عاجل

المقاطعة.. سلاح الضعفاء في مواجهة الظلم عبر التاريخ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

منذ خلق الله آدم وحواء عليهما السلام، كانت المقاطعة فعلا ثقيلا على الإنسان الذي يجنح بالفطرة نحو ما يريد، فقد حذر الله أبوينا من الشجرة بقوله “لا تقربا”، لكنهما لم يصبرا، لأن البشر لا يحبون القواعد.

 

وهكذا، أصبحت المقاطعة فعلا صعبا لكنه عمل تراكمي أدى في كثير من لحظات التاريخ إلى إحداث تحولات جذرية وإن على المدى الطويل.

والآن، يخوض ملايين المنحازين لفلسطين حملة مقاطعة تصفها مؤسسات اقتصادية دولية بأنها الأطول والأوسع في التاريخ الحديث، من أجل الضغط على إسرائيل ومن يدعمونها ودفعهما نحو تغيير المسار.

وهكذا، تبدو المقاطعة في هذه اللحظة التاريخية سلاحا للمستضعفين بعدما عجزت الأسلحة التقليدية وقوة الدول عن التصدي لعملية ابتلاع فلسطين وتطهيرها من شعبها على الهواء مباشرة.

بيد أن هذا الفعل الثوري الصامت وتلك الحرب التي لا ضجيج لها، ليست ابنة النظام الحديث ولكنها قديمة إلى حد قد لا يتصوره كثيرون، وإن اختلفت الصور، فقد كانت النتائج دائما واحدة.

أول مقاطعة في التاريخ

ووفقا لحلقة 2025/9/25 من برنامج "المقاطعة"، كانت روما سنة 494 قبل الميلاد تنهض بلا توقف، لكنها كانت تغلي من الداخل، فالطبقة الحاكمة تنعم بكل شيء بينما الطبقة العامة (البليبيون) معدمة تماما، ولهذا قررت رفع سلاح المقاطعة.

وأمام هذا الشعور الجارف بالظلم، قاطع العاملون كل شيء، فلم يذهبوا للحقول ولا للمحال ولا الجيش حتى، مما أجبر مجلس الشيوخ على التفاوض ومنح الحقوق، وكانت هذه أول مقاطعة سياسية في التاريخ.

وبعد قرون طويلة جدا، في سنة 1769، وجد الفلاحون الأيرلنديون أنفسهم يعيشون تحت رحمة مجموعة لا ترحم من الإنجليز، كانوا يدفعون إيجارات باهظة ويطرَدون من أرضهم بلا رحمة، فظهر تنظيم "وايت بويز" السري، الذي رفض دفع الإيجار وهدم الأسوار، وأصدر بيانات رفض وقعها باسم "كابتن مون لايت".

ولم يكن لدى هذه الحركة سلاح، فقُمعت بوحشية وجرت عمليات قتل واعتقال واسعة، غير أن هذه الحركة كانت هي البذرة التي نمت واستطالت حتى أصبحت أيرلندا اللاحقة.

وفي نهاية القرن الـ18، شهدت بريطانيا أول حملة مقاطعة مبنية على الأخلاق في التاريخ، عندما قاطع الناس السكر المصنوع بيد العبيد.

إعلان

وفي 1955، لم تكن الأميركية السوداء روزا باركس، أول من يرفض الظلم، لكنها رفضت التخلي عن مقعدها لرجل أبيض في الحافلة العمومية تنفيذا للقانون العنصري الذي كان يقضي بذلك.

وعندما رفضت باركس الرضوخ لتهديدات السائق، جاءت الشرطة واعتقلتها، فاندلعت شرارة غضب جماعي بمدينة مونتغمري بولاية آلاباما، وقاطع السكان الحافلات العمومية 381 يوما، ولم تتخل الحكومة عن موقفها.

لكن المقاطعة كبدت شركات الحافلات خسائر فادحة، وبعدها قررت المحكمة العليا إلغاء التمييز. وأصبحت روزا نموذجا يحتذى به وخصوصا في جنوب أفريقيا التي أسقطت نظام الفصل العنصري عبر المقاطعة أيضا.

" frameborder="0">

سلاح قديم في فلسطين

وفي 1936، نظم الفلسطينيون إضرابا استمر 6 أشهر، وكان الأطول في التاريخ، رفضا للانتداب البريطاني وتسهيل نقل اليهود إلى فلسطين، فقاطعوا المواصلات والبضائع والمؤسسات الداعمة للاستيطان، وانتهى الأمر بثورة مسلحة استمرت 3 سنوات، وتم قمعها بـ20 ألف جندي بريطاني، لكنها بقيت أم الانتفاضات اللاحقة.

وتتجاوز القصة في فلسطين وصف الاحتلال إلى الفصل العنصري الذي يمارَس تحت مظلة دولة توصف بأنها الديمقراطية الوحيدة في مجاهل الشرق الأوسط.

وأمام هذا الفصل المدعوم بالقوة الغاشمة والدعم الدولي، أصبحت المقاومة واحدا من أهم الأسلحة التي يمكن للفلسطينيين ومن يدعمونهم رفعها في مواجهة الظلم، بعدما أُسقطت كل الأسلحة الأخرى.

ومع اندلاع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، اتخذت المقاطعة زخما إقليميا ودوليا لم تأخذه من قبل، وبدا لكثيرين أنها السلاح الأكثر تأثيرا في هذه الحرب غير المتكافئة عسكريا وسياسيا.

وتعتبر المقاطعة وسحب الاستثمارات واحدة من أقوى الأسلحة التي أثبتت الصراعات الحضارية الحديثة نجاعتها، حتى لو كانت مقاطعة طفل لنوع من الحلوى، كما يقول الناشط الفلسطيني عمر حرامي.

وتشمل المقاطعة الداعمة لفلسطين كافة المنتجات والمؤسسات والمنظمات التي تتبنى مواقف داعمة لإسرائيل، وهي أضعف الإيمان لمن هم خارج فلسطين، حسب المحامي الفلسطيني البارز جوناثان قطب.

وحاليا، تعتبر "بي دي إس"، أشهر حركة مقاطعة في القرن الحالي، وهي تدعو الجميع لمقاطعة إسرائيل اقتصاديا وسحب الاستثمارات منها ووقفها معها، وفرض العقوبات عليها. وحسب المنسق العام للحركة محمود نواجعة، فقد استخدم الفلسطينيون المقاطعة كسلاح على مدار الصراع وبأشكال مختلفة.

وقد رسم عمر البرغوثي، وهو أحد أبرز مؤسسي "بي دي إس"، خريطة حولت الضغط إلى أرقام حول العالم مستلهما فكرته من تجربة جنوب أفريقيا.

أما الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، فيصر على أن المقاطعة هي أحد أقوى الأسلحة القادرة على ردع الاحتلال ودفعه للرضوخ، كما فعلت في جنوب أفريقيا.

ولا تتطلب هذه المقاطعة دعما من المقاومة لأنها أقنعت العالم فعليا بضرورة معاقبة هذا الاحتلال وتدفيعه ثمن جرائمه، كما يقول القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ولن تحرر المقاطعة فلسطين بمفردها لأنها بحاجة لمزيد من العوامل الأخرى المساعدة، لكنها تظل أحد أشكال النضال من أجل التحرر الوطني، حسب النواجعة.

إعلان

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

0 تعليق