محاولات اغتيال الرئيس قيس سعيد حقيقة أم بيع للأوهام؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

تونس- في حوار حديث، أعاد رئيس الحكومة التونسي الأسبق هشام المشيشي فتح جدل سابق حول موضوع الأمن الشخصي للرئيس قيس سعيد، مؤكدا أنه "لم يكن هناك أي مؤشر، لا من قريب ولا من بعيد، على وجود محاولة لاغتياله". ووصف ما روج له الرئيس سابقا بشأن محاولات استهدافه بأنها "محاولة لإيهام التونسيين بذلك بسبب محاربته للفساد".

الحوار الذي بثته منصة البودكاست "أثير" التابعة لشبكة الجزيرة فتح من جديد ملف التدابير الاستثنائية التي أعلنها سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، وهي اللحظة التي شكلت منعطفا حاسما في مسار الانتقال الديمقراطي بعد الثورة، بعد عزل حكومة المشيشي وتجميد البرلمان وحل المجلس الأعلى للقضاء وغيرها من الهيئات الدستورية، والزج بعشرات المعارضين في السجن.

ولم يختلف عدد من السياسيين في تونس مع تصريحات المشيشي، معتبرين ما قاله مجرد تأكيد لمحاولات سعيد التأثير على الرأي العام من خلال تكرار روايات حول محاولات لاغتياله. لكن ورغم خطورة ما روّج له، لم تظهر نتائج أي تحقيق رسمي، كما لم يجر الإعلان عن متهمين أو تقديم أدلة تثبت صحة تلك الادعاءات، وفق تعبيرهم.

الظرف المسموم

وعاد المشيشي في حواره إلى بعض التفاصيل المتعلقة بمحاولات الاغتيال وذكّر بحادثة محاولة اغتيال الرئيس من خلال "ظرف مسموم"، التي أثارت ضجة عام 2021 بعدما أعلنت مديرة ديوانه السابقة نادية عكاشة أنها هي من تلقت الظرف في القصر الرئاسي. علما أنها هاجرت إلى فرنسا وحكم عليها غيابيا بـ33 سجنا فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة 2.

واعتبر المشيشي أن الحادثة ليست إلا مثالا واحدا على روايات متكررة ومحاولات غامضة لاستهداف الرئيس، ظلّت حاضرة في خطاباته دون أي أثر ملموس على أرض الواقع أو متابعة قضائية جادة. وأكد أنه تم إجراء جميع الاختبارات الفنية حول بقايا الظرف المسموم الذي ادعت عكاشة بأن حالتها الصحية تعكرت حين فتحته آنذاك وأنها مزقته بالآلة، لكن لم "يكن هناك أي أثر لأية مادة سامة أو غير سامة".

إعلان

ووفق عدد من المعارضين والنشطاء، فإن المسألة ليست مجرد روايات واختلاقات فحسب وإنما إستراتيجية متعمدة لصناعة صورة الرئيس كضحية يواجه مؤامرات كبرى لأنه يكافح الفساد ويكشف شبكات خفية. هذه السردية، حسب تقديرهم، ساهمت في توجيه الأنظار بعيدا عن الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت منذ 2021 وبناء مشهد سياسي يقوم على التخويف وإقصاء الخصوم.

من جانبه، توقف الناشط السياسي وأستاذ القانون عبد الوهاب معطر عند تصريحات المشيشي، معتبرا أنها "تذكّر بوقائع عبثية ظل الرئيس سعيد يروج لها". وقال إن النيابة العمومية حفظت الملف فيما يتعلق بمحاولات الاغتيال ولم تحرّك ساكنا.

