وقف تيك توك التحويلات إلى لبنان يفاقم الأزمة المالية لصانعي المحتوى - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بيروت- في خطوة أثارت جدلا واسعا بين صانعي المحتوى والشباب اللبنانيين، أوقفت منصة "تيك توك" عمليات تحويل الأموال إلى لبنان، لتجمد بذلك مصدر دخل أساسي لعشرات الآلاف ممن كانوا يعتمدون على عائدات البث المباشر والهدايا المالية الافتراضية التي يرسلها المتابعون.

القرار المفاجئ جاء في وقت يقدر فيه عدد مستخدمي "تيك توك" في لبنان بأكثر من 3 ملايين، بينهم شريحة واسعة وجدت في المنصة متنفسا إبداعيا وموردا ماليا بديلا وسط الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من 4 سنوات.

توقيف التحويلات المالية يرتبط مباشرة بتصنيف لبنان على "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي  (FATF)، وهي لائحة تُدرج الدول التي تعاني من ثغرات في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا التصنيف يعني أن أي تحويل مالي من لبنان أو إليه يخضع لتدقيق استثنائي وتشديد مصرفي عالمي، خشية استخدام تلك القنوات في عمليات مشبوهة كالاتجار بالسلاح والمخدرات أو تمويل جماعات غير شرعية.

ولأن سقف السحب من "تيك توك" يصل إلى 50 ألف دولار في بعض الحالات، فإن الشركة تجد نفسها أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية في حال استُغلت منصتها لتحريك أموال بطرق غير قانونية.

ضربة لصانعي المحتوى

يقول أحمد، وهو شاب لبناني في العشرينيات اعتاد جني مئات الدولارات شهريا من  البث المباشر على تيك توك "كنا نعتبر أن هذه العائدات نوع من الأوكسجين وسط الغلاء والبطالة، اليوم قطعوا عنا هذا الشريان".

ويضيف أن كثيرين من أصدقائه الذين تفرغوا لصناعة المحتوى يعيشون حالة ارتباك بعد القرار، إذ لم يعد لديهم ضمانة للحصول على عائد من بثهم المباشر.

بالنسبة لهؤلاء، لم تكن "تيك توك" مجرد منصة ترفيهية، بل وسيلة لتجاوز انسداد الأفق الاقتصادي في بلد تجاوزت فيه نسب البطالة بين الشباب 40%.

SUQIAN, CHINA - SEPTEMBER 26, 2025 - An illustration photo shows TikTok logo in Suqian City, Jiangsu Province, China on September 26, 2025. (Photo credit should read CFOTO/Future Publishing via Getty Images)
تيك توك تحول إلى مصدر دخل لعدد من البنانيين في ظل ارتفاع البطالة (غيتي إيميجز)

انعكاسات اقتصادية واجتماعية

يضيف القرار عبئا جديدا على الاقتصاد اللبناني المنهك أصلا، ويحرم آلاف الأسر من مورد مالي -ولو متواضع- كان يساهم في تخفيف الضغط، كما أنه يعمّق الشعور بالعزلة الرقمية والمالية إذ لم يعد من السهل على اللبنانيين الاستفادة من منصات عالمية بالشكل الذي يجري في دول أخرى.

إعلان

وقال خبراء للجزيرة نت إن "هذا الإجراء قد يدفع بعض المستخدمين إلى البحث عن طرق التفاف عبر وسطاء خارجيين أو حسابات في دول أخرى، وهو ما قد يفتح الباب أمام ممارسات غير آمنة أو عمليات احتيال جديدة".

أزمة تتجاوز "تيك توك"

في الجوهر، تكشف هذه القضية كيف تنعكس صورة لبنان المالية والسياسية على حياة الناس اليومية، فالتصنيف على اللائحة الرمادية لا يبقى حبرًا على ورق في تقارير دولية بل يترجم مباشرة في قيود على التحويلات، وصعوبات في التعامل مع المصارف والشركات العالمية، وصولا إلى تعطيل مصادر رزق بسيطة لشباب وجدوا في العالم الرقمي نافذة أمل.

ويصف الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب في حديث مع الجزيرة نت المسألة بأنها "حساسة للغاية"، خصوصاً مع معاناة اللبنانيين الشديدة من شحّ المداخيل، ويضيف أنّه منذ نحو عقدٍ أو أقلّ بقليل تحوّلت منصة "تيك توك" تدريجياً إلى مصدر دخل لعدد من المراهقين والشباب الذين يملكون جماهير واسعة على وسائل التواصل، إذ تقوم المنصة بتحويل مبالغ مالية إلى أصحاب هذه الحسابات.

ويوضح منذ انهيار الاقتصاد يعيش لبنان حالة اقتصاد نقدي لها تبعات سلبية كبيرة، من أبرزها إمكانية أن يصبح هذا الاقتصاد قناة لـ"تمويل الإرهاب والأنشطة غير المشروعة وتبييض الأموال الناتجة عن المخدرات وتجارة السلاح والاتجار بالبشر وبيع الأعضاء البشرية".

ويضيف أبو دياب أن هذه المخاطر كانت من العوامل التي أدت إلى إدراج لبنان، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي على "اللائحة الرمادية"، وفي مارس/آذار من العام الجاري أُضيف أيضاً إلى قوائم أوروبية أكثر تشدّداً لدى جهات محددة.

