجاه مناطق جنوب ووسط القطاع، مع استمرار القصف والغارات، وتصاعد العدوان، لكن مدة المغادرة باتجاه الجنوب، التي كانت لا تتجاوز 40 دقيقة في السابق، قد تستغرق يوماً أو أكثر في الوقت الحالي، يتخللها الكثير من المعاناة والمخاطر.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من معاناة النازحين الفارين من الموت خلال مغادرة مدينة غزة، منها مشهد بعنوان "رحلة العذاب"، ومشهد آخر يوثق تكرار استهداف النازحين، ومشهد ثالث يوثق حزن المواطنين على ترك المنزل والذكريات خلفهم.

 

رحلة العذاب

قد يبدو الانتقال من مدينة غزة باتجاه جنوب ووسط القطاع أمراً اعتيادياً سهلاً، لكن في ظل اشتداد العدوان، ورغبة عشرات الآلاف بمغادرة المدينة التي تتعرض لقصف جوي ومدفعي وتفجير عربات مفخّخة، يبدو الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً.
ووفق شهادات متوافقة لنازحين وصلوا إلى جنوب القطاع، فإن الانتقال من المدينة كان رحلة صعبة وقاسية استغرقت الكثير من الوقت والمال، وتخللتها مشقة وخطر كبيران.
المواطن أحمد سلامة أكد أنه حين قرر مغادرة المدينة، فإن أول ما فعله البحث عن شاحنة صغيرة تقل أغراض بيته، خاصة الملابس والفراش وبعض الأثاث، وبحث في كل مكان حتى وجد أخيراً شاحنة، وقد اتفق مع مالكها أن يأتيه بعد 4 أيام "وفق نظام الحجز"، وأن يدفع مبلغ 6500 شيكل، موضحاً أنه استغل الأيام الأربعة في تفكيك أبواب المنزل وصنابير المياه، ولم يترك شيئاً خلفه، لأنه يعتقد أن المنزل سيهدم ويخسر كل شيء، وقد عاشوا الأيام الأربعة في خوف ورعب، بسبب تصاعد القصف والغارات.
وأكد أن الصعوبة الحقيقية بدأت حين تحركت الشاحنة من المدينة، فالرحلة كانت أصعب بكثير مما توقع، حيث استغرقت الشاحنة أكثر من 17 ساعة حتى وصلت إلى جنوب القطاع؛ نظراً لازدحام الطريق.
وأكد أنه سافر إلى مصر مرات عدة، ورحلة الوصول للقاهرة لم تزد على 7 ساعات، بينما الوصول إلى مدينة خان يونس التي لا تبعد أكثر من 28 كيلومتراً استغرقت كل هذا الوقت والتعب والمعاناة.
بينما قالت المواطنة منى صالح، وهي زوجة شهيد: إنها قررت وعائلتها الانتقال لجنوب القطاع مشياً على الأقدام، بعد تعذر إيجاد شاحنة، وارتفاع أسعار النقل، بعد أن أصبح البقاء في مدينة غزة شديد الخطورة.
وأكدت أنها تحركت من المدينة وهي تحمل وعائلتها الفراش والأغطية والأمتعة، وكانوا يسيرون مسافة ثم يستريحون، وقضوا أكثر من نصف الوقت في استراحات على شاطئ البحر.
وأكدت أن رحلة الوصول لمدينة خان يونس كانت متعبة وشاقة جداً، واستغرقت أكثر من 22 ساعة، وحين وصلت صُدمت بعدم وجود أماكن تقيم فيها، فنامت وأفراد عائلتها في الشارع ليومين، حتى أشفق عليها رجل ساعدها في إيجاد مكان، بينما منحها أهل الخير خيمة مجانية، وما زالت تحاول ترتيب أمورها ولا تعرف ما ينتظرها في المستقبل.

 