تغطية للفشل

وصرح معطر للجزيرة نت بأن تمسّك سعيد بتلك الروايات رغم فراغها يعكس رغبة واضحة في تحريك الرأي العام لصالحه. وبأنه يتصرف "كما لو أنه مبعوث من السماء، ومستهدف لأنه رجل عظيم يحارب الفساد". لكن الواقع، وفقا له، يكشف العكس تماما، "فما جرى لم يكن سوى عملية صناعة أوهام وبيعها للرأي العام. وقد تحوّل هذا السلوك إلى حالة عبثية تجر البلاد إلى متاهة سياسية، بدل أن توفر لها حلولا اقتصادية واجتماعية ملموسة".

وبرأيه، فإن هذه الروايات "سمحت للرئيس بخلق حالة استنفار اجتماعي وهمية، وكأن اغتياله وشيك في أي لحظة. ومن خلالها حاول أن يستمد مشروعية متجددة رغم الفشل الذريع الذي لاحقه في الملفات الأساسية". ويؤكد أن تلك الإستراتيجية لم تعد مقنعة خاصة أن التونسيين يعيشون صعوبات معيشية متزايدة و"لم يعد اختلاق عدو وهمي يشتت انتباه الشارع، بل صار دليلا إضافيا على فشل الحكم الفردي".

من جهته، يقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت إن ما يروّجه الرئيس التونسي من قضايا وملفات ظل بلا مخرجات عملية، فالكثير من الاتهامات التي صدرت عنه أو عن مستشاريه لم تتجاوز مستوى التصريحات الإعلامية.

وذكّر بأن التونسيين لا يزالون ينتظرون ما وصفها بـ"الحقائق المدوية" حول ملفات كبرى مثل حادثة الظرف المسموم ومحاولة تسميم الرئيس، فضلا عن اتهامات بتكديس أموال ضخمة أو تلقي نواب البرلمان السابق رشاوى مقابل تمرير قوانين.

روايات سياسية

وحسب العجبوني، فإن غياب أي متهمين أو نتائج ملموسة من التحقيقات يجعل هذه الادعاءات أقرب إلى صناعة روايات سياسية منها إلى حقائق قضائية، وهو ما يضعف ثقة الرأي العام، ويؤكد أن الملف لا يتعدى كونه أداة للتضليل لخلق صورة الضحية النزيهة وتبرير فشله في تحقيق إنجازات اجتماعية أو اقتصادية.

ويرى أن استمرار سعيد في خلق أعداء وهميين لم يعد يقنع التونسيين، بل زاد من انتقاداته على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تحوّل خطابه من خطاب رئيس في موقع المسؤولية إلى شخص يشتكي بلا حلول. واعتبر أن تجربته من الحكم المطلق منذ إعلانه عن التدابير الاستثنائية أثبتت أنه لم يقدّم حلولا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بل اكتفى ببناء خطاب يقوم على شيطنة خصومه وسجنهم.

وأضاف أن حصيلة حكمه منذ صعوده للسلطة في 2019 كانت "صفر إنجازات"، مقابل تراكم الانتهاكات في مجال الحريات وملاحقة الصحفيين والمعارضين. وأكد أن هذا النمط من الحكم لا يمكن أن يقدّم مخرجا لتونس، بل يعمّق عزلتها ويغذي الإحباط الشعبي.

إعلان

في المقابل، انتقد عدد من أنصار سعيد ظهور المشيشي "في هذا التوقيت بالذات وبعد كل هذا الصمت"، وتساءلوا عن الغاية من تصريحاته، وحمّلوا الرئيس التونسي المسؤولية لأنه "صنَع رئيس الحكومة الأسبق وتمسك به رغم تحذيرهم إياه منه".

وأكدوا في منشورات على فيسبوك "لن نسمح بتزوير تاريخ تونس الحديث. نعرف جيدا ما خططتم وما تخططون ومن دافع عن نادية والمشيشي، ربما صوتنا خافت، لكننا لن نسمح لكم أن تلعبوا دور الأبطال، أنتم ومن ما زال يلبس ثوب الصدق والإخلاص وهو أشد منكم خيانة".

0 تعليق