حوراء مرهون
بصوت جهور ونقي ولباس بحري تقليدي يعكس هوية البحرين وتاريخها، استقبلنا النهّام البحريني أحمد جمعة على متن بانوش قديم بمنطقة المحرق، ليروي قصة عشق البحر، وإرثه الثقافي الذي احتضنه بقلبه وصدح به بحنجرته.
فاز أحمد جمعة بالمركز الأول في مسابقة نهّآم الخليج عام 2023 بالمملكة العربية السعودية، ومثّل ثقافة البحرين بفنه الشعبي في محافل محلية وخليجية أخرى، وهذه رحلة «شغف» جديدة.
الدور الشعبية مدرستي الأولى
أحبّ أحمد جمعة ورفاقه في فرقة البديع الشعبية الفن الشعبي كهوية نابضة في الدم والقلب، عاكسة لتراث الآباء والأجداد. وعن المرة الأولى التي اكتشف فيها صوته قال:” قبل عشرة أعوام كنت جالسًا في دار المرحوم إسماعيل دواس وبدأت أغني، نال صوتي إعجاب الحضور واقترحوا علي أن أنهم لأن صوتي يتناسب مع هذا الفن، ومنذ تلك اللحظة بدأت سماع التسجيلات الصوتية للنهامة البحرينيين وأحببت هذا الفن ووجدت فيه نفسي“.
ويضيف: «نشأت في عائلة لها باع طويل في الفن الشعبي، أما عند بداية مسيرتي في مجال الفنون البحرية والنهمة فقد بدأت عام 2015 مع فرقة المرحوم إسماعيل دواس ونخبة من الشباب وتعلمت منهم، وبعد ذلك استفدت من خبرات دار قلالي الشعبية، ولا أنسى إرشادات وتعليمات كل من الباحث جاسم محمد بن حربان، النهام والراوي بدر السادة وحسان المنصوري وجميع المهتمين بفنون البحر ولفجري والفنون الشعبية بشكل عام“.
كبرت على صوت العلّان وبو طبينة
النوستالجيا ربما تفسر حب وارتباط جمعة بفن لفجري، فقد كان يستمع منذ الطفولة لتسجيلات نهاية البحرين مثل:( سالم العلان، أحمد بوطبينة، مبارك الراعي، هلال بوخالد)، والشعور الجميل الذي ينتابه منذ طفولته حين يستمع لهذه الفن.
”لفجري“... هويتنا وصوتنا البحري
الفجري هو نوع من أنواع الفنون البحرية، وهو غناء كان يؤدى بواسطة الغواصين في الخليج العربي وخاصة في الكويت والبحرين، وله دور خاصة، وغالباً يؤدى في موسم الغوص شتاءً.
ويمكن أن يؤدى”لفجري“ على السفينة بحراً، أو على اليابسة بعرض تمثيلي، وهو فن يقتصر على الرجال دون النساء، يؤدى على سطح المركب، ولكل مرحلة من مراحل الغوص غناء خاص.
وتنقل كلمات”لفجري“ بشجن معاناة البحارة ومخاطر الرحلة وطول الغياب وفرحة لقاء الأحبة، ويذكر فيها بعض الأذكار الإسلامية لطلب المعونة من الله في البحر.
لا أسمي نفسي ”نهّاماً“
يتميز النهام بقوة الصوت الجميل والنفس الطويل، وكل ذلك يحتاج تدريب مستمر، ليتمكن من بلوغ الهدف وهو تحفيز البحّارة على أداء مهامهم في البحر.
ويقول جمعة بأنه لا يسمي نفسه نهّاماً حتى الآن، لأن النهام يجب أن يعمل في البحر ويغني الفنون الشعبية في الدور.
ويضيف بأن فن لفجري في البر له خمس فصول:( البحري، العدساني، الحدادي، المخولفي والحساوي)، وفي البحر: (سحب السن نهمة، خطفة الشراع، الدواري، المغموس، الجيب).
”الزهيريات“ تحكي الفراق والحزن
يذكر أحمد جمعة بعض القصائد أو ”الزهيريات“ المرتبطة بالشجن والفراق، ويقول بصوت شجي: ”نار الغضى ولعن باقصى الضمير بجاي، والغير يا ما شرب كاس وزاد بجاي، ظليت أعالج جروحي كالغريب بجاي، وانوح من فقدكم نوح الحمام الغرب، جني طوير الفلا هايم صباح وغرب“.
و نهمة أخرى: ( لي صاحبن صح من عقب الغلا ملني، وبنار جفواه على جمر الغضا ملني، بالله يكوّر حزن من لامني ملني، قمت أشتكي للجبل صد وخشع ذابلي، قمت أشتكي للبدر قلبه نحل ذابلي، من عقب مطلي الذهب هاذا قشر ذابلي، لا حول لمن جفوني حتى صويحبي ملني“.
نصدح بالفن أينما كنا والمال ليس هدف
حصد أحمد جمعة المركز الأول في الدمام بمسابقة نهام الخليج عام 2023، وشارك في العديد من المحافل الفنية في البحرين وعلى مستوى الخليج، ويمثل المملكة في الفعاليات الثقافية المرتبطة بالتراث والبحر.
ولا يعتبر المال هدفاً، إنما ممارسة هذا الفن بحب وصدق والحفاظ على هذا التراث ونقله للأجيال هو الهدف الأسمى.
لن يندثر الفجري
يطمح أحمد جمعة بأن تستمر المملكة بأبنائها ومؤسساتها في الحفاظ على الفنون البحرية ويقول باعتزاز: ”في البحرين الفن لا يموت، لأن كل الهيئات الرسمية وأبناء البلد يحرصون على الحفاظ على هذا التراث“.
يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) كانت قد أدرجت فن لفجري على قائمتها للتراث الغيرمادي عام 2021.
0 تعليق