عاجل

فيلم "ني تشا 2".. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم المتحركة - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

"ني تشا" هو واحد من أبطال الأساطير الصينية، اشتهر أول مرة في رواية "تقديس الآلهة" التي ألفها كل من شو تشونغلين ولو شيشنغ في عهد أسرة مينغ الحاكمة. وطبقا للأسطورة، فقد وُلد بعد 3 سنوات، قضاها في رحم أمه، وظهر بقوى سحرية وأسلحة قاهرة. وفي طفولته، قتل ابن ملك التنين، فأثار غضب البحر. ولإنقاذ عائلته، ضحى بنفسه، لكنه وُلد لاحقا من زهرة لوتس. واليوم، يرمز ني تشا إلى تمرد الشباب والعدالة والحماية في الثقافة الصينية.

قرر المخرج يو يانغ (جياوزي) تحويل الأسطورة المغرقة في القدم إلى فيلم رسوم متحركة من جزأين، صدر أولهما "ني تشا 1″ (Ne Zha 1) في عام 2019، وقد سبقته توقعات كبيرة بالنجاح، وصدقت تلك التوقعات. ولكن المفاجأة كانت في الجزء الثاني الذي تخطى كل التوقعات، وأثبت أنه ليس مجرد استثمار في نجاح الجزء الأول، بل هو تطور حقيقي في عالم الرسوم المتحركة الصينية.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

الجزء الثاني من" ني تشا" (Ne Zha 2)، الذي يتصدر إيرادات شباك التذاكر في العالم، لم يكن مجرد استثمار لفيلم حقق إيرادات قياسية، بل هو رحلة جديدة تغوص في أعماق أسطورة قديمة، مستخدمة التقنيات الحديثة، لتقديم عمل فني بصري مدهش، ودراما ثرية. فالفيلم يتجاوز حدود الرسوم المتحركة التقليدية، ويضع معايير جديدة في الإخراج الفني، ويقدم معالجة إنسانية فريدة لشخصياته.

ينتهي الجزء الأول في منتصف الرحلة، فالبطل "ني تشا" لم يكتشف كل قواه بعد، والمصير لا يزال غامضا.

وفي الجزء الثاني، تتضاعف التحديات، وتزداد قوة الصراعات. لم يضف الجزء الجديد إلى قصة الفيلم بقدر ما أعاد طرحها، لتبدو للمشاهد أعمق وأكثر اتساعا وشمولا.

يحافظ الفيلم على روح ني تشا المتمردة، ويسمو بها من خلال قيم الوحدة والتضحية والإرث الثقافي مع رسوم متحركة باهرة مدفوعة بالابتكار التكنولوجي، ويتواصل تشكيل ملامح أسطورة ني تشا، ليقدم للمشاهد دعوة للعثور على طريقه الخاص.

إعلان

" frameborder="0">

استعادة الأسطورة الصينية بمذاق عصري

قدّم فيلم "ني تشا 1" 2019 للجمهور إعادة تفسيرات الأساطير الكلاسيكية في عالم الرسوم المتحركة الصيني، حيث يروي الفيلم قصة "ني تشا"، الطفل المولود في ظروف استثنائية. على عكس الصورة التقليدية للبطل الشاب المطيع، يُصوّر "ني تشا" كصبي متمرد، وشقي، يُساء فهمه، ويبدو وجوده غير محبب، لكنه يحمل قوة "اللؤلؤة الروحية" المُعدّة للخير منذ ولادته، ويُصاب عن طريق الخطأ بطاقة شيطانية من هذه "اللؤلؤة"، مما يجعله موضع خوف أهل قريته ووالديه.

تدور أحداث القصة في قرية صغيرة تسودها الخرافات، وينشأ "ني تشا" في ظلّ الشك، ويواجه باستمرار الرفض من المحيطين به. ورغم صراعاته العنيفة التي لا تتوقف، يبدو عليه اللطف ويشع بلمسات إنسانية، ويكشف عن شخص آخر داخل الولد الذي بدا كما لو كان كتلة من العنف والمشكلات. تربط ني تشا صداقة قوية مع "آو بينغ" أو "أمير التنين"، وهو نموذج عكسي له، حيث يلتزم بأعراف المجتمع المحيط وقيمه، وكانت علاقتهما قد بدأت بمنافسة، ولكنها تطورت وأصبحت صداقة قوية وفهما متبادلا لفلسفة كل منهما في الحياة.

يخوض ني تشا رحلته نحو قبول ذاته بكل ما فيها من اختلاف، إذ يستسلم في البداية للغضب والفوضى، ويعتقد أنه لا يستطيع تغيير حاله. لكنه يواجه الجانب المظلم في داخله ويتحدى تنبؤات تدفعه باتجاه الاستسلام بفضل دعم معلمه وأصدقائه، ليتحول من منبوذ مخيف إلى بطل يحمي من نبذوه.

