ماذا تبقى للفلسطينيين في الأغوار؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رام الله- تتوزع طرق الوصول إلى منطقة الأغوار من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية عبر مسارين أساسيين، الأول يمر من بادية القدس، لكنه مخصص فقط للمركبات ذات اللوحات الإسرائيلية، بينما يعتمد الفلسطينيون على طريق "المعرجات" الذي يمر بالقرى الشرقية للمدينة وصولا إلى مشارف الأغوار.

انطلقت الجزيرة نت من قريتي دير جرير والطيبة شرق رام الله نحو منطقة المعرجات، حيث يلحظ المسافر التغيير الجذري في المشهد مقارنة بما كان عليه قبل عام فقط، فقد اختفت التجمعات البدوية الفلسطينية الممتدة على الطريق حتى نهايته.

كانت 6 عائلات من بدو الكعابنة تعيش هناك إلى جانب عائلات من القرى الشرقية، التي اعتادت قضاء فصل الصيف في المنطقة مع مواشيها فيما يُعرف بـ"التعزيب".

ومع التقدم باتجاه منطقة رأس العوجا، كانت محطة التوقف الثانية عند بدو المليحات، لكن المشهد لم يختلف كثيرا، إذ لم يبقَ أي أثر للعائلات التي كانت تقطن هناك بعدما أُجبرت على النزوح مرتين متتاليتين.

" frameborder="0">

تهجير متواصل

يقول المواطن الفلسطيني سليمان مليحات "قاومنا الرحيل لأشهر طويلة حتى وقع الاعتداء الكبير على بيوتنا، حينها اضطررنا للمغادرة"، ليضيف في حديثه للجزيرة نت "بعد أيام صدر قرار من المحكمة الإسرائيلية بعودتنا، لكننا لم نكد نعود حتى تعرضنا في الليلة ذاتها لهجوم عنيف من المستوطنين، أحرقوا بيوتنا، وسرقوا مواشينا، واعتدوا حتى على أطفالنا".

بعد هذا التهجير، انتقل مليحات مع عائلته إلى منطقة "العوسج" الواقعة بين أريحا والعوجا في الأغوار، لكنه يعيش هاجس الترحيل مرة أخرى، وعن ذلك يقول "لا أعرف أين سيكون مصيرنا، المستوطنون يستهدفون كل ما هو فلسطيني في الأغوار".

ومن هناك واصلت الجزيرة نت الطريق باتجاه رأس العوجا، إحدى أجمل مناطق الأغوار وأكثرها حيوية، حيث مشهد النهر المتدفق وصوت المياه العذبة التي تصاحب المسافر، مع الطيور البرية والنباتات التي تحافظ على خضرتها رغم قسوة صيف المنطقة، غير أن الواقع اليوم بدا صادما؛ فقد جف النبع تماما، ولم يتبق منه سوى قناة إسمنتية مكدسة بالنفايات.

إعلان

الناشط وابن المنطقة هيثم زايد، أكد أنها المرة الأولى منذ عقود يجف فيها النبع بهذا الشكل المفاجئ في فصل الربيع، معتبرا في حديثه للجزيرة نت أن السبب يعود إلى قيام المستوطنين بقطع مجرى المياه عمدا، ويضيف "الاعتداءات باتت ممنهجة، عنوانها الأكبر اليوم هو التعطيش".

ويشير إلى أن هذه الهجمات تصاعدت مع حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة، حيث شهدت المنطقة اعتداءات متواصلة، أبرزها في مارس/آذار الماضي حين سرق المستوطنون 1500 رأس ماشية من أحد التجمعات.

صورة 8 -فلسطنين- الأغوار- عزيزة نوفل-صورة أرشيفية لمراعي في الأغوار قبل السابع من أكتوبر هذه المنطقة خالية تماما الأن من الوجود الفلسطيني - الجزيرة نت
مراعي الأغنام في الأغوار قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لكن هذه المنطقة خالية تماما الآن من الوجود الفلسطيني (الجزيرة)

سيطرة متصاعدة

3 مستوطنين فقط، كما يقول زايد، يقودون حملة منظمة حولت حياة السكان إلى جحيم، وآخرها بناء بؤرة استيطانية جديدة تنذر بموجة تهجير أعنف، ومع ذلك، يؤكد السكان أن خيار الرحيل غير مطروح، لأن بقاءهم في الأرض هو الذي يمنع امتداد الاستيطان إلى مناطق أوسع من الأغوار.

وما رصدته الجزيرة نت في هذه الجولة الصغيرة من الأغوار ليس إلا صورة مكثفة عن واقع المنطقة بأكملها، الممتدة على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية، وتشكل ما يزيد على 30% من مساحتها.

