في إحدى قاعات غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الرباط، يجلس عدد من سائقي سيارات الأجرة يتابعون باهتمام دروس اللغة الإنجليزية التي تقدمها الأستاذة فاطمة الزهراء هديدي.
وبنبرة مشجعة، تبدأ المعلمة بمحادثة تعارفية فردية مع كل سائق على التوالي، ليردّوا عليها بحماس، في مشهد يعكس رغبتهم الجادة في خوض تجربة غير مألوفة: العودة إلى مقاعد الدراسة.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listوقد انطلق هؤلاء السائقون منذ يونيو/حزيران الماضي في تعلم اللغة الإنجليزية ضمن مبادرة أطلقتها ولاية جهة الرباط سلا القنيطرة بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة والخدمات، وذلك في إطار استعدادات العاصمة المغربية لاحتضان كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.
يصف عبد الرزاق البوحيدي، سائق سيارة أجرة صغيرة، هذه التجربة قائلا "لم أتوقع يوما أنني سأجلس مجددا أمام السبورة، لكنني اليوم أشعر أنني اكتسبت أداة جديدة للتواصل مع السياح، وأصبحت أنظر إلى مهنتي بشكل مختلف." وهي شهادة تختصر أثر المبادرة التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات وتعزيز صورة البلد أمام زواره.
البوحيدي، الذي يمارس هذه المهنة منذ 4 سنوات، التحق بدورة اللغة الإنجليزية منذ انطلاقها، ويواظب على حضور جميع الحصص، على أمل أن يساعده هذا الالتزام في كسر حاجز اللغة الذي طالما حال دون تواصل فعّال مع السياح الأجانب في العاصمة.
ويضيف "عندما بدأت العمل في هذه المهنة، أدركت حاجتي إلى تعلم الإنجليزية للتعامل مع الزوار الأجانب. وحين أُعلن عن هذه المبادرة انخرطت فيها بحماس، وخلال فترة قصيرة تمكنت من تطوير مهاراتي اللغوية".

تحسّن في خدمات النقل
تستهدف هذه المبادرة تدريب أكثر من 22 ألف سائق سيارة أجرة في العاصمة، مع خطط لتوسيعها لاحقا لتشمل التجار والعاملين في الملاعب والمواقع الحيوية، بهدف تلبية احتياجات الزوار الأجانب ورفع مستوى جودة الخدمات المقدمة.
إعلان
ويغطي البرنامج محاور عملية تشمل إتقان المحادثات اليومية، مساعدة الزبائن في الوصول إلى وجهاتهم، شرح الأسعار، والإجابة عن الأسئلة المتكررة من السياح، إضافة إلى طرق التعامل مع مواقف متنوعة قد يواجهها السائقون.
وتتكفل غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالرباط بتوفير المواد التعليمية والأدوات اللازمة لضمان جودة التدريب وفعاليته، حيث يقدَّم التكوين مجانا عبر مركزين: الأول في العاصمة والثاني في القنيطرة.
وتوضح الأستاذة فاطمة الزهراء هديدي، المشرفة على التكوين، أن المشاركين ينتمون إلى خلفيات تعليمية وأعمار مختلفة، مشيرة إلى أن بعضهم لم يسبق له دخول المدرسة. وتضيف أن هؤلاء شعروا في البداية بشيء من التردد والخوف من حضور الدروس، لكنهم سرعان ما تخطوا تلك الحواجز النفسية واندفعوا للمشاركة بجدية
وأضافت للجزيرة نت أنها عملت منذ الحصة الأولى على تحفيزهم على التعلم واستبعاد هذه الحواجز، وهو ما لقي تجاوبا كبيرا، إذ انسجم السائقون في الحصص وأصبح حضور الدروس والمداومة عليها جزءا من برنامجهم الأسبوعي.
حماس للتعلم
بدأت المبادرة منذ 3 أشهر، وانتشرت أخبارها بين السائقين، يحفز بعضهم البعض للحضور والاستفادة يشجعهم على ذلك النتائج التي لمسوها في أنفسهم بعدما أصبحوا في هذه المدة الوجيزة قادرين على تركيب جمل بالإنجليزية وإجراء محادثات قصيرة بها.
تقول فاطمة الزهراء" تحقق تغيير كبير في هذه المدة، خاصة وأن الأمر يتعلق بلغة ليست لهم بها معرفة سابقة، على عكس اللغة الفرنسية التي تعد جزءا من الثقافة المغربية".
