ضمن توجه إسرائيلي جديد يعتمد القوة خيارا عسكريا وحيدا لفرض الإرادة، يندرج الهجوم الإسرائيلي على قطر الذي جاء مخالفا للقوانين والأعراف الدولية، كما أنه برهن على أن تل أبيب لا تقيم وزنا لسيادة الدول العربية والإسلامية، ولا تحترم الضمانات الأميركية المقدمة لهذه البلدان.
وقد أثار الهجوم مجموعة من التساؤلات تتعلق بمدى العلاقة والارتباط بين هذه الضربة والحرب الجارية على قطاع غزة، وما الأثر الذي ستتركه في السياق العام للصراع العربي الإسرائيلي، وعلى علاقات قطر ودول مجلس التعاون الخليجي مع المعسكر الغربي، ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص؟
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listوبشأن الإجابة عن هذه التساؤلات، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة "تقدير موقف" تحت عنوان "انفلات إسرائيلي: الدلالات الإستراتيجية للهجوم على الدوحة".
وتطرقت القراءة لمسار استضافة قطر لقادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وناقشت أهداف الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، وعواقبه على إسرائيل، ومدى تأثيره في الدفع بدول الخليج إلى تنويع شراكاتها الأمنية والعسكرية.
انتقال قادة حماس لقطر
في التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري، استهدفت غارة إسرائيلية مقار سكنية في العاصمة الدوحة أسفرت عن استشهاد نجل خليل الحية مسؤول حركة حماس في قطاع غزة ورئيس وفدها المفاوض، لكن الهجوم أخفق في تحقيق هدفه الأساسي الذي هو تصفية القادة السياسيين للمقاومة الفلسطينية.
وكانت قيادة حماس قد انتقلت من دمشق إلى الدوحة عام 2011 بعد تدهور علاقتها بالنظام السوري السابق، وذلك بعد شهور قليلة من اندلاع الثورة السورية.
ولم يكن استقبال دولة قطر لقادة حماس سرا، بل كان معلنا، ولم تعترض عليه الولايات المتحدة، ولا إسرائيل، ووفر على الدوام قناة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولا تعد دولة قطر في حالة حرب مع تل أبيب، بل إنها بجانب مصر والولايات المتحدة تقوم بدور الوساطة بين إسرائيل وقادة المقاومة بشأن الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ قرابة عامين.
إعلان
وفي السياق ذاته، وفّرت قطر للوفود الإسرائيلية المشاركة في التفاوض الكثير من التسهيلات، كما سعى المسؤولون القطريون في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على القطاع، ويكفل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
وانطلاقا من هذه المعطيات، أثار الهجوم سخطا قطريا واسعا، حتى وصف رئيس وزرائها وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني هذه الضربة بأنها هجوم غادر، وتساءل عما إذا كانت طموحات الحكومة الإسرائيلية في تغيير الشرق الأوسط قد اتسعت لتشمل دول الخليج.
الهدف من الهجوم
لم ينشر الاحتلال الإسرائيلي رواية رسمية عن الضربة الفاشلة التي تم تنفيذها في قطر، لكن تفاصيلها تم تناقلها عبر وسائل إعلام مقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما سربت مصادر إسرائيلية للصحافة الغربية تفاصيل أخرى.
ويلاحظ أن الروايات المنشورة لم تخل من التضارب، وبعضها قصد به التضليل، أو التخفيف من وطأة مسؤولية نتنياهو، خاصة بعد فشل الهجوم في تحقيق هدفه.
والذي لا يوجد خلاف حوله هو أن طائرات عسكرية إسرائيلية قد يكون عددها قرابة 10 شاركت في الهجوم، وبعضها كان للحراسة والتزود بالوقود، في حين تقول تقارير غربية إن المقاتلات حلقت فوق البحر الأحمر وأطلقت صواريخ على الهدف في الدوحة.
وأثارت هذه العملية تساؤلا يتعلق بالفارق الزمني الذي فصل بين معرفة الإدارة الأميركية بالعملية، ووقوع الغارة الإسرائيلية على هدفها في الدوحة، فما صدر عن إدارة الرئيس دونالد ترامب أنه ما إن بلغته المعلومات المتصلة بالأمر حتى أصدر أمرا لمبعوثه إلى الشرق الأوسط بإبلاغ القطريين وتحذيرهم، لكن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أكد أن الدوحة تلقت الاتصال الأميركي بعد 10 دقائق من الضربة.
