Published On 26/9/202526/9/2025
|آخر تحديث: 23:20 (توقيت مكة)آخر تحديث: 23:20 (توقيت مكة)
لم يكن العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة 9 سبتمبر/أيلول 2025 مجرد حلقة جديدة في سلسلة المواجهات المتكررة بين إسرائيل والقوى الإقليمية. فهذه المرة كان العدوان على مدينة خليجية تُوصَف منذ عقدين بأنها "العاصمة الوسيطة"، وهو العدوان الإسرائيلي الأول على أي هدف في الخليج على الإطلاق.
من هنا، فإن الهدف لم يكن فقط وفد حركة "حماس" المقيم في أحد أحياء الدوحة، بل كان هدف العدوان هو فكرة الوساطة العربية، وتجريم بيئتها الحاضنة، وبهذا الفعل، كسرت إسرائيل "تابو" سياسيا وأمنيا ظل قائما في قواعد الاشتباك غير المعلنة.
وهذا ما وضع المجتمع الدولي أمام سؤال غير مسبوق: كيف يمكن بناء نظام أمني أو تسويات سياسية إذا كان الوسطاء أنفسهم عرضة للقصف والتدمير؟
كان رد فعل الدوحة إستراتيجيا وليس انفعاليا أو دفاعيا فقط. فقد تحولت العاصمة القطرية في غضون أيام إلى منصة حشد دبلوماسي غير مسبوق عبر استضافة القمة العربية-الإسلامية الطارئة في 15 سبتمبر/أيلول.
وقد أدان البيان الختامي للقمة الهجوم بشدة، واعتبره تهديدا مباشرا للسلم الإقليمي، وأعاد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، ورفض أي مسار تطبيع لا يقوم على دولة فلسطينية مستقلة. لكن الأهم من البيان كان المشهد السياسي ذاته، حيث جمعت الدوحة تحت سقف واحد أطرافا متباعدة.
وبهذا، تحولت "المدينة المستهدَفة" إلى "العاصمة الجامعة"، مما أكسبها شرعية إضافية كوسيط لا غنى عنه. كما التقط مجلس التعاون الخليجي اللحظة بدوره، فأعلن عزمه تفعيل آليات الدفاع المشترك؛ ما يعكس إدراكًا دبلوماسيًا بأن استهداف الدوحة يفتح الباب أمام استهداف بقية العواصم الخليجية، مثل الرياض، وأبوظبي، والكويت.
دفعت الضربة الإسرائيلية باتجاه إعادة تعريف الأمن الخليجي من أمن محلي دفاعي إلى أمن إقليمي ردعي، يقوم على الإنذار المبكر وتبادل المعلومات وتكامل القواعد الدفاعية. فقد أدركت دول الخليج أن المظلة الأميركية قد تكون هشة، مما دفع بعضها إلى التفكير في تنويع شراكاتها الدفاعية.
إعلان
ومن الأهداف المحتملة للضربة أيضا إخراج قيادة حركة حماس، وتغيير سياسات قناة الجزيرة في تغطية الحرب على غزة، ولذا، تبدو الضربة كعقوبة لقطر على مواقفها السياسية.
كما سعت الضربة إلى تحجيم نفوذ النشاط القطري في الولايات المتحدة وأوروبا، الذي تتهمه إسرائيل بتغذية تنامي معاداة السامية بعد الحرب على غزة.
لكن قطر خرجت من الأزمة أكثر صلابة. فبدلا من أن تُحشر في زاوية الضحية، قدّمت نفسها كعاصمة ردع سياسي، تحولت من هدف إلى مرجع.
وهذا ما يفسر الحراك الدبلوماسي الذي شهدته الأيام التالية للعدوان الإسرائيلي، إذ استقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قيادات عربية وغربية بارزة، ونجح في تحويل التعاطف الدولي إلى نقاش عملي حول حماية الوسطاء.
وأطلق العدوان نقاشا دوليا في الأمم المتحدة حول ضرورة إدخال "أمن الوسطاء" كبند جديد على جدول الأمن الدولي، على غرار حصانة البعثات الأممية. ولم تؤدِ الضربة إلى توسيع مسار التطبيع، بل على العكس، كبّلته ورفعت من كلفته السياسية.
الدرس المستفاد من الضربة هو أن الوساطة أصبحت جزءا من معادلة الردع الإقليمي، وأن محاولة معاقبة الوسيط قد تؤدي إلى نظام أمني بديل يضع إسرائيل في عزلة أكبر.
وبالمجمل، يمكن القول إن ما بعد العدوان على الدوحة ليس كما قبلها، فقد فتح العدوان بابا لنقاش غير مسبوق حول قواعد الصراع، وارتد العدوان على إسرائيل نفسها، حيث لم تُضعف دور قطر بل عززته، ولم تردع الوسطاء بل دفعتهم إلى المطالبة بحمايتهم دوليا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
0 تعليق