مراسلو الجزيرة نت
Published On 5/10/20255/10/2025
|آخر تحديث: 16:13 (توقيت مكة)آخر تحديث: 16:13 (توقيت مكة)
الفاشر- تحت سماء ملبدة بالطائرات المسيرة، وفي مدينة تحولت إلى مرآة للموت والحصار، رحل الصحفي السوداني النور سليمان تاركا خلفه قلمه وكاميرته، بعدما استهدفت طائرة مسيرة لقوات الدعم السريع منزله في حي الدرجة الأولى بمدينة الفاشر، لينضم إلى قافلة الصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لنقل الحقيقة في حرب لا تعرف الرحمة.
وحسب نقابة الصحفيين السودانيين، فإن النور هو الصحفي رقم 32 الذي يقتل منذ اندلاع الحرب في السودان، في وقت تتصاعد فيه موجات العنف والاستهداف الممنهج للمدنيين، خاصة في الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع وتعيش واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخها الحديث.
نقابة الصحفيين السودانيين تنعى اليوم السبت، الصحفي النور سليمان النور، الذي توفي متأثرا بجراحه إثر قصف طال منزله بمدينة #الفاشر شمال دارفور على يد قوات الدعم السريع.
تفاصيل ????https://t.co/8pqTqpDTu9#صحيفة_التغيير_الإلكترونية pic.twitter.com/RkMN69VXHP— التغيير الالكترونية (@altaghyeersudan) October 4, 2025
وداع تحت القصف
لم تستطع عائلة النور سليمان توديعه كما يليق بمن أفنى عمره في خدمة الحقيقة. يقول صديقه وزميله محمد أحمد للجزيرة نت "لم نتمكن حتى من تشييع جثمانه. كانت الطائرات المسيرة تحلق فوق رؤوسنا، والقصف لا يتوقف. رحل النور كما رحل كثيرون قبله، بصمت موجع، دون وداع أو جنازة."
ويضيف محمد، وهو يحبس دموعه "كان النور يردد دائما أن الصحافة ليست مهنة بل رسالة. واليوم، رحل وهو يؤدي رسالته الأخيرة في مدينة لا تعرف سوى الحداد."
النور سليمان (38 عاما) لم يكن مجرد مراسل صحفي، بل كان أحد أبرز الأصوات الإعلامية في شمال دارفور. بدأ مشواره في إذاعة السلام بمحلية المالحة، ثم انتقل إلى الفاشر حيث عمل محررا ومقدما للبرامج في إذاعة الفاشر، قبل أن يتولى إدارة الإعلام في مكتب والي شمال دارفور.
إعلان
يقول زميله في الإذاعة حسن عبد الماجد للجزيرة نت "كان النور لا يساوم في نقل الحقيقة. يرفض التزييف ويصر على توثيق كل انتهاك. كان يؤمن أن الكلمة الحرة أقوى من الرصاص، وأن الصحفي لا ينبغي أن يصمت مهما اشتدت النيران."
قصف وحصار
الصحفيون في الفاشر لا يواجهون فقط خطر القصف، بل يعيشون تحت حصار خانق منذ أكثر من عامين. تقول منى عبد الله، وهي ناشطة حقوقية، للجزيرة نت "الصحفيون هنا يموتون مرتين: مرة تحت نيران الطائرات المسيرة، ومرة تحت وطأة الجوع والعطش والمرض، نحو 95% من المرافق الصحية تعطلت، والمياه النظيفة أصبحت حلما بعيدا."
وتضيف منى "الصحفيون الذين بقوا في الفاشر هم أبطال حقيقيون، يكتبون تحت القصف، ويصورون تحت الأنقاض، ويصرخون في وجه الصمت الدولي، إنهم آخر من تبقى ليحكي قصة مدينة تباد بصمت."

أرقام مفزعة
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال عبد المنعم أبو إدريس، رئيس نقابة الصحفيين السودانيين، "منذ اندلاع الحرب، فقدنا 32 صحفيا، وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع، خصوصا مع استمرار القتال في مناطق عدة من السودان".
وأضاف أن الصحافة في السودان باتت مهنة محفوفة بالموت لا حماية، ولا ضمانات، ولا صوت دولي يردع المعتدين أو يحاسب المسؤولين.
الهجوم الذي أودى بحياة النور سليمان لم يكن حادثا منفردا، إذ طال القصف ذاته سوق أبو قرون وأجزاء من حي أبو شوك و3 مراكز إيواء إضافة إلى المستشفى السعودي، ما أسفر عن مقتل 17 مدنيا وإصابة أكثر من 30 آخرين، وفق إحصاءات محلية حصلت عليها الجزيرة نت.
وتؤكد مصادر طبية أن معظم الضحايا من النساء والأطفال، وأن الإصابات تراوحت بين الجروح البليغة والكسور، وسط نقص حاد في المستلزمات الطبية.

حصار طويل الأمد
منذ 10 يونيو/حزيران 2024، تعيش مدينة الفاشر تحت حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع، حيث أُغلقت الطرق المؤدية إلى المدينة بالكامل، وتوقفت الإمدادات الغذائية، ومنعت المساعدات الإنسانية، بينما تستخدم التجويع أداة ضغط لإجبار السكان على النزوح غربا.
يقول الصحفي أحمد سليمان، أحد من تبقوا في المدينة، للجزيرة نت: "نحن معزولون عن العالم، لا إنترنت، لا اتصالات، لا غذاء، ولا مياه، نكتب على الورق، وننقل الأخبار بوسائل بدائية، لكن لا أحد يسمعنا."
ويطلق الناشطون في دارفور نداءات متكررة للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، تقول آمنة عبد الرحمن، ناشطة محلية، للجزيرة نت: "العالم يتفرج على إبادة جماعية بطيئة، نفقد أعزاءنا كل يوم، والأمم المتحدة تكتفي ببيانات شكلية بلا أثر."
ودعت الناشطة إلى توفير ممرات آمنة وتوفير مساعدات عاجلة، وحماية للصحفيين. مشيرة إلى أن "ما يحدث في دارفور ليس مجرد حرب، بل جريمة ضد الإنسانية تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم."

انهيار صحي
وفي المستشفى السعودي الذي طاله القصف نفسه، يعمل الأطباء في ظروف مأساوية. يقول أحد الأطباء للجزيرة نت، مفضلا عدم ذكر اسمه: "نعمل بلا كهرباء، بلا أدوية، بلا أدوات جراحية. ومعظم الإصابات بين الأطفال والنساء. والنظام الصحي في المدينة ينهار أمام أعيننا ونحن عاجزون عن إنقاذ الأرواح."
إعلان
ويضيف "حتى غرف العمليات لم تعد صالحة للاستخدام. نستخدم مصابيح الهواتف المحمولة لإجراء الجراحات، والموت بات أسرع من العلاج."
0 تعليق