سوريا وإسرائيل: لماذا تعثّر الاتفاق؟ - البطريق نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

كان من المتوقع على نطاق واسع أن تُبرم سوريا وإسرائيل اتفاقا أمنيا برعاية أميركية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.

وقد عزز الإعلان الثلاثي السوري، الأردني، الأميركي عن خارطة طريق لحل أزمة السويداء قبل فترة من اجتماعات نيويورك هذا التوقع، إذ بدا أنها تعالج عقبة رئيسية أمام إبرام الاتفاق. ومع ذلك، لم يُبرم الاتفاق في نيويورك.

وذكرت وكالة رويترز أن المفاوضات حوله تعثرت في اللحظات الأخيرة؛ بسبب إعادة إسرائيل طرح مطلب إنشاء ممر إنساني إلى السويداء، رغم نفي المبعوث الأميركي توم براك لاحقا في مقابلة مع قناة الجزيرة فشل الاتفاق في اللحظات الأخيرة.

وبغض النظر عن الأسباب التي لا تزال تمنع إبرام هذا الاتفاق، يتضح أن العقبات لا تزال قائمة. وعلى الرغم من موافقة سوريا المبدئية على مطالب إسرائيل بنزع السلاح من منطقة جنوب دمشق، فإن مصير المناطق التي احتلتها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد، ولا سيما مرتفعات جبل الشيخ الإستراتيجية، لا يزال غامضا.

وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي بقاء الجيش الإسرائيلي في مرتفعات جبل الشيخ. ومع ذلك، كشف خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عن إمكانية إبرام اتفاق مع سوريا يحترم سيادتها، ويضمن أمن إسرائيل، وحماية الدروز في الجنوب، مما يشير إلى استمرار التعقيدات التي تواجه الاتفاق، وربما تفوق قدرتها على الحل بسهولة.

من جهة، يبدو حديث نتنياهو عن اتفاق يحترم سيادة سوريا متناقضا مع مطالب إسرائيل بالاحتفاظ بوجودها في مرتفعات جبل الشيخ، وفرض حظر جوي على الطائرات العسكرية السورية في بعض مناطق الجنوب، خصوصا محافظة السويداء.

ومن جهة أخرى، فإن فكرة "الممر الإنساني" الإسرائيلي للسويداء وحماية الدروز تُضعف مبدأ السيادة السورية وترسخ تدخلا إسرائيليا طويل الأمد في العلاقة بين الدروز ودمشق.

إعلان

علاوة على ذلك، فإن الافتراض بأن موافقة الولايات المتحدة على خارطة طريق السويداء تحظى بقبول إسرائيلي ليس دقيقا تماما. ويبدو أن الهدف من طرح الممر الإنساني هو ضمان استمرار نفوذ إسرائيل في السويداء حتى بعد إبرام اتفاق أمني مع سوريا، وتعزيز الأسس لمشروع حكم ذاتي للدروز في المستقبل.

إن رفض سوريا مطلب الممر الإنساني لا يعود فقط إلى تعارضه مع مبدأ السيادة السورية، وتهديده بإنشاء نظام سياسي وإداري خاص لمحافظة السويداء تحت الحماية الإسرائيلية، بل أيضا لأنه يفتح الباب أمام مخاطر إنشاء كيانات طائفية وإثنية في سوريا على حساب وحدتها السياسية.

فالقبول بهذا التصور الذي تسعى إسرائيل لفرضه قد يعزز على المدى القريب مساعي قوات سوريا الديمقراطية للاحتفاظ بحكم ذاتي ذي طابع كردي في شمال شرق البلاد. وعلى المدى البعيد، قد تظهر مطالب مماثلة في منطقة الساحل بإقامة حكم ذاتي للعلويين.

وإضافة إلى أن هذه الأطروحات لا تحظى بقبول لدى شريحة واسعة من السوريين الذين يسعون للحفاظ على وحدة سوريا، فإن القبول بها يُقوض بشدة الشرعية الداخلية لحكم الرئيس أحمد الشرع، كما يتعارض بشكل واضح مع مخاوف تركيا بشأن إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في الشمال.

حتى في الوقت الذي تشكل فيه الطموحات الإسرائيلية في جنوب سوريا تهديدا لوحدة سوريا، فإنها تعكس أيضا تناقضا صارخا بين رؤيتي إسرائيل وتركيا لمستقبل سوريا كدولة موحدة.

ويعكس تحذير وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من احتمال شن إسرائيل عملية عسكرية في جنوب سوريا قلق أنقرة من محاولات إسرائيل فرض واقع ميداني يتماشى مع طموحاتها التوسعية في سوريا، وإنشاء وضع خاص للدروز في السويداء على حساب وحدة سوريا.

ومع ذلك، تظل عقبة رئيسية أمام الطموحات الإسرائيلية تتمثل في موقف الولايات المتحدة التي لا تزال تؤكد علنا دعمها لوحدة سوريا وتفضل إشراك مختلف المكونات السورية في حكومة شاملة. ويرجع هذا الموقف إلى ثلاثة اعتبارات رئيسية:

أولا، أن فرض مشاريع الحكم الذاتي أو الفدرالية في سوريا قد يؤدي إلى حرب أهلية. ثانيا، أن هذه المشاريع تعرقل طموحات واشنطن لإدماج سوريا في اتفاقيات سلام مع إسرائيل مستقبلا. ثالثا، أن التماهي الأميركي مع مشاريع الحكم الذاتي، قد يؤدي إلى صدام خطير بين حليفين مهمين للولايات المتحدة في المنطقة، وهما إسرائيل وتركيا.

يُشكل التعامل الأميركي مع قضيتي السويداء وقوات سوريا الديمقراطية عنصرا حاسما في تحديد مستقبل سوريا الموحدة، وفي إدارة التناقض الواضح بين المصالح التركية والإسرائيلية في سوريا.

لكن المؤشرات التي تُبديها إدارة الرئيس دونالد ترامب في هذا السياق تثير القلق. فمن ناحية، أظهرت قمة الرئيسين؛ رجب طيب أردوغان، وترامب في البيت الأبيض 25 سبتمبر/أيلول الماضي، رغبة الطرفين في تبني سياسة واضحة تدعم وحدة الأراضي السورية وكيانها السياسي.

ومن ناحية أخرى، لا تزال الولايات المتحدة مترددة في ممارسة نفوذها على إسرائيل لإبرام اتفاقية أمنية مع سوريا تحافظ على وحدتها، وعلى قوات سوريا الديمقراطية للاندماج في الدولة السورية.

إعلان

إن غموض الموقف الأميركي تجاه سوريا لا يُثير فقط مخاوف أنقرة ودمشق بشأن النوايا الأميركية ويزيد من مخاطر تضارب المصالح بين تركيا وإسرائيل، بل يُشكل أيضا عقبة رئيسية أمام أهداف ترامب الإستراتيجية في سوريا، والتي تتمثل في ملء الفراغ الأمني الناتج عن الانسحاب الأميركي المستقبلي من سوريا، وتحقيق تحول تاريخي في العلاقات السورية الإسرائيلية، بما يخدم توجه واشنطن لتوسيع عملية التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق