كتب يوسف الشايب:
في أمسية امتزج فيها لحن العود عميق الشجن بالكلمة الصادقة، احتضنت قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، الفنان والموسيقي إياد ستيتي ضمن سلسلة ندوات "مبدع في حضرة درويش"، مساء أول من أمس.
أدار الحوار الإعلامي إيهاب الجريري، الذي استهل اللقاء بربطه بالواقع الأليم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، مذكراً بأن هذه الأمسية تأتي في اليوم الـ724 لحرب الإبادة على قطاع غزة، مؤكداً أن الفلسطيني، ورغم كل محاولات الطمس والتهجير، يحاول دائماً "اجتراح الأمل واجتراح الحياة"، موضحاً أن الفن والثقافة كانا ولا يزالان أدوات أساسية في هذه المواجهة للحفاظ على الهوية والرواية الفلسطينية.
وحول دور الفنان في ظل حرب الإبادة، وصف إياد ستيتي الأمر بأنه "أصعب شيء على الفنان"، مضيفاً: "كموسيقي لست محظوظاً لأن أعيش في زمن إبادة شعبي"، ومع ذلك، أكد ستيتي أن الموسيقى تصبح ضرورة ووسيلة للتعبير، قائلاً إن الفنان في خضم هذا الواقع "ينتج شمساً أو ضوءاً ليوثق هذه الحالة".
واعتبر ستيتي أن الموسيقى هي أفضل طريقة للتواصل مع العالم، لأنها تعبر عن "نبض قلب الشعب الفلسطيني" وتوصل قضيته التي هي "جوهر القضية الإنسانية في العالم".
وبين فقرات الحوار، قدم ستيتي مقطوعات موسيقية على عوده، بدأها بعزف منفرد شجي، ثم قدم مقطوعات معروفة مثل "زهرة المدائن" و"جواهر زرقاء"، التي قال إنها تحسسه بإنسانيته وقادرة على "ترقيص الروح".
استعرض ستيتي رحلته الشخصية مع الموسيقى، التي بدأت في عمر الثانية عشرة عندما بدأ بتعليم نفسه العزف على العود، كما تحدث عن تأثره الكبير بألحان مارسيل خليفة وقصائد محمود درويش، بالإضافة إلى أعمال الشيخ إمام وزياد الرحباني وفيروز، التي شكلت وعيه الفني المبكر.
وشكلت تجربة الفنان إياد ستيتي مع "فرقة الشعلة" محطة تأسيسية في مسيرته الفنية والوطنية، خاصة أنه انضم إليها في عمر 13 عاماً، خاصة أنها لم تكن مجرد تجمع موسيقي، إنمّا وسيلة للتعبير عن الحالة الوطنية والتفاعل معها، فقد تأسست الفرقة في سياق انتفاضة الحجارة، وقدمت في البداية أغنيات الفنان وليد عبد السلام كـ"نزلنا ع الشوارع"، وغيرها، وأغنيات مارسيل خليفة، قبل الانتقال إلى مرحلة إنتاج أغانيهم الخاصة، مثل أغنية "جيب المعول وجيب الفاس".
وروى قصة تأسيس جمعية الكمنجاتي، التي كان أحد أعضائها المؤسسين، وكيف بدأت الفكرة مع الفنان رمزي أبو رضوان في فرنسا، بهدف إيصال الموسيقى للأطفال في المخيمات "الذين يشبهونه"، متطرقاً إلى الحادثة الأليمة لحرق مقر الجمعية في جنين، مستذكراً ردة فعل رمزي الذي قال ببقة وهدوء: "احتراق الغابة يزيدها خصوبة".
وكانت تجربة إياد ستيتي الأكاديمية في جامعة بيرزيت نقطة تحول مهمة في مسيرته، وتحدث عنها بتفصيل في الحوار، قائلاً: جاءت الفرصة في العام 2016 من خلال مبادرة من جامعة بيرزيت، وتحديداً من الدكتور مجدي المالكي، حيث قررت الجامعة تأسيس كلية للموسيقى والفنون، واختارت مجموعة من الفنانين الفلسطينيين الفاعلين والمنتجين في الساحة الفنية لتقدم لهم منحة للحصول على شهادة البكالوريوس، وكنت واحداً منهم.
وصف ستيتي العودة للدراسة في عمر 45 عاماً بالتجربة الصعبة والمهمة في آن واحد، مشيراً إلى أن هذه التجربة الأكاديمية كانت بمثابة "ضابط" لمسيرته الفنية، بحيث لم تكن محض سنوات دراسيّة لتحصيل شهادة، بل عملية صقل وتنظيم لكل خبراته السابقة، ووضعتها في إطار منهجي واحترافي، وهو ما اعتبره إنجازاً يوازي كل ما تعلمه في مسيرته الطويلة قبلها.
وكشف ستيتي، في اختتام الحوارية، عن حلمه بتنفيذ مشروع موسيقي لتكريم الفنان اللبناني زكي ناصيف على أرض فلسطين، بهدف تسليط الضوء على الدور الذي لعبه الفنان الفلسطيني صبري الشريف، في دعمه وتقديمه للعالم.
0 تعليق