في عالم يزداد اضطرابا وتوترا، ومع اشتعال صراعات جديدة من أوكرانيا إلى بحر البلطيق، تدخل صناعة الحرب العالمية مرحلة غير مسبوقة تقودها شركات ناشئة تعتمد الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الرقمية، في مسار يعيد رسم ملامح القوة العسكرية ويغيّر قواعد اللعبة التي حكمت سوق الدفاع عقودا طويلة من الزمن.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة نيويورك تايمز أن تريليونات الدولارات التي تنفقها الحكومات تحسبا لعصر من الحروب عالية التقنية في عالم أكثر قابلية للاشتعال، دفعت أوروبا إلى البحث عن أساليب جديدة لتحديث ترساناتها.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listوعزت هذا التوجه بشكل خاص إلى إفراط روسيا في استخدام الطائرات المسيّرة لقصف أوكرانيا واختبار صلابة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
" frameborder="0">
جيل جديد من الشركات
وأشارت الصحيفة في تقرير لمراسلتها باتريشيا كوهين، إلى بروز جيل جديد من الشركات الناشئة تجاوز النموذج التقليدي التي كانت الدول تبني بها ترساناتها العسكرية.
وأوضحت أن تلك الشركات لم تعد تنتظر تمويلا حكوميا أو عقودا عسكرية طويلة، بل يعتمد المستثمرون فيها على أموالهم الخاصة لتسريع البحث والتطوير وإنتاج النماذج الأولية على أمل أن يأتي المشترون لاحقا.
ويصف غوندبرت شيرف، المستشار السابق في وزارة الدفاع الألمانية وأحد مؤسسي شركة هلسينغ الدفاعية الناشئة، هذا التحول بأنه "ثورة كبيرة في صناعة الدفاع" و"نموذج أعمال مختلف تماما".
تحديثات متسارعة
ووفقا للصحيفة، فقد بدأت هلسينغ التي تتخذ من ميونيخ الألمانية مقرا لها، بإمداد أوكرانيا بطائرات مسيّرة ثم تحديثها كل بضعة أسابيع لمواكبة التغيرات في التكنولوجيا والاستراتيجية، حيث بلغت قيمتها السوقية الآن 12 مليار يورو، ما يجعلها من أكبر الشركات الناشئة في أوروبا.
ويفيد التقرير الإخباري أن هذا النهج التنافسي الجديد "من الأسفل إلى الأعلى" يَعِد بابتكارات أسرع وأكثر كفاءة، لكنه لا يخلو من المخاطر.
إعلان
فالأولوية الأولى للمستثمرين هي الربح، وهو ما قد يتعارض مع الأهداف الأمنية والاستراتيجية للدول، كما أن هناك مخاوف من تضخيم المجمع الصناعي العسكري وإساءة استخدام التكنولوجيا المتقدمة.
الحرب في أوكرانيا كانت نقطة التحول الكبرى، حيث أدخلت شركات أميركية مثل (سبيس إكس) و(بالانتير) منذ مطلع الألفية عقلية وادي السيليكون في الابتكار والمخاطرة إلى عالم الدفاع.
أوكرانيا نقطة التحول
تُظهر تقديرات شركة ماكينزي أن الاستثمارات في الشركات الدفاعية المرتبطة برأس المال المُخاطِر قفزت عالميا إلى 31 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 33% عن العام السابق، في حين تضاعفت الاستثمارات في الشركات الدفاعية الأوروبية 5 مرات بين عامي 2021 و2024 مقارنة بالسنوات الثلاث التي سبقتها.
واعتبرت نيويورك تايمز أن الحرب في أوكرانيا كانت هي نقطة التحول الكبرى، حيث أدخلت شركات أميركية مثل (سبيس إكس) و(بالانتير) منذ مطلع الألفية عقلية وادي السيليكون في الابتكار والمخاطرة إلى عالم الدفاع.
لكنها ترى أن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 عجّل بانتقال هذا النموذج إلى أوروبا. ونقلت في هذا الصدد عن تورستن رايل، أحد مؤسسي شركة هلسينغ، القول: "في السابق، لم يكن أي مستثمر أوروبي في رأس المال المخاطِر مهتما بالدفاع… أما الآن، فالجميع يريد الاستثمار فيه".
وأضافت الصحيفة أن هذا التغيير طال شركات قديمة أيضا، مثل "يورو أطلس" الألمانية التي كانت تبيع أنظمة طاقة للغواصات قبل أن تعيد توجيه نشاطها لتطوير مركبات تحت الماء ذاتية التشغيل لمراقبة كابلات الاتصالات الحيوية.
