كواليس رحلة 5 صحفيين فرنسيين إلى إسرائيل لترويج دعايتها - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قام خمسة صحفيين فرنسيين مؤخرا بالسفر إلى إسرائيل، بدعوة منها وعلى نفقتها الخاصة، من أجل لقاء كبار الضباط في جيش الاحتلال، والترويج إلى دعايته ومبرراته لمواصلة حرب الإبادة الجماعية والتجويع على قطاع غزة، وفق ما كشفه موقع ميديا بارت الفرنسي.

وبين الموقع بأن ثلاثة من الصحفيين الخمسة لم يحرصوا في تقاريرهم على ذكر سياق الزيارة التي تمت بالتنسيق مع السفارة الإسرائيلية في فرنسا، في يوليو/ تموز الماضي، مشيرا إلى إحدى المعضلات المهنية الأخلاقية التي تسببت بها الصحف الخمسة.

A picture taken on July 2, 2019, shows the office of Mediapart in Paris. Mediapart presented on July 2, 2019 a new plan to protect its capital and to preserve its independence. (Photo by JOEL SAGET / AFP)
ميديا بارت: تولت السفارة الإسرائيلية تكاليف سفر الصحفيين الخمسة من رحلات الطيران ذهابا وإيابا بالإضافة إلى الإقامة في الفنادق والطعام (أ ف ب)

ويلفت كاتب العمود في ميديا بارت، يونس أبزوز، إلى أن إسرائيل حين دعت عدة وسائل إعلام فرنسية قبل نحو شهرين إلى رحلة صحفية على نفقتها الخاصة، لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد أعلن بعد عن نيته الاعتراف بفلسطين.

ومع ذلك -يتابع أبزوز- فإن الدولة العبرية تدرك جيدا أن إصرارها على مواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة يثير سخط الرأي العام العالمي، ويجبر الحكومات الغربية على تشديد لهجتها.

وأضاف الكاتب، أن الحل الوحيد المتبقي لمنع إسرائيل من خسارة معركة الرأي العام نهائيا، هو اللجوء إلى تكثيف جهود الدعاية، لا سيما مع تصميم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– على تدمير غزة، الأمر الذي سيزيد من عزلة إسرائيل.

ونقل "ميديا بارت" تبرير السفارة الإسرائيلية التي شددت على أن هدف الرحلة التي كانت في 20 – 24 يوليو/تموز ينحصر بـ"إظهار الواقع على الأرض"، مضيفة "جميع دول العالم تنظم رحلات مثل هذه، فليس فيها أي شيء جديد".

Mandatory Credit: Photo by Mojahid Mottakin/imageBROKER/Shutterstock (15447053rw) The logo of the newspaper le figaro is displayed on a smartphone screen, and the website le figaro is visible on a computer screen in the background Various 25aibj
صحيفة لو فيغارو – إحدى الصحف المشاركة في زيارة إسرائيل (شترستوك)


من الصحف الخمسة؟

وأكد الموقع في تقريره أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الرحلات إلى توعية الصحافة الدولية بالحروب التي تخوضها في المنطقة، لافتا إلى أن الصحف الفرنسية المشاركة في الرحلة كانت:

إعلان

1-  صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" Le Journal du dimanche
2- صحيفة لو فيغارو Le Figaro
3- صحيفة لاكروا La Croix
4- مجلة ليكسبرس L’Express
5- مجلة ماريان Marianne

وقد تولت السفارة الإسرائيلية في باريس  تكاليف سفر الصحف المذكورة كاملة، من رحلات الطيران ذهابا وإيابا، باستثناء صحيفة لاكروا التي طلبت تحمل تكاليفها، بالإضافة إلى الإقامة في الفنادق والطعام.