تركز الأستاذة على المحادثات الشفوية، وتضع السائقين في مواقف ووضعيات يعيشونها في ممارستهم المهنية اليومية وتعلمهم كيفية التواصل باللغة الإنجليزية بأسلوب مهذب ولبق.
وتحرص على أن يكون التعلم مسليا، لذلك توظف في الحصة الواحدة أنشطة متنوعة مثل الألعاب الذهنية والقراءة والمسرحيات ووضعيات المحادثة.
تقول "هدفي أن يحب المتعلم اللغة، لأن حبها هو أول طريق للتعلم. كما أن الأستاذ إذا كان إيجابيا ومحفزا ويسعى للتجديد في أساليبه، فإنه يجعل المتعلم يُقبل على اللغة بشغف".
ويرى محمد النويني عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمهنيي ومهنيات سيارات الأجرة أن سائق سيارة الأجرة هو مرآة مدينته، وقدرته على التواصل مع الزبائن من مختلف دول العالم سيساعده على تقديم صورة إيجابية عن مدينته وبلده.
وأضاف في حديث مع الجزيرة نت "سائق سيارات الأجرة لا ينحصر دوره في إيصال الزبائن بل يتعداه الى توجيههم الى المواقع السياحية والأثرية في مدينته وتعريفهم بها لذلك يحتاج الى اللغة الإنجليزية لإيصال معلومات ذلك إلى الأجانب".
وأوضح أنه سيتم أيضا تنظيم دورات تواصلية مع كل السائقين لتكوينهم على قواعد التواصل الإيجابي مع الزوار وحسن التعامل لترك أثر طيب لدى الزوار سواء في منافسات كأس أفريقيا وكأس العالم أم في التعامل مع السياح الأجانب المتوافدين بشكل متزايد على المملكة.
من جانبه، نوه الخبير السياحي الزبير بوحوت بهذه المبادرة، معتبرا في حديث مع الجزيرة نت أنها ستفيد السائقين في التعامل مع أفواج السياح الذين سيزورون البلاد.
إعلان
وأكد المتحدث أن توفير البنية التحتية والمرافق وحدها لا تكفي، بل ينبغي أيضا تكوين الإنسان في فن التواصل، داعيا إلى تعميم هذه التجربة على باقي المدن السياحية تحت إشراف السلطات وتنسيق مع مؤسسات التكوين والجامعات والجمعيات.
تجربة تطوعية
شهدت مدينة الدار البيضاء قبل سنوات مبادرات تطوعية لتعليم اللغة الإنجليزية لسائقي سيارات الأجرة بمختلف أصنافها، أطلقتها اتحادات نقابية بهدف تطوير مهارات أعضائها.
وأوضح محمد عياط، المنسق الجهوي للنقابة الوطنية لقطاع سيارات الأجرة بجهة الدار البيضاء، أنهم نظموا خلال سنتي 2023 و2024 حصصا لتعليم اللغة الإنجليزية بمقر النقابة، وقد لاقت تجاوبا واستحسانا من السائقين المهنيين. وأضاف أن نقابة أخرى أطلقت مبادرة مماثلة لا تزال مستمرة، مشيرا في تصريحه لـ"الجزيرة نت" إلى أن بعض النقابيين اقترحوا على السلطات المحلية تبني التجربة وتعميمها، عبر فتح أبواب الجامعات في عطلة نهاية الأسبوع أمام السائقين للتكوين في اللغة الإنجليزية.

وقال عياط "البلاد مقبلة على استحقاقات رياضية عالمية، وستستقبل ملايين الزوار الأجانب، إلى جانب الانتعاش الذي يشهده القطاع السياحي مؤخرا، وهو ما يجعل الحاجة ملحة لتعليم السائقين لغة عالمية تسهّل التواصل مع السياح وتضمن لهم خدمة نقل في أفضل الظروف."
وتمنح هذه المبادرات سائقي الأجرة، المعتادين على صخب الشوارع، فرصة للعودة إلى مقاعد الدراسة والانفتاح على آفاق جديدة من التواصل. ومع اقتراب موعد كأس العالم، يظل الرهان قائما على توسيع مثل هذه التجارب لتشمل فئات مهنية أخرى، بما يضمن للزائر تجربة متكاملة تعكس حفاوة الاستقبال وعمق الانفتاح الثقافي الذي يميز المغرب.
0 تعليق