يكمن جمال فيلم ني تشا في قصته الرائعة، وفي رسومه المتحركة، وعالمه الخيالي، وطريقة تحديثه لقصة كلاسيكية للجمهور المعاصر، ويرسي الجزء الأول الأساس العاطفي والفلسفي الذي يجعل الجزء الثاني مؤثرا بشكل كبير.

يكشف الفيلم، خلف المشاهد المدهشة والأسطورة المحدثة، عن قصة نضج، أو تحول من الطفولة إلى الرجولة عبر المرور بمرحلة من المراهقة الفكرية والعاطفية والسلوكية، لكن أحداثها تدور في إطار الحكمة المستمدة من الأساطير الصينية والقيم التقليدية. الصديقان "ني تشا" و"آو بينغ"، اللذان وُلدا من جديد في جسد واحد، يخوضان سلسلة من التجارب لبلوغ الخلود، لتُجسد رحلتهما قيمة "الاختيار" والصمود سعيا للتحرر مما يفرضه المجتمع من اختيارات غير مرضية، وهو تجسيد للحكمة الصينية القائلة "كما تحافظ السماوات على حيويتها من خلال الحركة، ينبغي للرجل النبيل السعي الدائم لتطوير ذاته".

يتناول الفيلم عبر الإطار الثري الذي يجمع بين الأسطورة والفلسفة والحداثة قيما جوهرية، منها الشجاعة والولاء والعدالة والتكفير عن الذنب.

" frameborder="0">

تحفة فنية بصرية وسردية دائمة

أبدع فنانو الرسوم المتحركة لوحة حية تمزج بسلاسة بين التقاليد والحداثة، وتحكي عبر الألوان الصينية التقليدية وتقنيات الألوان السينمائية قصة كل مشهد، فيتحول إلى عنصر سردي نابض بالحياة. وتحمل تصميمات العمارة أناقة عتيقة، خاصة قصر ملك التنين تحت الماء، وتعكس التفاصيل المزخرفة للهب على أسلحة ني تشا وأنماط حراشف التنين الدقيقة على درع آو بينغ دمجا واعيا بين الرمزية الأسطورية والبساطة العصرية.

ويبرز مشهد ممر تشنتانغ المؤدي إلى قصر ملك التنين المغمور بالمياه المتحركة باعتباره تحفة فنية فريدة داخل العمل، ولا يبدو الأمر مجرد إتقان لصناعة المؤثرات الخاصة فقط، بل يعكس إنشاء جسر ثقافي، يتيح خلاله الثراء البصري بالفيلم للجمهور العالمي تجربة الحساسيات الفنية الصينية، مع إعادة تصور القطع الأثرية البرونزية، ورموز مرجل التنين، أو رذاذ الماء الكلاسيكي، لتحلق بعيدا عن الشاشة في وجدان الجمهور.

إعلان

لم تكن تلك المرة الأولى التي يستحضر خلالها الصينيون أسطورة ني تشا، فقد جسدت عبر الأجيال بأشكال مختلفة وفي نصوص متنوعة، حتى تلقفها المبدع الصيني الكبير جياوزي بتفسيراته الحديثة ليعكس تجسيد قيم عصره مع الحفاظ على روح مشتركة.

في الجزء الثاني، يقوم المخرج الصيني بتحويل الروح الفردية في الأسطورة إلى حالة جماعية، فمثلا تتغير مقولة "أنا أتحكم بمصيري" المألوفة، لتصبح دعوة للعمل الجماعي، لتكون "حيث لا يوجد طريق، سأشق طريقا"، ليقدم نموذجا حضاريا يصور التحول من التمرد غير المسؤول إلى الشعور بالمسؤولية وتجاوز الصراع الشخصي، ويحض على واجب الفرد تجاه المجتمع، وهو موضوع أساسي في الثقافة الصينية.

ينقل الفيلم حالة دفء عائلي تتجسد في تفاصيل الحياة اليومية، خاصة في مشاهد ني تشا وهو يلعب مع إخوته، أو يتفاعل مع والديه في مواقف عادية، وهو ما يرتقي بالأسطورة إلى حالة واقعية رقيقة، وهي لمسات تجعل الأساطير تبدو قريبة من الواقع عبر صدى عاطفي.

يتجاوز تأثير فيلم "ني تشا 2" حدود الفن والحكمة، فهو معلم ثقافي بارز. حطم الفيلم الأرقام القياسية في شباك التذاكر، ليصبح أعلى فيلم رسوم متحركة ربحا، وأعلى فيلم غير ناطق بالإنجليزية ربحا على الإطلاق، محققا إيرادات عالمية تجاوزت ملياري دولار. ويعكس نجاحه الفخر المحلي والفضول الدولي، مؤكدا ولادة عصر جديد من الرسوم المتحركة الصينية، متجذر ثقافيا وطموح عالميا.

0 تعليق