حقيقة مذنّب ضخم يتجه نحو الأرض وعلاقته باجتماع الجنرالات الأميركيين - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انتشرت خلال الساعات الماضية موجة من القلق على منصات التواصل الاجتماعي، بعد تداول ادعاءات تفيد باقتراب مذنّب ضخم من كوكب الأرض واحتمال اصطدامه بها، وهو ما اعتبره مستخدمون "تهديدا وجوديا" للبشرية.

وتصدرت هذه المزاعم وسوما عدة، وحصدت آلاف التفاعلات التي تراوحت بين التحذير والسخرية.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

وتنوّعت النقاشات بين الخوف والترقب، حيث أعرب عدد من المستخدمين عن قلقهم من العواقب المحتملة لهذا "الحدث الفلكي" المفترض، في حين انهالت تساؤلات حول قدرة وكالات الفضاء الدولية على تجنيب الأرض خطر الاصطدام، وإمكانية استخدام تقنيات حديثة لصرف مسار المذنّب.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل ذهب آخرون إلى ربط الادعاءات بمعلومات غير مؤكدة عن "تحركات عسكرية" وتنسيق دولي سري للتصدي للمذنب قبل وصوله إلى الغلاف الجوي، مما ضاعف نسبة الفزع.

في ظل هذه الأجواء المربكة، أجرى فريق "الجزيرة تحقق" تدقيقا علميا أوليا لمصادر الرصد الفلكي وبيانات وكالات الفضاء، للكشف عن حقيقة هذه المزاعم وتحديد ما إذا كان هناك أي أساس علمي يدعمها.

بداية القصة

بدأت جذور الادعاءات في الانتشار عقب نشر موقع "نيويورك بوست" الأميركي بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول الماضي خبرا بعنوان مثير "مذنّب ضخم يتجه نحونا أكبر مما كان يُعتقد سابقا، وقد يكون تكنولوجيا فضائية".

وقد اعتمد العنوان على صياغة مثيرة للجدل، مزجت بين الحقائق العلمية والتكهنات غير المدعومة، مما أتاح بيئة خصبة لتحويل الخبر إلى مادة مثالية للانتشار.

وسرعان ما التقط مستخدمون على منصات التواصل -خاصة على منصة إكس- صورة الخبر، واستغلوه للترويج لمزاعم تتجاوز ما ورد في النص الأصلي، كان من أبرزهم حساب باسم "ستيفن غرين ستريت"، الذي كتب تعليقا مثيرا "يقول العلماء إن مركبة فضائية ضخمة تتجه نحو الأرض لماذا لا يتحدث المزيد من الناس عن هذا الأمر؟".

 

كما برز حساب آخر باسم "Dr. Disclosure"، المعروف بترويجه لنظريات المؤامرة المتعلقة بالكائنات الفضائية والأسرار العسكرية، حيث أعاد نشر خبر نيويورك بوست مضيفا تعليقا "لهذا السبب يجتمع جميع الجنرالات"، في إشارة إلى الاجتماع الذي عقده وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث مع قيادات عسكرية في 30 سبتمبر/أيلول الماضي.

إعلان

وقدم الحساب الاجتماع على أنه "دليل" على وجود تهديد وشيك من المذنّب المزعوم، وحظي منشوره بأكثر من 500 ألف مشاهدة، مما عزز من حجم التفاعل مع المزاعم، وساهم في تضخيم القلق لدى جمهور واسع من المتابعين الذين تلقوا الرسالة باعتبارها "معلومة مسربة" تكشف ما تحاول الحكومات إخفاءه.

وشارك حساب باسم "ريتشارد روبر" مخاوفه قائلا: يقال إن مذنّبا ضخما يندفع نحو الأرض بسرعة 130 ألف ميل في الساعة! هل يمكننا إيقافه؟ قيل لي إن هناك مهمتين قيد الإعداد، إحداهما تضم ​​"طاقم المسيح" المختار خصيصا، والأخرى تضم فرقتين، تعرفان بفريق الحرية وفريق الاستقلال هذا ما حصل.

مسبار فضائي

تطورت الادعاءات عبر حسابات أخرى عبر منصة "إكس"، بأن الجسم المرصود ليس مذنّبا، بل مركبة فضائية تتجه نحو الأرض.

ونشر حساب يحمل اسم "اللورد بيبو" تصريحات نسبها إلى الفيزيائي الأميركي ميتشيو كاكو، مفادها أن "الجسم قد يكون مسبارا فضائيا أُرسل إلى الأرض لتنفيذ مهمة استطلاعية، وربما لأغراض عدائية".