اليوم، تسيطر إسرائيل على 82% من أراضي الأغوار، في إطار مخطط قديم بدأ منذ احتلال عام 1967 وتبلور عبر "خطة ألون"، ثم عبر مشاريع استيطانية ومعسكرات تدريب ومحميات طبيعية ومناطق سياحية.

وبالعودة إلى البدايات، فقد عملت إسرائيل منذ احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 على السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، سواء بجغرافيتها كونها تشكل الحدود الشرقية لفلسطين، أو زراعيا وهي سلة غذاء الفلسطينيين، حيث تتجاوز مساحة الأراضي الصالحة للزراعة 38.8%.

ورغم أن العام 2021 شهد الإعلان الرسمي الإسرائيلي ببدء الفعلي لضم الأغوار مستفيدة من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "صفقة القرن"، فإن إجراءات سابقة كانت تدلل على نية إسرائيل المضي قدما بالاحتفاظ بالأغوار رغم حديث السلام وإقامة الدولة الفلسطينية.

صورة 9- فلسطنين- الأغوار- عزيزة نوفل-الباحث الميداني في بيتسيلم عارف دراغمة - الجزيرة نت
دراغمة يؤكد سيطرة إسرائيل على 82% من مساحة الأغوار (الجزيرة)

إلى جانب الخطط العملية، رافقت سياسات الاحتلال تصريحات واضحة من قادته تؤكد أن الأغوار تمثل "الحدود الأمنية لإسرائيل"، وأن الحفاظ على الوجود الإسرائيلي فيها أولوية إستراتيجية.

غير أن نقطة التحول البارزة جاءت مع اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، حيث كثفت إسرائيل سيطرتها على المنطقة عبر إنشاء بؤر استيطانية عشوائية وتهجير السكان الفلسطينيين، بدعم مباشر من المستوطنين الذين جرى تسليحهم وإطلاق أيديهم بلا رادع.

الباحث الميداني في الأغوار لدى مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي، عارف دراغمة، يوضح أن إسرائيل باتت تسيطر فعليا على 82% من مساحة الأغوار، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن عدد المستوطنات ارتفع إلى 43 مستوطنة وبؤرة استيطانية، إلى جانب 26 معسكرا، بينها 13 بؤرة أُقيمت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

ومن أصل أكثر من 500 عائلة فلسطينية ومربي ماشية كانوا يعيشون في المنطقة، لم يبق سوى نحو 210 عائلات فقط، ويقول دراغمة "هنا الصورة الحقيقية لعملية الضم، تجري بصمت لا يسمعه سوى سكان المنطقة".

صورة 7- فلسطنين- الأغوار- عزيزة نوفل-تجمع رأس العوجا لا يزال صامدا في الأغوار رغم الاعتداءات المستوطنين - الجزيرة نت
تجمع رأس العوجا لا يزال صامدا في الأغوار رغم اعتداءات المستوطنين (الجزيرة)

خيار الصمود

ورغم هذا الضم الفعلي، لا تزال بعض العائلات الفلسطينية تمثل خط الدفاع الأخير في مواجهة السيطرة الكاملة على الأغوار، ويوضح يوسف بشارات -المقيم في خربة مكحول مع أسرته وسط ظروف شبه مستحيلة- وهو واحد من 4 عائلات فقط ما زالت صامدة بعد أن كان التجمع يضم قبل 10 سنوات نحو 25 عائلة، قائلا "ندرك تماما أن رحيلنا من هنا يعني خسارة المنطقة بالكامل".

إعلان

المعاناة التي تعيشها هذه العائلات تضاعفت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على حرمانهم من مصادر المياه أو تقييد حركتهم في الرعي وسرقة مواشيهم، بل امتد ليشمل اعتداءات جسدية مباشرة من المستوطنين.

ورغم قتامة المشهد، يرى الباحث المختص بشؤون الأغوار حمزة زبيدات أن صمود هذه العائلات يمثل مرتكزا أساسيا في المرحلة الراهنة، خصوصا مع الحراك السياسي الدولي المرتبط بإنهاء الحرب على غزة، والتأكيدات بأن الضفة الغربية بما فيها الأغوار تشكل حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية.

ويؤكد زبيدات للجزيرة نت أن على الفلسطينيين التعامل مع السياسات الإسرائيلية باعتبارها إجراءات مؤقتة وغير قانونية، والاستثمار في إعادة إحياء المنطقة عبر مشاريع تنموية وتخطيط وطني ممنهج.

ويختم بالقول "يجب أن تكون الأغوار أولوية فلسطينية في التخطيط والمشاريع والوجود الفعلي، بما يضمن تعزيز الصمود ووقف التمدد الاستيطاني".

0 تعليق