معضلات أخلاقية صحفية

وبررت إيف سيفتل، مديرة تحرير ماريان عدم ذكر سياق الرحلة في تقرير المجلة بالقول "لم أذكر إطار الرحلة الصحفية لأن هذا الإطار لم يكن ملزما"، وفي ردها على سؤال "ميديا بارت" حول المشكلة الأخلاقية الناجمة عن الانخراط في رحلة مدفوعة التكاليف بالكامل، نظمها أحد أطراف الحرب، وحرص على اختيار الأشخاص الذين سيقابلهم الصحفيون، أجابت سيفتل "لا، والدليل على ذلك أن المقال الذي كتبته كان متوازنا للغاية".

أما صحيفتا "لو جورنال دو ديمانش" و"لو فيغارو" فلم تردا على أسئلة موقع ميديا بارت، حول ذكر سياق الرحلة.

ويشار إلى أن إسرائيل تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة منذ بدء الحرب قبل نحو عامين، في حين قتلت 251 صحفيا فلسطينيا في مسعى للتعتيم على جرائمها الإنسانية في القطاع.


برنامج الرحلة

وتركز برنامج الرحلة وفق "ميديا بارت" على اصطحاب الصحفيين الخمسة إلى الجبهات التي ينشط فيها الجيش الإسرائيلي بشكل رئيسي، وهي الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، بالإضافة إلى قطاع غزة، لكن الصحفيين لم يروا غزة، حيث تذرعت السفارة بأنها لم تتلق التصاريح في الوقت المناسب.

ووجه الجيش الإسرائيلي الصحفيين إلى معبر كرم أبو سالم، حيث تتكدس المساعدات الإنسانية، لإقناعهم بأن إسرائيل ليست مسؤولة عن المجاعة في غزة، بل المنظمات غير الحكومية هي التي ترفض نقل المساعدات إلى وجهتها، وهنا يبين الموقع أن الصحف الثلاثة المشاركة أوضحت في تقاريرها عن الزيارة أن هذه الجولة كانت برفقة الجيش الإسرائيلي.

وسافر الصحفيون الفرنسيون بالطائرة، ووصلوا في وقت مبكر من بعد الظهر إلى المطار، حيث جرى نقلهم بعد ذلك إلى فندق فاخر في صفد، في أقصى شمال الأراضي المحتلة، ثم أقيمت مأدبة عشاء ترحيبية بحضور المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أورين مارمور شتاين، الذي حدد منذ البداية إطار الرحلة.

وبرر شتاين آنذاك الحرب وموقف إسرائيل في المضي قدما فيها مهما كان الثمن، زاعما مسؤولية حماس في "اندلاع الأعمال العدائية"، وفق مراسل لاكروا، الذي نقل جزءا من اللقاء، وقال "أوضح لنا (شتاين) أيضا أن حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وبالتالي، فإن إسرائيل لا تملك خيارا آخر سوى اللجوء إلى هذه الضربات القاتلة للقضاء على أولئك الذين يريدون تدمير إسرائيل".

صور من حديث نتنياهو يزعم فيها أنها لمساعدات يدخلها الاحتلال عبر معبر كرم أبو سالم (منصات التواصل)
نتنياهو يؤشر إلى صورة مساعدات يزعم أن حكومته تدخلها عبر معبر كرم أبو سالم (منصات التواصل)


أماكن ومحاور اختارتها إسرائيل بعناية

وفي اليوم التالي، جرى توجيه الصحفيين الخمسة لزيارة الجهاز الأمني الضخم الذي أنشأته إسرائيل لضرب كل من تعتبرهم منتمين إلى حزب الله على الحدود مع لبنان، وفي اليوم الذي يليه، تم اصطحاب الصحفيين إلى الحدود السورية للقاء الطائفة الدرزية، التي طالما استغلتها إسرائيل لتعزيز الطابع العرقي للقضية الفلسطينية وإضعاف الحكومة السورية الجديدة.

