كتبت بديعة زيدان:
في ندوة ثقافية حملت عنوان "الرقيب الذاتي في الكتابة الإبداعية"، أقيمت ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض عمّان الدولي للكتاب، وينظمه اتحاد الناشرين الأردنيين، قدّم الروائي المصري محمد سمير ندا، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" للعام 2025، رؤية عميقة حول علاقة المبدع بالرقابة، مشدداً على أن "الضمير اليقظ" هو المحرك الأساسي للكتابة المسؤولة، وليس الخوف من التبعات أو سوء التأويل.
وفي مداخلته، مساء أول من أمس، تناول محمد سمير ندا الأسئلة المتشابكة التي طرحتها مديرة الندوة الأكاديمية الأردنية د. صبحة علقم، حول ما إذا كان الرقيب الذاتي قاتلاً للإبداع أم موجهاً له.
وقال ندا: "أعتقد أن الرقيب الذاتي يستطيع أن يقوم بأي من هذين الدورين حسب الكاتب نفسه، وحسب الحدود التي يضعها لنفسه حينما يكتب"، موضحاً أن العملية الإبداعية تستلزم "ضميراً يقظاً"، لكن هذا الضمير لا يجب أن ينبع من الخوف.
وأضاف: "عندما أراقب نفسي فيما أكتب، أتحرك من خلال ما يمليه علي ضميري الشخصي. ماذا يمكن أن أطرح وماذا لا يمكن أن أطرح.. لا يمكن أن أقول أنني أكتب بحرية مطلقة تماماً، ولكن في ذات الوقت، لا يمكن أن أكتب من خلال الرقيب الرسمي أو الحكومي، وهو الخوف".
وشدّد ندا على أن الانشغال بأسئلة مثل "كيف سيفسر ما أكتبه؟"، أو "ماذا سيُقال عنه؟"، أو "ماذا سيقول فلان؟"، من شأنه أن يشلّ قدرة الكاتب على الإبداع.. وقال: "إذا شغلتني هذه الأسئلة قبل الكتابة، أعتقد أنني لن أستطيع أن أكتب.. العملية الإبداعية تستلزم أن تكون في براح من الحرية، لكن بوجود ضمير يقظ".
وضرب الروائي المصري مثالاً لتوضيح فكرته قائلاً: "لا يصحّ أن أقول إنني لكي أكتب بحرية وأتحرر من الرقابة الذاتية، أن أشعل فتنة طائفية.. هنا يأتي دور الضمير الذي يجعلك تقف عند شيء معين، كي لا تتجاوز خطاً معيناً، لأنك في النهاية قد تكتب أشياء تضر بالمجتمع الذي تعيش فيه".
وفي إشارة إلى تجربته الشخصية، كشف ندا: "حتى في روايتي الأخيرة، لو تتبعتم التعليقات على صفحتي، ستجدون بعض القراء يتهمونني بالإلحاد.. لو أنني جلست وأنا أكتب أفكر هل سيتلقى القارئ العمل القادم بأنه إلحاد أم لا، لما استطعت أن أكتب".
واختتم ندا حديثه بالتأكيد على أن الرقيب الذاتي يجب أن يتمثل في "ضمير حاضر" أثناء الكتابة، وليس "الخوف من التأويلات المفترضة"، مشيراً إلى أن هذا الخوف قد يدفع الكاتب أحياناً إلى اللجوء للترميز أو الكتابة التاريخية كشكل من أشكال الهروب، بينما الكتابة الحقيقية تتطلب مواجهة واعية ومسؤولة.
من جهتهم، أثرى المشاركون الآخرون الندوة، حيث تناول الكاتب والمترجم الأردني د. باسم الزعبي العلاقة الجدلية بين الرقيب الداخلي والرقيب الخارجي الرسمي، مستشهداً بأمثلة من الأدب الروسي وكيف فرضت الرقابة الشديدة هناك أشكالاً من الكتابة الرمزية. بينما أشار القاص جمعة شنب إلى التحديات الجديدة التي فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي خلقت نوعاً جديداً من الرقابة المجتمعية التي قد تكون أشد تأثيراً من الرقابة الرسمية أحياناً.
0 تعليق