ما الجدوى الاقتصادية للاعترافات بفلسطين في ظل بروتوكول باريس؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

القدس المحتلة – مع تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، يبرز سؤال اقتصادي جوهري: إلى أي مدى يمكن لهذه الاعترافات أن تحوّل الشرعية الدبلوماسية إلى فرص اقتصادية حقيقية في ظل استمرار قيود بروتوكول باريس الاقتصادي الموقّع مع إسرائيل؟

تحدد اتفاقيات باريس المالية العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ عام 1994، وبموجبها تجمع إسرائيل الضرائب والرسوم نيابة عن السلطة، ثم تحولها إليها بعد خصم مستحقاتها.

يمكّن هذا النظام إسرائيل من تأخير أو اقتطاع الأموال بما يؤثر مباشرة على ميزانية السلطة، ويحد من مرونتها في التخطيط للمشاريع التنموية، حتى في حال زيادة المساعدات أو تدفق الاستثمارات من الخارج.

يمنح الاعتراف الدولي فلسطين فرصة توقيع اتفاقيات تجارة حرة أو تفضيلية، لكنه لا يلغي القيود الإسرائيلية على المعابر.

يقلل الاعتراف من مخاطر المستثمرين الأجانب عبر تثبيت الوضع القانوني، ويزيد من جاذبية مشاريع في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة والزراعة الذكية، رغم بقاء العوائق الهيكلية.

وعلى الرغم من المكاسب الدبلوماسية المتتالية، يشير الواقع إلى أن بروتوكول باريس يحد من القدرة الفلسطينية على الاستفادة الاقتصادية الكاملة من هذه الاعترافات؛ فطالما استمرت إسرائيل في الاحتفاظ بحق الجباية والمقاصة، ستظل السلطة مقيدة في تطوير اقتصادها وتوفير احتياجات سكانها، مما يعكس فجوة بين الإنجازات السياسية والقيود الاقتصادية الميدانية.

" frameborder="0">

تأثيرات ملموسة

تمنح هذه الصيغة إسرائيل سلطة واسعة على الموارد المالية الفلسطينية، ما يؤدي إلى ما يلي:

تقييد السيولة النقدية: أيّ تأخير في تحويل الأموال يعرقل دفع الرواتب وتمويل المشاريع الأساسية. تعطيل الاستثمارات: المستثمرون، سواء المحليون أو الأجانب، يتحفظون على ضخ الأموال في بيئة اقتصادية غير مستقرة، وفي ظل غياب السيطرة الفلسطينية الكاملة على الموارد. إضعاف القدرة على الاستفادة من المنح الدولية: حتى مع اعترافات متزايدة بالدولة الفلسطينية، يظل جزء كبير من العوائد مقيدا بالقواعد الإسرائيلية، ما يقلل من أثر التمويلات الجديدة على الاقتصاد المحلي.

رصيد سياسي اقتصادي

من منظور إسرائيلي وتحليلي، يعزز الاعتراف الدولي الشرعية الفلسطينية، ويمنح الدولة الفلسطينية وضعا قانونيا يمكنها من توقيع اتفاقيات تجارية وجذب الاستثمارات.

إعلان

ويسهم تثبيت الوضع القانوني لدولة فلسطين في خفض مخاطر المستثمرين، ويقلل كذلك من "مخاطر السيادة" التي كانت تعيق دخول الأسواق الفلسطينية، ما يعني فتح أبواب التمويل الدولي.

ويمكن للاعتراف بفلسطين تحويل المساعدات الدولية من دعم مؤقت مشروط إلى التزامات تنموية مستقرة، كما يتيح أدوات تمويل جديدة مثل القروض التنموية والسندات الخضراء، وبرامج الدعم الدولي إذ تتعامل المؤسسات الدولية عادة مع دول معترف بها قانونيا.

ويرى الكاتب والمحرر تاني غولدشتاين من موقع "زمان يسرائيل" أن أي حل سياسي للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يتجاهل الواقع الاقتصادي المعقد.

ولفت إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يدار بالشيكل، ويستورد ويصدّر عبر إسرائيل، ويعتمد على العمالة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي، ما جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعا بالكامل لإسرائيل، أو كما يصفه غولدشتاين: "اقتصاد واحد لشعبين".

ويشير غولدشتاين إلى أن أي سيناريو مستقبلي، سواء بقيام دولة فلسطينية مستقلة أو بضم الأراضي وإعادة توطين السكان أو حتى بإقامة اتحاد فدرالي مشترك، سيواجه صعوبات في التطبيق بسبب التعقيدات السياسية والبيروقراطية والفجوة الكبيرة في مستوى المعيشة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

تبعية مستمرة

من جهته، يوضح البروفيسور أرييه أرنون، أستاذ الاقتصاد في جامعة بن غوريون وباحث في معهد ترومان، أن التبعية الاقتصادية بدأت منذ حرب الأيام الستة (1967).