وفي 15 سبتمبر/أيلول الحالي، ذكر مصدر إسرائيلي لم تُعرف هويته أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أبلغ الرئيس ترامب بالعملية قبل 50 دقيقة من بدء القصف، بمعنى أن الفرصة كانت موجودة لإيقاف العملية لو أن الأميركيين رغبوا في ذلك، بيد أن إدارة الرئيس ترامب كذّبت التسريب.
وفي الساعات الأولى التي تلت الهجوم، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الضربة نجحت في تصفية 4 قادة كبار من حماس، بمعنى أن الهدف من العملية لم يكن اغتيال وفد حماس المفاوض فقط، بل التخلص من مكتب حماس السياسي، أو معظم أعضاء المكتب على الأقل.
وفي سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يستطع نتنياهو حتى الآن إيقاع هزيمة مقنعة بقوات حماس في غزة، وهو الأمر الذي جعله في مأزق داخلي إذ كان يعد أنصاره بالنصر بالمطلق.

تحول إستراتيجي
في اليوم التالي للعملية الفاشلة التي كانت تهدف إلى تصفية قادة حماس في قطر، خرجت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بمقالة تلفت الانتباه إلى أن العدوان على قطر يشير إلى تحول إستراتيجي في علاقات إسرائيل بالإقليم.
والحقيقة أن هذا التحول بدأ منذ ما يقارب العام، ومن الوقت الذي بدأ فيه نتنياهو في إطلاق تصريحاته حول العمل على تغيير الشرق الأوسط برمته، ومن ثم تغيير البيئة الأمنية الإستراتيجية المحيطة بدولة إسرائيل.
إعلان
فدولة إيران رغم علاقاتها التقليدية بحزب الله وحماس، لم تكن طرفا مباشرا في الحرب على غزة، ولكن الحكومة الإسرائيلية قررت أن هذه الحرب فرصة سانحة لتوجيه ضربة إستراتيجية للمشروع النووي الإيراني، الأمر الذي أُنجز بالفعل بمشاركة الولايات المتحدة.
وفي سوريا، زادت إسرائيل من وتيرة ضرباتها مباشرة بعد سقوط نظام الأسد، وتوغّلت في الجانب السوري من خط 1974 لفصل القوات، وقامت بالفعل باحتلال الجزء الذي لم يزل تحت سيطرة دمشق من منطقة الجولان، بعمق عدة كيلومترات شرقا، ووصولا إلى جبل الشيخ شمالا.
وفي هذا السياق، أرسلت إسرائيل رسائل تهديد واضحة للعراق، واستهدفت مواقع عراقية تتبع فصائل مسلحة موالية لإيران، في الوقت الذي تضغط فيه واشنطن على بغداد لحل قوات الحشد الشعبي الشيعي، الحليفة لإيران، أو دمجها كليا في الجيش العراقي.
خلف ذلك كله، لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية لتركيا، الصادرة عن شخصيات غير رسمية، مقربة من الائتلاف الحاكم، طوال الشهور القليلة الماضية. كما يجري تداول تهديدات مشابهة، وإن أقل حدة، لباكستان وما يمكن أن تمثله من خطر على إسرائيل إن اختارت الوقوف إلى جانب إيران، أو تقديم الدعم للدول العربية المستهدفة من إسرائيل.
وهكذا فإن عملية العدوان على قطر، تصنّف كحلقة جديدة في هذا السياق، وهذا أشار إليه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته أمام القمة العربية الإسلامية بالدوحة بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول، عندما قال إن "هناك من يتوهم تحويل المجال العربي إلى منطقة نفوذ إسرائيلية".
عواقب الهجوم
ثمة بوادر تشير إلى أن العدوان على قطر سيفضي إلى متغيرات في طبيعة تموضع دول الخليج في الساحة الدولية، ولن يتم الإعلان المباشر عن هذه المتغيرات في مؤتمرات علنية أو قمم مشتركة.
ففي السنوات الأخيرة، بدأت المملكة العربية السعودية في عقد اتفاقيات عسكرية مع تركيا والصين، وتسعى إلى الدخول مع الاتحاد الأوروبي واليابان في برنامج لصناعة طائرات مقاتلة من الجيل السادس.
وتهدف السعودية من هذه البرامج إلى التنويع التدريجي للشراكات الأمنية والعسكرية، مع الاحتفاظ بالعلاقات مع المعسكر الغربي الذي تقوده واشنطن.
وكما أخفقت الولايات المتحدة في ردع إسرائيل عن مهاجمة قطر، فقد فشلت من قبل في القيام بمسؤولياتها في حماية المنشآت السعودية من الهجوم الذي تعرضت له من طرف الحوثيين في اليمن.
0 تعليق