ويشير الخبير إلى أن من الأسباب الرئيسة لإدراج لبنان في هذه القوائم "الاقتصاد النقدي والتحويلات غير المعلومة المصدر"، ومع مراقبة نشاط المنصات الرقمية مثل "تيك توك" تظهر تدفقات دخل إلى أفراد لا تتضح مصادرها الحقيقية ما يثير قلق الجهات الرقابية.

ويضيف " في ظل هذه التعقيدات المالية والنقدية والأزمة الاقتصادية العامة تحاول المصارف والحكومة اللبنانية تشديد الرقابة والإجراءات لمعرفة مصادر الأموال المحوَّلة عبر هذه القنوات، إذ تثار شبهات بصلتها بعمليات تبييض أموال وتمويل أنشطة غير مشروعة".

FILE PHOTO: Teenagers pose for a photo while holding smartphones in front of a TikTok logo in this illustration taken September 11, 2025. REUTERS/Dado Ruvic/Illustration/File Photo
يعتقد الخبراء أن قرار تيك توك وقف التحويلات سيضيف عبئا جديدا على الاقتصاد اللبناني المنهك (رويترز)

ويوضح أبو دياب أن وزارة العدل كلفت لجنة متخصّصة لدراسة السبل القانونية والقضائية والإجرائية اللازمة للخروج من "اللائحة الرمادية" تمهيداً لتجنّب إدراج البلاد في قوائم أكثر صرامة.

 

يقول الخبير الاقتصادي إن "بعض اللبنانيين الذين يتلقّون عائدات من "تيك توك" بدأوا بالاعتماد على أقارب في الخارج لسحب هذه الأموال وتحويلها عبر شركات التحويل المالي بصورة غير مباشرة، ما يعقّد عملية تتبّعها ويزيد من مخاطر استغلالها لأغراض غير قانونية.

تدفقات متوقفة

من جانبه، يقول خبير الاقتصاد وأسواق المال الدكتور عماد عكوش "للجزيرة نت" إن قرار تعطيل تحويلات تيك توك إلى لبنان "يترك آثارا فورية ومتعدّدة الأبعاد على مبدعي المحتوى الذين اعتمدوا على المنصة كمصدر دخل"، ويوضح أن هؤلاء سيواجهون فجأة انقطاعا في مصدر دخل يومي كان يشكل جزءا مهما من مواردهم لا سيما الأموال المتحصلة من الهدايا خلال البث المباشر.

إعلان

ويضيف عكوش أن التداعيات لا تقتصر على الدخل المباشر فحسب، بل تشمل المصاريف التشغيلية اليومية من أجور مساعدين، وتجهيز المحتوى، وتكاليف الإنتاج والتنقّل، ما يخفض أداءهم أو يوقف نشاط بعضهم تماما.

ويلفت الخبير إلى جانب نفسي للإجراء، فالكثير من صانعي المحتوى قد يشعرون بانعدام الأمان المهني ما يدفعهم إلى إعادة تشكيل نماذج عملهم نحو محتوى أقل اعتمادا على "الهدايا" وربما إلى البحث عن رعايات أو تعاون مع علامات تجارية، لكن هذا التحول غالبا ما يكون أقل استقرارا ويتطلب شبكة علاقات قوية لا تتوافر لدى الجميع.

ويشير عكوش إلى مخاطر مالية وقانونية تظهر عندما تصبح قنوات السحب الرسمية مغلقة، فقد يلجأ بعض المستخدمين إلى طرق غير مرخصة أو تحويلات "مظلمة"، ما يعرضهم لمخاطر قانونية وإشكالات متعلقة بالتحويلات غير الموثّقة.

وبالنسبة لحجم التدفقات المالية من تيك توك إلى لبنان وعدد المستفيدين، يقول عكوش إن "لا بيانات عامة دقيقة محددة حتى الآن"، ومع ذلك يمكن استنتاج أرقام تقريبية، فلبنان يضم مئات الآلاف من المستخدمين النشطين على تيك توك، ويُقدّر بعض المصادر عدد المستخدمين بين 3 و4 ملايين، وبافتراض دخل سنوي وسطي لصانع محتوى متوسط المستوى يتراوح بين 1000 و5000 دولار، فإن التدفق الإجمالي قد يتراوح -نظريا- بين 10 و250 مليون دولار حال تواجد 10 إلى 50 ألف مستفيد.

ويشدد على أن هذا تقدير تقريبي للغاية لأن الفروقات بين المؤثر الكبير والصغير واسعة وتعتمد على التفاعل وعدد المتابعين ولغة المحتوى ونوع الجمهور.

ويشير المتحدث ذاته إلى أن لهذه الإجراءات انعكاسات قد تمتد إلى سمعة النظام المالي اللبناني وقدرته على جذب تحويلات رقمية مستقبلية، فقراءة القيود على أنها مؤشر ضعف في الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد تضعف ثقة المؤسسات المالية الأجنبية والمحولين الرقميين، ما قد يرفع تكاليف التحويل ويطيل إجراءات الفحص، ويحفّز بدوره الانتقال إلى قنوات غير رسمية تزيد من مخاطر الغموض المالي.

0 تعليق