وبعد الحرب، يقول أرنون "كان ثمة نقاش بين يغال ألون وموشيه ديان حول مستقبل الأراضي"، وفضّل ألون إبقاءها مرتبطة بالأردن والتعامل بالدينار، بينما نجح ديان في دمجها في الاقتصاد الإسرائيلي، ما سمح للفلسطينيين بالعمل بحرية داخل إسرائيل بأعداد كبيرة.

ورغم الفصل الجزئي لاحقا، يضيف أرنون "بقيت السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة".

ويسأل أرنون "إذا كان الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بالكامل على إسرائيل، وكانت الأخيرة تدير الجمارك والتجارة والتوظيف نيابة عن الفلسطينيين، ألا تقع على عاتق إسرائيل مسؤولية توفير شبكة أمان اجتماعي واقتصادي لهم؟" ويضيف أن هذا الأمر يطرح تحديا كبيرا لأي خطة سياسية أو اقتصادية مستقبلية.

مأزق قانوني واقتصادي

سلّطت المحررة في موقع "غلوبس" الاقتصادي الإسرائيلي، أوريا بار مئير، الضوء على تداعيات الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين، معتبرة أنه يتجاوز الرمزية ليصبح رصيدا قانونيا وسياسيا واقتصاديا عمليا.

وأوضحت أنه من الناحية القانونية، أن الاعتراف يجعل إسرائيل محتلة لأرض ذات سيادة فلسطينية، وهو ما يخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويعزز حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويتيح لدول أخرى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الانتهاكات المحتملة.

وعلى الصعيد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، ترى مئير أن الاعتراف يعزز علاقات فلسطين الدولية، بما في ذلك فتح سفارات والاستفادة من الحصانة الدبلوماسية والقانونية، كما يتيح للفلسطينيين استدعاء مراقبين دوليين للضفة الغربية واستخدام المجال الجوي والمياه الإقليمية لغزة والضفة الغربية بشكل قانوني.

إعلان

وأشارت إلى أن هذه الاعترافات توفر أدوات ضغط إستراتيجية على إسرائيل، وتزيد من قدرة الفلسطينيين على المشاركة في المنصات الدولية واتخاذ مواقف سياسية واقتصادية أكثر قوة، قائلة إن "الاعتراف الدولي لا يغير الواقع الاقتصادي فوريا"، لكنه يشكل رأس مال دبلوماسيا وقانونيا يمكن تحويله إلى نفوذ سياسي وإستراتيجي على المدى المتوسط والطويل.

الحدود الواقعية للتأثير الاقتصادي

على الرغم من هذه الإنجازات والاستحقاق بالاعتراف الدولي بفلسطين، يبقى الواقع على الأرض معقدا؛ فحركة الأموال والتجارة تخضع لسيطرة إسرائيل على المعابر، ما يضعف أثر أي اعتراف دولي فوري على الاقتصاد المحلي الفلسطيني.

كما أن الضغط على ميزانية السلطة يؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر، وذلك رغم الاعترافات الدولية ومظاهر الدعم الخارجي، بينما الاستثمارات والمساعدات قد تتراكم على المدى الطويل، لكنها تتطلب سياسات داخلية وإصلاحات إدارية فلسطينية لتعظيم الاستفادة.

ومن شأن اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على التدفقات المالية الإسرائيلية أن يجعل أي نمو اقتصادي هشا، خصوصا في ظل القيود على حركة الأموال التي تحد من قدرة فلسطين على توسيع صادراتها أو استيراد المواد الأساسية بأسعار تنافسية.

" frameborder="0">

ضغط على بروتوكول باريس

تراكم الاعترافات الدولية يمكن أن يكون ورقة ضغط فعالة لإعادة التفاوض على قيود بروتوكول باريس، بما يسمح، بفك الاعتماد المباشر للاقتصاد الفلسطيني على إسرائيل، ما يعزز الاستقلال المالي والتجاري لفلسطين.

ويعتبر الاعتراف الدولي خطوة مهمة نحو السيادة الاقتصادية، ويسهم كذلك بتوسيع قدرة فلسطين على التحكم بالموارد المالية والتجارية، وخلق فرص حقيقية لتطوير الاقتصاد المحلي وفتح الأسواق الدولية أمام المنتجات الفلسطينية.

ورغم التعقيدات على الأرض، يمثل الاعتراف الدولي بفلسطين رأس مال سياسيا اقتصاديا يمكن استثماره لتجاوز القيود التي يفرضها بروتوكول باريس.

ويكمن التحدي الحقيقي في ربط هذا الرصيد بسياسات اقتصادية عملية، تعزز الإنتاج الفلسطيني المحلي، توسّع الأسواق، وتجذب الاستثمارات، لتتحول فلسطين من وضع "سلطة اقتصادية محدودة" إلى دولة مستقلة اقتصاديا قادرة على صياغة قواعد لعبة خاصة.

0 تعليق