فايز عوض محمد عبيد *
لا يزال الذكاء الاصطناعي على رأس قائمة المواضيع المثارة للنقاش في وقتنا الحالي خاصة فيما يتعلق بمستقبل الأعمال ووظائف الغد، بل تعدى النقاش فوائد الذكاء الاصطناعي إلى مخاطره المرتقبة التي حذر منها عمالقة التكنولوجيا، ولعل وتيرة التغيير في إدارة الأعمال قد زادت إلى أضعاف ما كانت عليه بفضل إدخال الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning) في مجالات عدة وباتت الحكومات تسابق القطاع الخاص في تبني أحدث التقنيات ومراجعة عملياتها الداخلية والخارجية، ومن المؤكد أن مراجعة الاستراتيجيات والنماذج التشغيلية للاستفادة من التقنيات الحديثة سيكون له تأثير كبير على هيكلة المؤسسات والشركات كمخرج طبيعي للاستثمارات الضخمة في البنى التحتية التقنية واستقطاب أفضل الكفاءات.
شهدت العشر سنوات الأخيرة الكثير من الاندماجات والاستحواذات في قطاع الأعمال وستستمر في الفترة القادمة لأسباب عدة أبرزها قيام الكثير من المؤسسات باستحداث نموذج أعمال مختلف لإدارة أعمالها مما شجع على استحواذها خاصة أنها تملك أحدث التقنيات وتمتاز بالرشاقة المؤسسية التي خلقها تبني الذكاء الاصطناعي، وفي المقابل هناك من عانى فترة الركود أو قاوم التغيير فاضطر إلى الاندماج مع مؤسسات قوية، ومن المتوقع أن الشركات والمؤسسات العملاقة سوف تلجأ إلى مراجعة تعريف عملها الأساسي (Core Business) لتتخلص من الأعمال الخارجة عن هذا التعريف إما بتعهيدها للمؤسسات الصغيرة أو إنشاء وحدات مستقلة تعنى بهذه الأمور، كما ستقوم بتوزيع منتجاتها من خلال خلق وحدات أعمال جديدة تعنى بهذه المنتجات مما يسهل لها عرض هذه الوحدات للاندماج أو الاستحواذ من قبل الغير.
يتفق الجميع على اختفاء الكثير من الوظائف الحالية مستقبلاً، وسيؤدي ذلك إلى تقليص الطبقات التشغيلية في الهيكل التنظيمي للمؤسسات، وقد لاحظنا أنه مع إدخال التقنيات تبنت نظريات الإدارة الحديثة هياكل مؤسسية أكثر رشاقة بتخفيض عدد الطبقات في الهياكل التنظيمية وسنرى قريباً الهياكل التنظيمية أكثر من ذي قبل وبعدد طبقات ربما يصل إلى نصف ما عليه الآن مما يعني أن العملية الإشرافية ستتقلص مع تقلص الوظائف التشغيلية التي ستؤديها الآلة بدلاً عن الإنسان، كما ستكون هناك وحدات تنظيمية جديدة تعنى بالتطوير المستمر للعمليات بعد أن كانت مراجعة البنية التحتية التقنية تتم بعد سنوات.
تعاني الكثير من الشركات والمؤسسات التضخم في إدارات الدعم المؤسسي كإدارات الموارد البشرية والمشتريات والمالية والمنشآت، ومع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع وصحيح، سيكون هناك تقليص كبير في دور هذه الوحدات بل سيكون هناك تغيير جذري في نطاق عملها، كما سيكون لإدارات الحوكمة والرقابة وإدارة التغيير دور مختلف لمراجعة سير العمليات الرقمية بشكل مستمر مقابل التغيير التقني السريع، والتأكد من أن الآلة تستغل بشكل صحي وبالطريقة المثلى ومراقبة عمليات الاحتيال الذكي الذي يتطور يوماً بعد يوم.
لا شك في أن التوقعات المذكورة أعلاه مرتبطة ببعضها البعض وقد بدت التغيرات واضحة مع تطور تعلم الآلة، وعلى الشركات والمؤسسات ربط استراتيجياتها بهذا التطور ووضع الموازنات اللازمة وقبل هذا كله التأكد من وجود الانفتاح الفكري ضمن الإدارة العليا، حيث إن التأخر في الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى عدم اللحاق بالركب فعجلة التغيير تدور بسرعة فائقة ولن تتوقف، ونستدرك هنا مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «من يتوقف عن السعي للتطور سيتراجع بالتأكيد».
* مستشار موارد بشرية
[email protected]
0 تعليق