Published On 23/9/202523/9/2025
|آخر تحديث: 18:15 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:15 (توقيت مكة)
قبل نحو56 مليون عام، شهدت الأرض احترارا عالميا كبيرا، يُعرف بـ "احترار العصر الباليوسيني الأيوسيني"، والذي أدى إلى زيادة كبيرة في درجات حرارة الغلاف الجوي بسبب إطلاق كميات ضخمة من الكربون.
وفي دراسة جديدة قام بها الباحثون من جامعة روتجرزفي ولاية نيو جيرسي الأميركية، توصلوا فيها إلى معرفة كيف تكيفت بعض الثدييات مع ذلك الاحترار العالمي، وكيف يمكن لتغير المناخ أن يُعيد تشكيل سلوك الحيوانات، واستراتيجيات البقاء.
وبحسب الدراسة، التي نشرت في دورية "باليوجيوغرافي، باليوكلايماتولوجي، باليوإيكولوجي"، فقد توصل العلماء لتلك النتائج من خلال فحص وتحليل الأسنان الاحفورية لحيوان ثدي مفترس، يدعى "الديسّاكوس"، وقد تبين أنه قام بتغيير نظامه الغذائي وحجم جسمه استجابةً لارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ومن المتوقع أن تساعد نتائج هذه الدراسة العلماء على التنبؤ بكيفية استجابة الحياة البرية الحالية للاحتباس الحراري العالمي الحديث، إذ أنها تتيح لهم تحديد الأنواع الأكثر عرضة للخطر اليوم، وخصوصا ذات الأنظمة الغذائية المحدودة، مثل الباندا، والتي تواجه صعوبات أكبر مع تقلص موائلها.

احترار العصر الباليوسيني الأيوسيني
العصر الباليوسيني والإيوسيني هما فترتان جيولوجيتان متتاليتان، بدأت الأولى بعد انقراض الديناصورات حوالي 66 مليون سنة مضت وانتهت قبل 56 مليون سنة، بينما بدأت الثانية من 56 إلى 33.9 مليون سنة مضت، وقد تميزت الفترتان بنشاط بيولوجي كبير، حيث ظهرت الثدييات والحيتان الأولى بالإضافة إلى انتشار النباتات.
ووفقا للبيان الرسمي الصادر من جامعة روتجرز-ولاية نيو جيرسي، فإن الاحترار الذي شهده العصر الباليوسيني والإيوسيني، استمر حوالي 200 ألف عام، لكن التغييرات التي أحدثتها كانت سريعة ودراماتيكية، كما استمرت درجات الحرارة العالمية بالتزايد على مدار20 ألف سنة، وارتفعت بمقدار 5 إلى 8 درجات مئوية.
إعلان
وحول أسباب ارتفاع حرارة العصر الباليوسيني-الإيوسيني، يقول أندرو شوارتز، طالب الدكتوراه في قسم الأنثروبولوجيا بكلية العلوم والآداب جامعة روتجرز، والمؤلف الرئيسي للدراسة، في تصريح خاص للجزيرة نت "يُرجّح أن يكون سبب ارتفاع درجة حرارة العصر الباليوسيني-الإيوسيني هو تدفق هائل لثاني أكسيد الكربون وكذا غازات دفيئة أخرى إلى الغلاف الجوي منذ حوالي 56 مليون سنة"
ويضيف "وربما يكون هذا الكربون قد نتج عن غاز الميثان المحتجز في قاع البحر، أو زيادة النشاط البركاني، أو زيادة ذوبان الصخور شبه القارية"
ويوضح شوارتز "وبينما كان ارتفاع درجة الحرارة في ذلك العصر سريعا للغاية من الناحية الجيولوجية، فإن اتجاهات الاحترار الحالية تتجاوز ذلك بكثير، إذ ارتفعت درجات الحرارة العالمية بنحو 1.5 درجة مئوية خلال القرن الماضي، مع تقديرات مستقبلية للاحترار مماثلة لارتفاع درجة حرارة العصر الباليوسيني-الإيوسيني بحلول عام 2100".

