للحظة خاطفة هذا الأسبوع، تصدر لاري إليسون، مؤسس شركة «أوراكل»، قائمة أغنى رجال العالم، متجاوزاً إيلون ماسك، وذلك بعد ارتفاع سهم شركته 43%، مدفوعاً بتوقيع اتفاقية عملاقة مع «أوبن أيه آي» لتوفير قدرات حوسبة سحابية بقيمة 300 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
ورغم أن صدارته لم تدم طويلاً، فقد سلطت الضوء على التحول الهائل الذي تُحدثه ثورة الذكاء الاصطناعي بالأسواق المالية العالمية بما في ذلك تأثيرها الخفي في مدخرات التقاعد العادية لملايين الأشخاص.
الاقتصاد الرقمي الجديد
منذ تأسيس «أوراكل» في عام 1977، بنى إليسون إمبراطوريته على قواعد البيانات والبنية التحتية الرقمية للشركات، لكن الذكاء الاصطناعي نقله إلى مركز جديد للثقل.
ومع الحاجة المتزايدة إلى طاقة حوسبة ضخمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي»، أصبحت «أوراكل» وغيرها من شركات البنية التحتية السحابية حجر الزاوية في الاقتصاد الرقمي الجديد.
النتيجة؛ تضاعف قيم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وارتفاعات هائلة في الأسهم، وظهور تركز مالي غير مسبوق في عدد قليل من الشركات العملاقة.
الأسواق العالمية
اليوم، يُهيمن «السبعة العظماء»: «أبل»، «مايكروسوفت»، «أمازون»، «ألفابت»، «ميتا»، «تيسلا»، و«إنفيديا»؛ على 40% من قيمة مؤشر «إس آند بي 500» الأمريكي، و75% من مؤشر «ناسداك 100»، مما يجعل أي استثمار متنوع في هذه المؤشرات بالواقع رهاناً مركزاً على الذكاء الاصطناعي.
وهذا التوجه لا يقتصر على المستثمرين الكبار، بل يشمل أيضاً ملايين الأشخاص العاديين الذين يمتلكون أسهماً في صناديق التقاعد، حيث تتضمن هذه الصناديق استثمارات مباشرة أو غير مباشرة في شركات التكنولوجيا.
فقاعة أم واقع جديد؟
تشابهات كثيرة تُذكرنا بفترة فقاعة «الدوت كوم» في أواخر التسعينات، حين ارتفعت الأسهم ثم انهارت بشكل مدوٍ. اليوم، تُتداول أسهم مثل «إنفيديا» بأكثر من 30 ضعف الأرباح المتوقعة بتقييمات مرتفعة قد لا تصمد إذا تباطأ الزخم أو خابت الآمال.
لكن الفرق هذه المرة أن رواد الذكاء الاصطناعي ليسوا شركات ناشئة خاسرة، بل كيانات ضخمة وناجحة تحقق أرباحاً فعلية. ما يعقد الصورة ويجعل من الصعب الجزم بما إذا كنا أمام فقاعة مضاربة أو بداية ثورة اقتصادية حقيقية.
التأثير في صناديق التقاعد
نظام التقاعد الأسترالي، الذي يُعد من أكبر مصادر الاستثمارات في البلاد، يتعرض بشكل خفي لمخاطر تركز الذكاء الاصطناعي.
فمع تخصيص 20-30% من استثمارات هذه الصناديق للأسواق العالمية، فإن أي تصحيح مفاجئ في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي قد يؤثر بشكل كبير في مدخرات الملايين.
حتى التنويع في قطاعات مثل التعدين لم يعد كافياً للحماية، حيث أصبحت شركات مثل BHP وFortescue أيضاً جزءاً من سلسلة الإمداد الخاصة بالبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
دروس من الماضي وتحذير للمستقبل
ما نشهده حالياً يُعرف بمخاطر «التركيز النظامي»، حين ترتبط استثمارات يُفترض أنها متنوعة بعوامل أساسية مشتركة، تماماً كما حدث في أزمة الرهن العقاري عام 2008.
وهذا لا يعني أن يُصاب الأشخاص بالذعر أو الفرار من السوق، لكن من الضروري للمستثمرين والأوصياء والمنظمين على حد سواء إدراك أن الذكاء الاصطناعي لا يُغير فقط شكل التكنولوجيا، بل يُعيد تشكيل الخطر والعائد في الأسواق المالية.
الذكاء الاصطناعي هو بلا شك قوة محولة في الاقتصاد العالمي، لكن التقييمات المبالغ فيها، والتركيز العالي في حفنة من الأسهم، يثيران تساؤلات جوهرية حول استدامة هذه الطفرة وعن مدى استعدادنا لنتائجها.
0 تعليق