اقتصاد العمل المرن صعود - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يشهد سوق العمل في المملكة تحولاً جذرياً نحو نماذج عمل أكثر مرونة، مدفوعاً بمتغيرات اجتماعية واقتصادية وتقنية. يمثل اقتصاد العمل الحر والاقتصاد التشاركي صعوداً لنموذج عمل يتمحور حول الاستقلالية والمرونة في تحديد ساعات العمل واختيار المشاريع.

تتجلى ديناميكية هذا القطاع في الأرقام الرسمية التي وثقت نموه الهائل. فقد وصل عدد المسجلين على المنصة الرسمية للعمل الحر إلى أكثر من 2.25 مليون سعودي حتى أواخر عام 2024. وتجاوزت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة حوالي 72.5 مليار ريال سعودي في عام 2023، ما يعادل نحو 2 % من الناتج المحلي الإجمالي. إن القوة الدافعة لهذا القطاع هي الشباب السعودي المتعلم؛ حيث يشير تحليل البيانات إلى أن 62 % من العاملين في هذا المجال يحملون شهادات جامعية، ومعظمهم تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً.

وثيقة العمل الحر

تُعتبر «وثيقة العمل الحر» إحدى أهم المبادرات الحكومية لتنظيم هذا القطاع. هذه الوثيقة، التي تُصدر مجاناً، تمنح العاملين المستقلين شرعية قانونية لممارسة أنشطتهم دون الحاجة إلى سجل تجاري. ومن أبرز مزاياها إمكانية فتح حساب بنكي تجاري خاص بالنشاط، والتسجيل الاختياري في التأمينات الاجتماعية، والقدرة على إصدار فواتير رسمية للتعامل مع الجهات الحكومية والخاصة. ولكن من المهم ملاحظة أن الوثيقة لا تغني عن السجل التجاري في حالة ممارسة أنشطة تجارية على أرض الواقع.

في المقابل، يمثل «نظام العمل المرن» نموذجاً تعاقدياً مختلفاً. يُحدد هذا النظام الأجر على أساس الساعة، ويقتصر على المواطنين السعوديين فقط. ورغم أنه يوفر مرونة كبيرة للعامل، إلا أنه لا يمنحه حقوقاً وظيفية تقليدية مثل الإجازات المدفوعة الأجر أو مكافأة نهاية الخدمة. كما يضع النظام حداً أقصى لساعات العمل الشهرية لا يتجاوز 95 ساعة لدى صاحب عمل واحد.

رافعة اقتصادية

إن صعود اقتصاد العمل الحر يمثل فرصة لتحويل شريحة كبيرة من العمالة غير الرسمية إلى قوة اقتصادية منظمة ومرئية. ففي عام 2019، كانت نسبة كبيرة من القوى العاملة تعمل بشكل غير رسمي. وبإتاحة وثيقة العمل الحر مجاناً وتوفير مزايا عملية مثل التمويل والخدمات الرقمية، لم يقتصر الأمر على تنظيم السوق، بل أسهم أيضاً في دمج هذه الفئات اقتصادياً ومالياً. هذا الدمج لم يزد فقط من الناتج المحلي الإجمالي، بل أتاح للمرصد الوطني للعمل جمع بيانات دقيقة عن هذه الفئة، مما سيمكّن الجهات الحكومية من اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل.

هذا التحول يفرض أيضاً «تحدياً وجودياً» على نموذج الوظيفة التقليدية. فلم يعد الاستقرار الوظيفي هو الأولوية القصوى لعديد من الشباب، الذين يفضلون المرونة والدخل الإضافي على الالتزام الكامل بوظيفة ثابتة. هذا التغير الثقافي العميق يضغط على الشركات لإعادة التفكير في عقود العمل، ويدفعها نحو نماذج عمل هجينة تعتمد على العاملين المستقلين والموظفين التقليديين، وهو ما يعكس أن هذا التحول ليس مجرد موضة عابرة، بل هو تغيير هيكلي دائم.