تحليل التآكل الدقيق للأسنان
في تصريحاته الخاصة للجزيرة نت قال شوارتز: "تتناول دراستنا التغير الغذائي لدى حيوان الديساكوس من خلال تحليل نسيج التآكل الدقيق للأسنان، وهي تقنية غير جراحية يُستخدم فيها مجهر مسح إلكتروني لتحليل التآكل الدقيق للأسنان لدراسة الحفر والخدوش الصغيرة المتبقية على الأسنان المتحجرة لاستنتاج جوانب النظام الغذائي لدى الحيوانات المنقرضة ومنها الثدييات".
ويضيف "يكشف ذلك عن أنواع الطعام التي كان الحيوان يمضغها في الأسابيع التي سبقت نفوقه، بناءً على الخصائص الميكانيكية للطعام".
وبحسب بيان من جامعة روتجرز الرسمي، فقد كشف تحليل التآكل الدقيق للأسنان أن هذا الحيوان المفترس القديم بحجم ابن آوى أو ذئب البراري، من المرجح أنه كان يستهلك مزيجًا من اللحوم ومصادر غذائية أخرى مثل الفواكه والحشرات.
ويقول شوارتز في تصريحه للجزيرة نت: "تبين من خلال تحليل اسنانها المتحجرة تآكلا دقيقا يدل على استهلاكها للأشياء الصلبة، مما يشير إلى أنها كانت تستهلك المزيد من بذورالفواكه أو العظام خلال فترة الاحتباس الحراري، وقد استمر أفراد هذا الفصيل من الحيوانات المفترسة، الذين عاشوا بعد حدث الاحترار العالمي في تناول هذه الأشياء الصلبة، مما يشير إلى استمرار هذا السلوك حتى بعد عودة المناخ إلى ظروف ما قبل العصر الباليوسيني والإيوسيني".
من جانب آخر، يقول بيان جامعة روتجرز الرسمي إنه قبل هذه الفترة من ارتفاع درجات الحرارة، كان ديساكوس يتبع نظامًا غذائيا مشابها للفهود الحديثة، حيث كان يتغذى في الغالب على اللحوم الصلبة، ولكن خلال هذه الفترة القديمة وبعدها، أظهرت أسنانه علامات على سحق مواد أكثر صلابة، مثل العظام.
حدث هذا التحول الغذائي بالتزامن مع انخفاض طفيف في حجم الجسم، ويرجع ذلك على الأرجح إلى ندرة الغذاء، وفي حين أن الفرضيات السابقة ألقت باللوم في انكماش الحيوانات على ارتفاع درجات الحرارة وحدها، يشير هذا البحث الأخير إلى أن قلة الغذاء لعبت دورًا أكبر.
نحو فهم مناخ الأرض
في هذا السياق، يظهر أن الأنواع "العامة" (غير المتكيفة بشكل مفرط مع أي طعام أو موطن أو بيئة محددة) أكثر فعالية نسبيا في استغلال العديد من الموارد في بيئتها من الأنواع الأكثر تخصصًا.
إعلان
الأنواع العامة تُبدي مرونة بيئية أكبر وتبدو أكثر قدرة على الصمود في وجه الانقراض من الأنواع التي تتطلب موارد محددة للغاية
ويقول شوارتز إن "ما حدث خلال فترة العصر الباليوسيني-المتوسطي الحراري يعكس إلى حد كبير ما يحدث اليوم وما سيحدث في المستقبل، حيث نشهد الأنماط نفسها مستويات ثاني أكسيد الكربون ترتفع، ودرجات الحرارة أعلى، والنظم البيئية تتعرض للاضطراب".
ويضيف " يُعد السجل الأحفوري أساسيًا لفهم مناخ الأرض، في الماضي والحاضر والمستقبل، فالقوى الطبيعية نفسها التي كانت تعمل في الماضي لا تزال تعمل اليوم (حتى لو كان التأثير البشري هو المحرك الرئيسي لهذه القوى الآن)".
ويضيف "لهذا فإن استخراج الحفريات وإعادة بناء النظم البيئية السابقة يُعطينا لمحات عن طبيعة المناخ في الماضي وأشكال الحياة، كما أن معرفة كيفية تكيف الأنواع استجابةً للتغيرات في بيئتها أمرٌ بالغ الأهمية للتنبؤ بكيفية استجابة الأنواع الحديثة لتغير المناخ اليوم".
0 تعليق