إعلان

ويعلق الكاتب يونس أبزوز في موقع "ميديا بارت" أن جولات الصحفيين تتخللها لقاءات مبرمجة مسبقا من قبل المنظمين، وتتيح للصحفيين فرصة ملء دفاتر ملاحظاتهم بشهادات كبار ضباط الجيش الإسرائيلي وممثلي المجتمع المدني، بل وأشخاص عاديين، لافتا إلى حديث صحيفتي "لو جورنال دو ديمانش" و"لو فيغارو" عن بائع الخبز العربي ذاته في تقريريهما.

The
ميديا بارت: "لو جورنال دو ديمانش" كانت إحدى الصحف التي نقلت روايات أحادية الجانب، ومنحت مساحة كبيرة للحجج الإسرائيلية (أ ف ب)

ولم ترَ الصحيفتان آنفتا الذكر أهمية للتوضيح إلى القراء أن الضيوف المدنيين في تقريريهما قد جرى اختيارهم بعناية من قبل أحد الأطراف المتحاربة.

بل وقد ذهبت صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" إلى حد الإشارة بشكل خفي إلى أن المصادر التي تمت مقابلتها على أرض الواقع كانت عفوية أو تم تحديدها مسبقا قبل إعداد التقرير.

وقالت "ميديا بارت" إن مقالات مجلة ماريان وصحفيتي "لو جورنال دو ديمانش" و"لو فيغارو" فقد كانت الروايات فيها أحادية الجانب، وتمنح مساحة كبيرة للحجج الإسرائيلية، دون محاولة مواجهتها بالحقائق أو بمصادر أخرى جرى استجوابها بشكل مستقل.

بالنسبة لصحيفة لاكروا، فيقول مراسلها لوران لاشر مبررا "اتفقنا مع الصحيفة على المشاركة في هذه الرحلة دون التزام بكتابة مقال عنها، لأن الطريقة الوحيدة للوصول إلى الميدان منذ 7 أكتوبر هي أن تكون برفقة الجيش الإسرائيلي".

وأراد المراسل على وجه الخصوص معرفة ما إذا كان الجيش الإسرائيلي يأخذ في الاعتبار الضحايا المدنيين المحتملين عندما يستهدف حماس أو حزب الله، وكيف يفعل ذلك، و"كان من الملفت للنظر أن المسؤولين الإسرائيليين يتقبلون تماما حقيقة قتل المدنيين عند ضرب حماس دون وضع أي حدود"، وفق ما ذكر لارشر.

 

الرحلة تتسبب بأزمة داخل مجلة ماريان

ويكشف الموقع الفرنسي عن أن مديرة التحرير في مجلة ماريان التي واجهت معارضة شديدة داخل المؤسسة بسبب خياراتها التحريرية في تغطية الحرب في غزة، لم تخطط أساسا للذهاب إلى إسرائيل، ولكن نظرا لغياب الصحفية المسؤولة عادة عن متابعة شؤون الشرق الأوسط، اقترحت إيف سيفتل على مراسل آخر، هو إتيان كامبيون، المشاركة في الرحلة التي نظمتها السفارة الإسرائيلية في باريس، فسرعان ما أبلغ الأخير رئيسته بالمسائل الأخلاقية التي يطرحها مثل هذا السفر، الذي نظمته دولة متهمة بارتكاب إبادة جماعية.

وبالنسبة له، فإن الطريقة الوحيدة للذهاب إلى هناك دون المساس بأخلاقيات المهنة هي إخبار القراء عن خلفيات هذه الرحلة الصحفية، وقد رفضت مديرة التحرير هذا الاقتراح على الفور.

وأمام تردد الصحفي، قررت مديرة التحرير الذهاب بنفسها، وكتبت مقالتين دون أن تحدد أبدا سياق تقاريرها، وكان لهذا الخيار تأثير كبير على قرار غالبية محرري ومحررات ماريان بالتصويت، في 18 سبتمبر/ أيلول الماضي، على اقتراح بحجب الثقة عن مديرة التحرير.

0 تعليق