Published On 29/9/202529/9/2025
|آخر تحديث: 18:00 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:00 (توقيت مكة)
منذ عقود، ظلت الرياضيات مادة يهابها الطلاب أكثر من غيرها، بل لا تكاد تجد صفا دراسيا إلا وتسمع فيه شكوى من صعوبة الأرقام والمعادلات، أو جملة مثل "أنا لست جيدا في الرياضيات".
هذا الخوف ليس دائما انعكاسا لحقيقة الرياضيات نفسها، بل نتيجة خرافات ومفاهيم مغلوطة انتشرت عبر الأجيال. في هذه المادة، نسلّط الضوء على عشر من أكثر هذه الخرافات شيوعا، ونكشف الحقيقة وراءها.

الرياضيات للأذكياء فقط
كثيرون يعتقدون أن التفوق في الرياضيات "موهبة فطرية" لا يملكها إلا قلة. لكن الدراسات التربوية تؤكد أن النجاح في الرياضيات يعتمد أساسا على التدرّب المستمر والصبر، تماما كما نتعلم لغة جديدة أو نتقن آلة موسيقية.
الذكاء يساعد لا شك في الرياضيات، هذا شيء لا ينكره أحد، لكن المثابرة هي العامل الحاسم باتفاق المتخصصين في هذا النطاق.
من لا يفهم الفكرة فورا لن يفهمها أبدا
هذه خرافة شائعة تزرع الإحباط. الرياضيات بطبيعتها تراكمية، إذ إن الفهم يأتي على مراحل، وأحيانا بعد محاولات متكررة، والواقع أن كثيرا من العلماء والمهندسين الذين تركوا بصماتهم في التاريخ اعترفوا بأنهم تعثروا مرارا قبل أن يلمع الحل في أذهانهم.

الآلات الحاسبة جعلت الرياضيات بلا فائدة
في عصر التكنولوجيا، يرى بعض الطلاب أن وجود الآلة الحاسبة والحاسوب يغني عن تعلم الحساب. لكن الحقيقة أن الرياضيات ليست مجرد عمليات حسابية، بل هي لغة التفكير المنطقي وحل المشكلات. الآلة الحاسبة تجري الحساب، لكن لا تفسر العلاقات، ولا تستنتج النتائج.
من جانب آخر، فإن التكنولوجيا تفتح الباب لصعوبات أعقد، بمعنى أن الآلة الحاسبة جنبتك الحسابات البسيطة، ليس لكي ترتاح، بل لكي تنتقل لحسابات أصعب تصبح الآلة الحاسبة جزءا منها.
الأولاد أفضل من البنات في الرياضيات
رغم انتشار هذا الاعتقاد، فإن الأبحاث العلمية تثبت أن الفروق بين الجنسين في الرياضيات شبه معدومة. الفارق الحقيقي يكمن في التوقعات الاجتماعية والثقافية التي قد تشجّع الذكور وتثبط الإناث، مما ينعكس على الثقة بالنفس أكثر من انعكاسه على القدرة.

مادة مملة لا علاقة لها بالحياة
من المطبخ إلى السوق، ومن الهاتف الذكي إلى الإنترنت، ستجد أن الرياضيات حاضرة في كل تفاصيل حياتنا، في تصميم الجسور، ومعالجة الصور، وتحديد مواقع السيارات على خرائط "جي بي إس"، وحتى خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تقوم على أسس رياضية. الملل لا يأتي من الرياضيات ذاتها، بل من طريقة تدريسها أحيانا.
إعلان
والواقع أن الأمر يتخطى ذلك، فالتمرس في الرياضيات يعطي حياتك بعدا من التفكير السليم المبني على المنطق والحسابات، مما قد يحميك من أسر الوقوع في فخ الخرافات في بعض الأحيان.
السرعة تعني التفوق
في الامتحانات غالبا ما يُكافأ من يجيب بسرعة، مما خلق صورة خاطئة: أن المتفوق في الرياضيات هو الأسرع، لكن الواقع أن التفكير العميق يحتاج وقتا، والبطء أحيانا علامة على بحث حقيقي وفهم أعمق.
بل في العالم المعاصر، حيث تكون السرعة هي السمة الرئيسية ومن ثم تنتشر السطحية، يكون التأني عملة ذهبية، تعطيك الوقت للتعلم والتفكر بعمق لتحقيق دراسة أوسع لأي موقف، الرياضيات كممارسة متأنية تساعدك في تلك النقطة.

الأخطاء دليل ضعف
كثير من الطلاب يشعرون بالإحباط لمجرد ارتكاب خطأ. لكن في العلم عامة، والرياضيات خاصة، الأخطاء هي جزء أساسي من التعلم. مراجعة الخطأ وفهم سببه قد يفتحان بابا لفهم أوسع وأدق.
الرياضيات مجرد حفظ صيغ ومعادلات
صحيح أن هناك صيغا يجب معرفتها، لكن جوهر الرياضيات هو الفهم والتطبيق. الطالب الذي يحفظ دون فهم سرعان ما ينسى، لأن أي تغيير بسيط يربك حفظه.
أما من يفهم الأساسيات، فيملك القدرة على إعادة بناء القوانين من البداية، بل وابتكار طرق بديلة للحل. لهذا نجد أن علماء الرياضيات عبر التاريخ لم يكتفوا بحفظ المعادلات، بل كانوا يشتقونها بأنفسهم من مبادئ أعمق.

لا يحتاجها إلا من يريد أن يكون عالما أو مهندسا
في الواقع، المهارات الرياضية أساسية في مجالات عديدة مثل الاقتصاد وعلم البيانات والطب وعلم النفس وحتى الصحافة. فالقدرة على قراءة الإحصاءات وفهم النسب هي مهارة حياتية لا مهنية فقط.
من كان "ضعيفا في الرياضيات" سيبقى كذلك للأبد
هذه أخطر الخرافات. علم الأعصاب التربوي أظهر بوضوح أن الدماغ يمتلك خاصية اللدونة العصبية، أي القدرة على إعادة تشكيل الروابط بين الخلايا العصبية باستمرار مع الممارسة والتجربة.
هذا يعني أن تعلم الرياضيات أو تحسين المستوى فيها ممكن في أي مرحلة عمرية، شرط توفر بيئة تعليمية مشجعة وممارسة منتظمة.
هذه الخرافة تحوّل الرياضيات من مادة قابلة للتعلّم إلى هوية ثابتة: إما أن تكون متقنا للرياضيات بالفطرة أو لا، وهذه الفكرة تغلق الباب أمام آلاف الطلاب الذين قد يبدعون لو منحوا أنفسهم فرصة ثانية.
في النهاية، فالرياضيات ليست سجنا للأرقام، بل أفقا للتفكير النقدي والإبداعي. وبمجرد أن نتحرر من هذه الخرافات السالفة الذكر، يصبح الطريق إلى التميز فيها مفتوحا للجميع.
الطلاب الذين يتجاوزون حاجز الخوف ويعاملون الأخطاء كجزء من التعلم، غالبا ما يكتشفون أن الرياضيات ليست "وحشا" غامضا، بل أداة لفهم العالم وتنظيمه.
0 تعليق