يتحمل الإعلام الغربي مسؤولية مباشرة في الإبادة الجارية ضد الشعب الفلسطيني منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 من خلال صمته وانحيازه الكامل للرواية الإسرائيلية، ما حوله إلى شريك فعلي في التضليل وتطبيع المجازر.
ولا يعتبر الخضوع الكامل للرواية الصهيونية وليد اليوم، بل نتاج عقود من الترهيب والترويض المنهجي لمؤسسات إعلامية كبرى تمولها حكومات غربية أو تملكها مجموعات ضيقة مرتبطة باللوبي الصهيوني.
واستعرضت حلقة (2025/10/2) من برنامج "الحرب على إسرائيل" التي يمكن متابعتها من (هذا) الرابط شهادات لصحفيين فلسطينيين وناشطين غربيين حول دور الإعلام في تضليل الرأي العام العالمي وتبرير جرائم الحرب الإسرائيلية.
كما أوضحت الحلقة كيف تحول الإعلام الغربي من مراقب محايد إلى أداة دعائية تروج للأكاذيب، وتنكر الحقائق الموثقة على الأرض.
وفي شهادة واقعية، روى المراسل الفلسطيني سعيد عريقات، مراسل جريدة القدس العربي في العاصمة الأميركية والذي يغطي القضية الفلسطينية منذ عقود، تجربته المريرة في تغطية المؤتمرات الصحفية الأميركية.
حيث كان يوم العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شاهدا على أكثر المؤتمرات الصحفية زخما في البيت الأبيض، وكان عريقات الصحفي الفلسطيني الوحيد في القاعة بينما انحاز بقية الصحفيين بشكل سافر للرواية الإسرائيلية، متحدثين عن هول وإجرام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعيدا تماما عن أي موضوعية صحفية.
وأشار عريقات إلى أنه جرى تقديم تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 للعالم وكأنه حدث لم يكن متوقعا، وأن ما ارتكبه الفلسطينيون جريمة كبرى، بينما تم تجاهل 75 عاما من الاحتلال والاغتصاب، والاعتداء والاستيطان والحصار.
وخرج مسؤول أميركي رفيع ليعلن أن هذا اليوم شهد قتل أكبر عدد من اليهود في يوم واحد منذ المحرقة، بينما أعلن الرئيس السابق جو بايدن دعمه المطلق لإسرائيل تحت شعار حق الدفاع عن النفس.
وفي السياق ذاته، أكد المراسل الفلسطيني أن تركيز وسائل الإعلام الغربية انصب على السابع من أكتوبر/تشرين الأول وكأن القضية الفلسطينية والصراع بدأ في ذلك اليوم، وهو ما يعتبر جزءا من عملية التضليل للمشاهد الغربي.
إعلان
وحتى عندما يتجرأ المتلقي على السؤال عما قبل ذلك التاريخ، يكون الجواب دائما أن الأمر معقد جدا، ويجب التركيز فقط على السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
تراكمات الاحتلال
ولم يرد الإعلام الغربي بانحيازه التوقف عند السابع من أكتوبر/تشرين الأول بوصفه نتيجة لتراكمات 70 عاما من الاحتلال، بل بوصفه منعطفا يدين الجانب الفلسطيني فقط.
ومن جهة أخرى، تحدث عريقات عن تهرب المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت من الإجابة عن سؤال له عن العدد المطلوب الذي يجب أن تتوقف فيه إسرائيل عن قتل المدنيين في غزة، وذلك بعدما تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 40 ألف شهيد، ووصل عدد القتلى في يوم واحد إلى 700 شهيد.
وبحسب عريقات، فإن التعامل مع الإنسان الفلسطيني بهذا الاستهتار من قبل الناطقين الرسميين يؤثر تأثيرا كبيرا على نفسية الصحفيين الفلسطينيين.
كما تحدث عريقات عن مشاعر مؤلمة انتابته حين حضر قبل أسبوعين المؤتمر الصحفي للرئيس دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية– في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض.