استهداف النازحين

على الرغم من طلب الاحتلال من سكان مدينة غزة النزوح باتجاه الجنوب، وتوالي إصدار بيانات من قبل المتحدث باسم جيش الاحتلال تحمل ذات المضمون، إلا أن النازحين يتعرضون كل يوم للقصف والاستهداف، سواء في المدينة، أو حتى بعد وصولهم إلى جنوب ووسط القطاع.
واستهدف الاحتلال خلال الأيام الماضية أكثر من مجموعة من النازحين في مناطق متفرقة من المدينة، خاصة في محيط مجمع الشفاء الطبي، وقرب حي الشيخ رضوان، وفي حي الدرج، وقد نجمت عن ذلك مجازر كبيرة، راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء والجرحى.
كما جرى استهداف حافلة مكتظة بالنازحين غرب المدينة، ما تسبب بسقوط شهداء وجرحى، معظمهم من الأطفال.
ولم يسلم النازحون حتى بعد وصولهم إلى مناطق جنوب ووسط القطاع من الاستهداف، إذ سُجل سقوط عدد كبير من النازحين ما بين شهيد وجريح، جراء استهداف خيام ومركبات ومارة في مناطق جنوب القطاع ووسطه.
وأكد مواطنون أن الاحتلال يريد إيصال رسالة للجميع بأنه لا توجد منطقة آمنة في القطاع، حتى في المناطق التي زعم الاحتلال أنها إنسانية، جرى فيها قتل واستهداف النازحين الفارين من الموت والباحثين عن الأمان.
وقال المواطن شادي رزق: إنه فر من مدينة غزة التي تتعرض للقصف والغارات، وتقدم مستمر للدبابات، باحثاً عن الأمان، وخلال خروجه من المدينة شاهد استهداف مجموعة من النازحين بصاروخ من طائرة إسرائيلية مُسيّرة، كانوا يسيرون أمامه، وقد نجا من الموت بأعجوبة، وبعد أن وصل إلى مواصي خان يونس، أقام في منطقة "أصداء"، شمال المدينة، وهناك فوجئ بتعرض المنطقة لغارات جوية، وإطلاق نار من آليات الاحتلال، ما يتسبب بسقوط ضحايا كل يوم، بعضهم من نازحي مدينة غزة.
وأكد رزق أنه، بعد ما شاهده، بات يدرك أن البقاء في مدينة غزة أفضل، فطالما أن الموت يلاحق النازحين في كل مكان، ولا يوجد مكان آمن في القطاع، فالبقاء في مدينة غزة هو الخيار الأفضل، والأعمار تبقى بيد الله.

 

ترك المنزل والذكريات

اضطرت عشرات الآلاف من العائلات ترك منازلها في مدينة غزة للمرة الثانية منذ بدء العدوان على القطاع، لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً، فقد يكون ترك المنزل أبدياً، ولا تعود العائلة إليه.
وقد أخلت العائلات منازلها وهي في حالة حزن كبير، تاركة خلفها الذكريات الجميلة، ومتجهة نحو المجهول.
وتقول الفتاة أحلام جبريل: إنها عاشت النزوح في السابق لأكثر من عام، وحين عادت لمنزلها في كانون الثاني الماضي شعرت بفرحة كبيرة، وبدأت بالعودة لحياتها السابقة رغم أن الحرب كانت مستمرة، وظنت أنها لن تترك المنزل مرة أخرى، حتى جاء العدوان الأخير على المدينة، وفوجئت وغيرها بأوامر نزوح جديدة تلاحقهم.
وأكدت جبريل أنها في البداية لم تستوعب أنها ستنزح مجدداً عن المنزل ورفضت الفكرة، ولم تتخيل أنها ستعود للعيش في خيمة، وتترك المنزل، وغرفتها، وكل الذكريات الجميلة.
وأوضحت أنها، مع اشتداد القصف، تحولت حياتهم إلى جحيم في المدينة، وبات الخروج منها هو الخيار القسري الأكثر صعوبة، مقسمةً أنها غادرت منزلها بالدموع والحزن، وودّعت غرفتها التي رسمت بريشتها على جدرانها أجمل اللوحات وهي في حالة إحباط ويأس غير مسبوقة.
وأكدت أن ثمة إحساساً قوياً بداخلها يخبرها بأنها لن تعود إلى منزلها وغرفتها مرة أخرى، وقد لا تعود للمدينة، لذلك كانت حزينة حين غادرتها باتجاه رحلة إلى المجهول.
بينما قال المواطن محمد ياسين، وهو من النازحين من المدينة: إن المنزل ليس مجرد جدران ولا أثاث، وإن كان الأخير مهم، فكل منزل يحمل ذكريات لعائلة عاشت فيه سنوات وربما عقود، ومرّوا بكثير من المواقف والأحداث فيه، بعضها جميل والآخر حزين.
وأكد ياسين أن إجبار العائلة على مغادرة المنزل تحت وقع الموت والخوف شعور سيّئ، والأسوأ من ذلك أن البديل صعب وقاسٍ، سبق أن عاشته معظمه العائلات، حيث الخيمة، والمطر، والبرد، والحر، والخدمات السيئة، والخوف الذي يحيط بالناس من كل جانب.
وأوضح أن كل مشاعر الحزن والإحباط التي يعيشها وعائلته في ناحية، وخوفه من المستقبل في ناحية أخرى، فلا يعلم ما ينتظره وغيره من العائلات، وهل ستكون المواصي رحلة نزوح باتجاه بوابة التهجير إلى خارج القطاع.

 

0 تعليق