" frameborder="0">
صراصير التجسس الإلكترونية
كما أدى الغزو الروسي وتراجع دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأوروبا إلى زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، وقادت ألمانيا الموجة الجديدة من الشركات الناشئة، من بينها هلسينغ و (إيه آر إكس روبوتيكس)، و (سورم بيوتاكتيكس)، التي تطوّر روبوتات تجسس صغيرة الحجم تشبه الصراصير لجمع المعلومات في المواقع الوعرة.
وبحسب التقرير الإخباري، يرى محللون أن هذه الشركات تقدم حلولا أكثر مرونة وسرعة من عمالقة الصناعات الدفاعية التقليدية التي تستغرق سنوات أو عقودا لتطوير أنظمة مثل المقاتلة الأميركية (إف-35) التي بدأ العمل عليها عام 1995 ولم تدخل الإنتاج حتى 2006.
أما الشركات الناشئة – مثل شركة (سارونيك تكنولوجيز)- فتتحرك بوتيرة مختلفة، وتبني سفنا غير مأهولة بتمويلها الخاص.
وتمضي نيويورك تايمز إلى القول إن هذه الشركة تنوي إطلاق سفينتها (مارودر) بطول 150 قدما في ديسمبر/كانون الأول المقبل، كما أعلنت الحكومة البريطانية أن (سارونيك تكنولوجيز) ستستثمر 50 مليون دولار في منشأة إنتاج جديدة في مدينة بورتسموث جنوب شرقي إنجلترا.
" frameborder="0">
مقاتلات وقوارب ذاتية القيادة
كما تشهد بريطانيا أيضا صعود شركات مثل (كامبريدج إيروسبيس) المتخصصة في أنظمة اعتراض الطائرات المسيّرة، وشركة (كراكن تكنولوجي)، التي تنتج قوارب ذاتية القيادة قابلة للتخصيص تُستخدم في المراقبة والبحث والإنقاذ، بأسعار منخفضة تصل إلى 250 ألف دولار للقارب الواحد. وقال مؤسسها مال كريس: "بَنينا نموذجا أوليا في 10 أسابيع ويمكننا إنتاج قارب خلال يومين فقط".
أما شركة هلسينغ، فإن تقرير نيويورك تايمز يسلط الضوء على توسعها بشكل كبير في شراء شركة الطائرات الألمانية (غروب)، وتطوير برامج ذكاء اصطناعي تنسّق مهام الاستطلاع وتنفّذ الحرب الإلكترونية، كما تعمل على تصنيع غواصات صغيرة وطائرات مسيّرة هجومية.
إعلان
وقد أعلنت الشركة مؤخرا أنها ستنتج مقاتلتها غير المأهولة -التي تطلق عليها اسم (سي إيه- أوروبا (CA-1 Europaفي منشأة (غروب) قرب مدينة ميونيخ، وتتوقع أن تكون جاهزة لتنفيذ المهام خلال 4 سنوات.
وكشفت الصحيفة الأميركية عن إجراء الشركة تجربة قتالية في مركز تدريب بميونيخ، أظهرت قدرة نظام الذكاء الاصطناعي (سنتور) على اتخاذ 10 قرارات في الثانية وإسقاط طائرتين يقودهما طياران بشريان في محاكاة لمعركة عسكرية. ويقول تورستن رايل: "عليك أن تشرع بتطوير هذه الأنظمة قبل أن تبدأ الحكومة في تمويلها".
وقال مؤسسو هلسينغ وعدة شركات دفاعية ناشئة أخرى إن العديد من المستثمرين الذين انضموا إلى هذه الموجة من التحولات لم يكونوا يدركون فعليا ما يتطلبه النجاح في هذا المجال.
فالنجاح في هذا المجال -كما تستنتج نيويورك تايمز- لا يتوقف على التكنولوجيا وحدها، ذلك لأن عددا محدودا من الشركات الناشئة تملك الخبرة في التعامل مع الإجراءات الحكومية المتعلقة بالمشتريات.
وفي هذا الصدد، تنقل الصحيفة عن كريس سيلفان، مؤسس شركة كامبريدج إيروسبيس القول: "البيع للحكومة أمر صعب، لكن ينبغي أن يكون كذلك. فهذه أموال دافعي الضرائب."
0 تعليق