وأرفق صاحب الحساب صورة من مقابلة تلفزيونية للفيزيائي مع عنوان مثير "إنه يتجه مباشرة نحو الأرض"، مما أسهم في انتشار المنشور بشكل واسع، حيث تجاوزت مشاهداته 275 ألف مشاهدة وحصد عشرات التعليقات.

وفي السياق نفسه، روج حساب آخر باسم "أجواء علم الفلك" عبر منصة "إكس" للفكرة ذاتها، مشيرا إلى أنه "في حين يتفق معظم العلماء على أن الجسم على الأرجح مجرد مذنّب غريب، ترى بعض الأصوات الجريئة أنه قد يكون شيئا يتجاوز ذلك، ربما مسبارا هندسيا من حضارة أخرى"، من دون أن يقدم أي دليل يدعم هذه الفرضية.

الحقيقة

أجرى فريق "الجزيرة تحقق" بحثا موسعا حول الادعاءات المتداولة للتأكد مما إذا كان هناك بالفعل تهديد فلكي وشيك لكوكب الأرض، أو ما إذا كانت المزاعم عن "مسبار فضائي بمهمة عدائية" ذات أساس علمي.

إعلان

وأظهر التدقيق أن الجسم محل الجدل هو مذنّب يحمل اسم "أطلس آي 3 سي/2025 " (ATLAS C/2025 I3) رُصد لأول مرة في 1 يوليو/تموز 2025 بواسطة تلسكوب أطلس المموّل من وكالة ناسا الأميركية.

وبحسب بيانات ناسا، فإن المذنّب قادم من خارج النظام الشمسي، ويُعد من "الأجرام العابرة" (Interstellar Objects) التي تُكتشف بين الحين والآخر.

وقد أكدت الوكالة بوضوح أن المذنّب لا يشكل أي تهديد على الأرض، إذ إن أقرب مسافة سيبلغها من كوكبنا تقدر بحوالي 270 مليون كيلومتر.

واعتبرت "ناسا" أن المذنّب سيوفر لعلمائها والمركبات الفضائية فرصة نادرة لدراسته بين النجوم أثناء مروره عبر النظام الشمسي.

مسار المذنب
مسار المذنّب "أطلس/ آي 3" داخل النظام الشمسي (ناسا)

 

كما نفت وكالة الفضاء الأوروبية، تشكيل المذنّب أي تهديد على كوكب الأرض أو أي كواكب أخرى في النظام الشمسي، موضحة أن المسافة بين الأرض والمذنّب تقدّر بما يزيد عن ضِعف المسافة بين الأرض والشمس ونصف الضِّعف.

وأوضح تلسكوب "هابل" التابع للوكالة، أن المذنّب يسير في النظام الشمسي بسرعة تقارب 210 ألف كيلومتر في الساعة، وتعتبر هذه أعلى سرعة مسجلة على الإطلاق لزائر في النظام الشمسي.

كما تحقق فريقنا من التصريحات المتداولة على نطاق واسع والمنسوبة إلى عالم الفيزياء الأميركي ميتشيو كاكو، والتي زعم فيها أنه وصف المذنّب بأنه "قد يكون مسبارا فضائيا".

وبعد مراجعة المصادر الموثوق بها والأرشيف الإعلامي، لم نعثر على أي تسجيل أو تصريح رسمي يؤكد نسبة هذه العبارة إليه.

وتبين أن الصورة التي روجت للمقابلة التلفزيونية المزعومة جرى اقتطاعها من لقاء سابق أُجري مع كاكو على قناة "نيشن نيوز" الأميركية بتاريخ 20 فبراير/شباط الماضي، أي قبل أكثر من 4 أشهر من اكتشاف المذنّب "أطلس/آي 3" في يوليو/تموز 2025.

كما أظهرت المقارنة البصرية أن الصورة أُخضعت لتعديلات رقمية أُضيفت خلالها عناوين ملفقة ومضللة، لتبدو وكأنها حديثة ومرتبطة بالمزاعم المتداولة.

ووفق بيانات نشرتها وكالة ناسا، فإن المذنّب "أطلس/آي 3" سيواصل رحلته داخل النظام الشمسي خلال الأسابيع المقبلة، ليصل إلى أقرب نقطة له من الشمس في 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

وتشير التقديرات الفلكية إلى أن المسافة التي سيبلغها آنذاك ستكون في حدود 210 ملايين كيلومتر، أي داخل مدار كوكب المريخ مباشرة، وهو ما يجعله أقرب إلى الشمس بكثير من الأرض.

0 تعليق