وحاول طرح سؤال لكن لم يلتفت أحد إليه، وفي تلك اللحظات تردد بشدة وهو يدرك أن العالم يشاهد المشهد، متسائلا هل يفعل كما فعل الصحفي العراقي منتظر الزيدي مع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، أم يصرخ فيهما؟
لكنه تذكر أنه موجود بصفته المهنية وقد يسبب مشاكل لزملائه وللجهة التي يعمل بها، فلم يفعل شيئا، وعاد للبيت في حالة نفسية سيئة.
وقال عريقات أنه يشعر بالأسى، بعد أن أدرك أنه وقف على بعد 6 أو 7 أمتار من نتنياهو الذي قتل 50 ألف بريء في غزة، وداعمه الأكبر ترامب على بعد أمتار، ثم يكتشف أنه لا يستطيع فعل شيء.
جذور الانحياز
ولفهم جذور الانحياز الغربي، أشار المراسل إلى أن هذا الخضوع للرواية الإسرائيلية ليس وليد اليوم، ففي عام 1985 كتب سيناتور أميركي كتابا بعنوان من يجرؤ على الكلام، تحدث فيه عن حجم الخوف والترهيب الذي يخضع له أعضاء الكونغرس الأميركي من قبل اللوبي الصهيوني، وحجم الترهيب الممارَس على وسائل الإعلام والإعلاميين إذا تجرؤوا على مجرد انتقاد إسرائيل أو الدعم الأميركي لها.
وفي السياق ذاته، أوضح عريقات أن المؤسسات الإعلامية التقليدية الكبرى، بما فيها "بي بي سي"، التي يُضرب بها المثل في الحياد، تبقى في النهاية تابعة لتوجهات الحكومات الغربية.
وفي شهادة لافتة من داخل المنظومة الإسرائيلية، كشفت الضابطة السابقة في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية جوزفين جيلبو أن كل التدريبات كانت تتمحور حول ثقافة الشرق الأوسط، وكل ما يتم تعليمهم إياه عن العرب والمسلمين أنهم إرهابيون يجب قتلهم وأنهم سيئون.
وانتقلت هذه الصورة النمطية المزروعة في العقلية الإسرائيلية إلى الإعلام الغربي الذي يصور الفلسطينيين دائما كإرهابيين.
ومن منظور أوروبي مغاير، أشار الناشط الأيرلندي الكوميدي تيكي من كورك إلى أن العلاقة الأيرلندية الفلسطينية تجعله يدرك خطورة تصوير الفلسطينيين كإرهابيين، لأن الأيرلنديين الذين وقفوا ضد محتلهم الاستعماري صُوروا بالطريقة نفسها.
إعلان
وأوضح أن الأسماء الكبيرة في هوليود والكوميديا تسعد بتصوير الصراع وكأن إسرائيل عالقة مع رجال خطرين محتملين كإرهابيين، في إطار الإسلاموفوبيا التي تفشت منذ أحداث سبتمبر/أيلول.
وأضاف الناشط الأيرلندي أن ما حدث في الأشهر الماضية جعل الناس يتساءلون حقا: من هو الإرهابي؟ هل هو من يقصف المستشفيات وأماكن العبادة ويقتل النساء والأطفال ويهجر الناس ثم يقصف الخيام؟ السردية آخذة في التغير، لكن تقليديا كانت منحازة بالكامل لصالح إسرائيل خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة.
وعلى مستوى الأكاذيب المنهجية، سارع الإعلام الغربي بنشر ادعاءات عن قطع رؤوس الأطفال والاغتصاب الجماعي، وتبين لاحقا أن هذه الادعاءات لم تكن صحيحة.
وادعى الرئيس الأميركي السابق بايدن نفسه رؤية أطفال مقطوعي الرؤوس، الأمر الذي خلق بيئة من ردود الفعل العنيفة أدت إلى طعن طفل فلسطيني عمره 6 سنوات في شيكاغو 26 مرة حتى الموت.
0 تعليق