الذكاء الاصطناعي والمهارات المستقبلية

يمثل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي القوة الدافعة والشرط الأساسي للنجاح ففي ظل التطور التقني السريع، أصبح الذكاء الاصطناعي عاملاً مؤثراً بشكل كبير، حيث تشير التقديرات إلى أنه قد يؤثر على ما يصل إلى 40 % من الوظائف حول العالم، مما يستدعي إعادة تقييم شاملة للمهام الروتينية والميكانيكية واستبدالها بالأساليب التكنولوجية الحديثة.

وفي المقابل، فإن الذكاء الاصطناعي يسهم في خلق وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة. وقد بدأت المملكة في استقطاب وتوليد هذه الوظائف في قطاعات حيوية. ومن أبرز الوظائف المستقبلية التي يتزايد عليها الطلب في السعودية: عالم البيانات، ومهندس الأمن السيبراني، ومطور البرمجيات، ومهندس تعلم الآلة. هذه الوظائف لا تقتصر على قطاع تكنولوجيا المعلومات، بل تتسع لتشمل قطاعات أخرى مثل الطاقة المستدامة، والواقع الافتراضي والمعزز، وحتى إدارة الشبكات.

التحول الرقمي

لم يكن النمو السريع في قطاع العمل الحر ليتحقق دون وجود بنية تحتية رقمية قوية. وقد استثمرت الحكومة في التحول الرقمي للخدمات الحكومية من خلال منصات مثل «أبشر». هذا التحول أسهم في خفض التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 25 % في بعض القطاعات، كما مكّن من إطلاق خدمات رقمية متكاملة مثل إصدار وثيقة العمل الحر إلكترونياً بالكامل وتوثيق عقود العمل عن بعد عبر بوابات إلكترونية.

هيكل جديد للعمل

إن التطورات التقنية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد «أداة» تضاف إلى العمل، بل هو «هيكل» جديد يعيد بناء طبيعة المهام والوظائف. لم يعد التحدي هو استبدال الموظف، بل هو تمكينه من التعاون مع الذكاء الاصطناعي لأداء مهام أكثر تعقيداً وذات قيمة أعلى. هذا يتطلب من الأفراد تبني ثقافة التعلم المستمر واكتساب المهارات الناعمة (مثل التواصل الفعال وحل المشكلات) التي تزداد أهميتها في بيئة العمل المستقبلية.

كما أن التحول الرقمي يعد شرطاً مسبقاً لنمو الاقتصاد المرن. فمن دون البنية التحتية الرقمية القوية التي استثمرت فيها المملكة، ما كان يمكن لمنصات العمل التشاركي مثل «مرسول» و«جاهز» أن تنمو وتزدهر، ولا كان بالإمكان تنظيمها وإضفاء الشرعية عليها عبر بوابات حكومية إلكترونية. هذا الترابط يؤكد أن الرقمنة هي المحور المُمكّن للبعدين الآخرين في المشهد الثلاثي الأبعاد.

الاقتصاد المرن في السعودية:

2.25 مليون

عدد العاملين المستقلين المسجلين على منصة العمل الحر الرسمية حتى أواخر 2024.

72.5 مليار ريال

قيمة مساهمة قطاع العمل المرن في الناتج المحلي عام 2023.

2 % من الناتج المحلي

62 %

نسبة العاملين المستقلين من حملة الشهادات الجامعية.

25-34 سنة

الفئة العمرية التي تشكل غالبية العاملين في هذا القطاع.

المحفزات الرقمية

«وثيقة العمل الحر»

الميزة الرئيسية: تمنح العاملين شرعية قانونية دون الحاجة إلى سجل تجاري.

«منصة أبشر»

وفورات تشغيلية: أسهمت في خفض التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 25% في بعض القطاعات

تأثير التكنولوجيا

تأثير الذكاء الاصطناعي:

40 % من الوظائف العالمية قد تتأثر بالذكاء الاصطناعي.

وظائف جديدة: زيادة الطلب على وظائف مثل علماء البيانات ومهندسي الأمن السيبراني.

التحول الرقمي:

صعود منصات أسهمت في نمو اقتصاد العمل المرن.


0 تعليق