عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

قد يظن البعض أن العزف على آلة موسيقية مجرد هواية مرتبطة بمرحلة الطفولة، أو موهبة حصرية لمن وُلدوا بها. لكن الحقيقة مختلفة تماما؛ فتعلم الموسيقى في أي عمر، حتى في المراحل المتأخرة من الحياة، لا يمنح متعة إبداعية فحسب، بل يعد وسيلة فعالة للحفاظ على صحة الدماغ ونشاطه.

في هذا السياق، يوضح الدكتور ستيفن ألدر، استشاري طب الأعصاب بلندن، أن تعلم العزف يحفّز مناطق حيوية في الدماغ، ويساعد على تحسين المزاج، ويدعم القدرات الإدراكية على المدى الطويل. رسالته واضحة: البدء ممكن في أي وقت، ولم يفت الأوان بعد.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

سواء كنت تستعيد شغفا قديما أو تجرب شيئا جديدا كليا، يبقى تعلم الموسيقى أحد أذكى الاستثمارات في صحة دماغك، والأكثر متعة أيضا.

يقوّي الذاكرة

يُعتبر تعلم العزف على آلة موسيقية وسيلة فعّالة لتعزيز الذاكرة حتى في المراحل المتأخرة من العمر.

ويوضح الدكتور ألدر: "عندما نتعلم الموسيقى، ينخرط الدماغ في سلسلة من العمليات المعقدة مثل قراءة النوتة الموسيقية، تنسيق الحركات، واستدعاء الألحان. هذه الأنشطة تدعم الشبكات العصبية المسؤولة عن الذاكرة والانتباه".

ومثلما يقوي التمرين الجسد، فإن الممارسة المتكررة للعزف تعزز هذه الروابط العصبية، مما يحسّن الذاكرة قصيرة المدى والاستدعاء طويل الأمد. وتشير الأبحاث إلى أن الموسيقيين غالبا ما يتمتعون بذاكرة لفظية أفضل وقدرة أعلى على التكيف العقلي، ما يجعل أدمغتهم أكثر مقاومة للتراجع المعرفي مع التقدم في العمر.

يعزز المرونة العصبية

يقول ألدر: "تعلم آلة موسيقية بعد سن الـ60 يحفّز إنشاء روابط عصبية جديدة ويقوّي الروابط الموجودة بالفعل. فكل درس يتطلب تنسيقا حركيا، ومعالجة سمعية، وحل مشكلات، ما يجبر الدماغ على إعادة برمجة نفسه باستمرار".

هذا التحدي المتكرر يحافظ على مرونة التفكير، وهي مهارة حيوية كلما تقدمنا في السن. ومن خلال دعم المرونة العصبية، يصبح تعلم الموسيقى أداة قوية لإبقاء الدماغ نشطا، قادرا على التكيف، وأكثر استعدادا لمواجهة التغيرات المرتبطة بالشيخوخة.

يحسّن اللغة والقدرة على الاستماع

تتشارك الموسيقى واللغة مسارات عصبية متداخلة في الدماغ، خصوصا تلك المسؤولة عن المعالجة السمعية والإيقاع.

إعلان

ويوضح الدكتور ألدر: "تعلم العزف على آلة موسيقية يدرب الدماغ على التمييز بدقة بين النغمة، والطبقة، والتوقيت، وهو ما ينعكس إيجابا على مهارات الاستماع وإدراك الكلام".

وبالنسبة لكبار السن، قد يعني ذلك وضوحا أكبر في التواصل، حتى في البيئات المزدحمة. كما أن التدريب الموسيقي يعزز الروابط بين مراكز السمع واللغة، وهذا يساعد على الاحتفاظ بالمفردات وتحسين معالجة الكلمات المنطوقة.

يعزز المزاج والصحة العاطفية

يترك تعلم الموسيقى أثرا ملحوظا على الصحة النفسية والعاطفية. يقول ألدر: "العزف يحفّز إفراز الدوبامين والإندورفين، وهما هرمونات مرتبطة بالمتعة والتحفيز، كما يخفّض مستويات الكورتيزول المسؤول عن التوتر، ما يقلل من القلق والتشنج".

الممارسة الموسيقية تتطلب تركيزا ويقظة ذهنية، وهو ما يصرف الانتباه عن الضغوط اليومية ويعزز الاسترخاء. كما يوفر العزف فرصة للتواصل الاجتماعي، وهو عامل إضافي لتحسين المزاج. وبالنتيجة، يسهم تعلم آلة موسيقية في دعم الصحة العقلية ورفع مستوى الرضا عن الحياة.

يفعّل الوظائف التنفيذية

تُعتبر الوظائف التنفيذية مثل التخطيط، والانتباه، وحل المشكلات، وضبط النفس من المهارات الأساسية التي يحفّزها تعلم الموسيقى.

ويوضح الدكتور ألدر: "العزف على آلة موسيقية يتطلب تركيزا على النوتة، وتنسيقا دقيقا بين اليدين، توقع النغمة التالية والتكيف معها في اللحظة ذاتها".

ومع الممارسة المستمرة، تتحسن القدرة على التركيز، وتزداد المرونة الذهنية، ويتطور اتخاذ القرار. وهي جميعها مهارات حيوية للحفاظ على الاستقلالية والتكيف مع التحديات في مراحل العمر المتقدمة.

ينشّط مناطق متعددة في الدماغ

يحفّز تعلم الموسيقى عدة مناطق دماغية في الوقت نفسه. يقول ألدر: "القشرة الحركية تتحكم في حركة الأصابع، والقشرة السمعية تعالج الأصوات، والحُصين يدعم الذاكرة، بينما يضبط المخيخ التوقيت والتنسيق. في الوقت ذاته، تتفاعل المراكز العاطفية مثل اللوزة والجهاز الحوفي مع المشاعر والمعنى الذي تحمله الموسيقى".

هذا التنشيط المتكامل يجعل من الموسيقى نشاطا استثنائيا يجمع بين القدرات المعرفية والحركية والعاطفية، وهو ما يفسر دورها الفريد في تعزيز صحة الدماغ والحفاظ على حيويته على المدى الطويل.

قد يقلل من خطر الإصابة بالخرف

رغم أنه لا توجد وسيلة مضمونة للوقاية من الخرف، إلا أن تعلم العزف على آلة موسيقية قد يساعد في تقليل احتمالية الإصابة به.

يوضح الدكتور ألدر: "التحفيز الذهني عبر الموسيقى يبني ما يُعرف بالاحتياطي المعرفي، أي قدرة الدماغ على مقاومة التدهور المرتبط بالعمر. ومع تقوية الشبكات العصبية وتعزيز المرونة الدماغية، يصبح العقل أكثر قدرة على التكيف حتى عند ظهور بوادر الخرف".

ولا يقتصر الأمر على الجانب المعرفي فقط؛ فالموسيقى تدعم صحة الدماغ أيضا من خلال فوائدها العاطفية مثل تقليل التوتر وتحسين المزاج. وبجمع هذه العوامل، يمكن اعتبار تعلم الموسيقى في سن متأخرة إستراتيجية وقائية ثمينة للحفاظ على حيوية الدماغ.

0 تعليق